آخر الأخبار

ماذا يشترط الاتحاد الأوروبي على بريطانيا لطي صفحة بريكست؟

شارك

لندن – رغم حماسة الأوروبيين والبريطانيين لإعادة إصلاح ما أفسده قرار المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل 5 سنوات، عاد التوتر ليخيم على العلاقات المتقلبة بين الجانبين، مع تعثر محاولات لندن وبروكسل تنفيذ اتفاق دفاعي وتجاري وقع قبل أشهر.

ففي الوقت الذي يصر الاتحاد الأوروبي على أن تسدد بريطانيا ثمن استفادتها من التقارب الجديد مع التكتل وعودتها للسوق الأوروبية المشتركة، يرفض البريطانيون دفع المقابل المالي المطلوب رغم قرب نهاية المهلة الأوروبية ويلحون أن الشراكة الإستراتيجية بين الجارين لا تقدر بثمن، في لحظة جيوسياسية يقترب فيها الأميركيون من فرض تسوية على الجميع في أوكرانيا .

لكن منذ أيام يخوض المفاوضون الأوروبيون مباحثات شاقة مع البريطانيين للسماح لهم بالانخراط في برنامج الدفاع الأوروبي الذي تقدر قيمته بحوالي 132 مليار جنيه إسترليني ، بعد طلب الاتحاد الأوروبي دفع رسوم تبلغ قيمتها 5.3 مليارات جنيه إسترليني للسماح للشركات البريطانية بالاستفادة من خطة التسليح الأوروبية.

مصدر الصورة الجيوش الأوروبية تعاني من ضعف في التمويل وقلة أعداد المجندين (غيتي)

خطة التسليح

في المقابل، يرى البريطانيون أن تأمين مشاركة كبرى في خطة التسليح الأوروبية لا تعني دفع ثمن الحصول على امتياز الدخول سوق الدفاع الأوروبية وتوريد الأسلحة إليها، حيث شدد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أنه رغم استعداد بلاده لدفع ما وصفه بنصيب عادل من تكاليف البرنامج فإن حكومته تصر على أن يكون ذلك متناسبا أيضا مع العوائد التي ستجنيها بريطانيا منه.

وكانت المشاركة في الجهد الأوروبي لإعادة التسليح أحد أبرز دوافع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للقفز على العلاقات مع بروكسل والعمل على الخروج من دوامة أزمات "بريكست"، في لحظة يستشعر فيها الحلفاء الغربيون بشكل متزايد مأزق انكفاء الدعم الأميركي والحاجة لبناء منظومة دفاعية مستقلة عن واشنطن.

إعلان

وفي مايو/أيار الماضي خلال قمة استثنائية في لندن جمعت رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هي الأولى من نوعها منذ مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، أبرم الشريكان عدد من الصفقات مثل الاتفاق الدفاعي عصبها المحرك، بينما شملت أخرى الصيد البحري وتنقل الشباب وقطاع الطاقة الكهربائية والأغذية.

لكن مع الدخول في صلب المفاوضات حول تفاصيل تلك التفاهمات، بدأت تظهر الخلافات حول حجم المساهمات المالية التي يصر الأوروبيون على أن تدفعها بريطانيا لا للعب دور في توريد الأسلحة إلى داخل الاتحاد الأوروبي فقط، ولكن أيضا للاستفادة من اتفاقيات الأغذية والطاقة الكهربائية.

مصدر الصورة المشاركة في الجهد الأوروبي لإعادة التسليح أحد أبرز دوافع ستارمر لتعزيز العلاقات مع بروكسل (الأوروبية)

شراكة دفاعية بمقابل

وكان وزير شؤون بريكست نك توماس سايموندز، قد نفى في تصريحات سابقة أي إمكانية لتقدم حكومته أي مساهمة في الميزانية العامة للاتحاد، على غرار دول كالسويد والنرويج، كجزء من عملية إعادة ضبط العلاقات بين الجانبين بعد مرور 5 سنوات على توقيع اتفاق بريكست.

ويرى دايفيد هينيغ مدير برنامج السياسات التجارية البريطانية بالمعهد الأوروبي للاقتصاد السياسي، أن رغبة الأوروبيين في أن يدفع البريطانيون أموالا لتفعيل هذه الاتفاقيات المبرمة يعد جزءا من تعقيدات الاتحاد الأوروبي المالية وصورة عن الخلافات بين أعضائه بشأن حجم مشاركة الدول الحليفة من خارج التكتل في السوق الأوروبية، مما يثير مخاوف بشأن قدرة الأوروبيين على التحرك بفعالية لسد الثغرات، خاصة حين يتعلق الأمر بخططهم الدفاعية.

واستبعد هينيغ، في حديث للجزيرة نت، أن تنصاع بريطانيا للشروط الأوروبية بسهولة بالنظر للأعباء الكبيرة المترتبة عن سداد أموال ضخمة للاتحاد الأوروبي، في وقت تكافح فيه الحكومة العمالية للحفاظ على توازن الميزانية العامة.

وتضغط بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، للتضييق على مشاركة البريطانيين من البرنامج الدفاعي، حيث تطالب بأن يحتفظ التكتل باستقلاليته الدفاعية، ولا تتعدى المعدات التي تصنع خارج الاتحاد الأوروبي 50%، في حين تدفع دول أخرى كألمانيا للسماح بمشاركة أوسع للبريطانيين في مشروع إعادة التسلح الأوروبي.

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن مسؤول في المفوضية الأوروبية إصرار الاتحاد على سداد بريطانيا ثمن مشاركتها في هذا البرنامج الضخم للتسليح الأوروبي والتفاوض على حجم العقود التي ستبرمها، والسرعة التي ستسلم بها صفقات الأسلحة.

وتتزايد حدة النقد للحكومة البريطانية بسبب إصرارها على التقارب مع بروكسل وللالتفاف على قرار بريكست عبر ما يراه مؤيدوه عودة للسوق الأوروبية المشتركة والانضباط لقواعدها وشروطها، حيث يقود حزب الإصلاح اليميني المتطرف عبر تصريحات متكررة لزعيمه نايجل فاراج الهجوم على خطط الحكومة العمالية للتقارب مع بروكسل.

ويذهب ستيف وولكوك أستاذ التجارة الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسي في حديث للجزيرة نت، إلى أن البريطانيين والأوروبيين قادرون على تحقيق اختراق في الهامش التفاوضي المتاح لهم رغم صعوبة المباحثات بين الجانبين والتحديات التي تفرضها هياكل وأنظمة الاتحاد الصارمة.

مصدر الصورة نايجل فاراج يقود الهجوم على خطط الحكومة العمالية للتقارب مع بروكسل (الأوروبية)

خلافات متصاعدة

وفي وقت كشف فيه دبلوماسيون أوروبيون لصحيفة البوليتيكو أن مفاوضات مماثلة مع كندا تمضي بسلاسة، حذرت الصحيفة من أن الخلافات المتصاعدة قد تؤدي حتى في حال التوصل للاتفاق إلى نتائج محدودة تنعكس سلبا على التنسيق الدفاعي المطلوب في ظرف سياسي بالغ الحساسية في أوروبا.

إعلان

ووصف بيتر ريكيتس، الدبلوماسي المخضرم ورئيس لجنة الشؤون الأوروبية في مجلس اللوردات ، خلال جلسة البرلمان، الرسوم التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي بأنها "خارج كل المقاييس" وترسل إشارات سلبية للبريطانيين بعدم رغبة الاتحاد في التحاقهم ببرنامج التسليح الأوروبي.

ويرى رافائيل لوست، الخبير في السياسات الدفاعية بالمركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن بريطانيا تسعى لترسيخ دور محوري في مستقبل الدفاع الأوروبي، مستندة إلى امتلاكها إحدى أقوى الصناعات العسكرية في القارة، إلا أن بعض الدول الأوروبية تبدي تحفظا إزاء هذا الدور، وتسعى إلى وضع حدود واضحة لحجم الانخراط البريطاني.

لكن الخبير العسكري الأوروبي يوضح، في حديث للجزيرة نت، أن هناك رغبة حقيقية داخل أوروبا في انضمام بريطانيا إلى خطط إعادة التسليح المشترك، باعتبارها رأس حربة في الحرب بأوكرانيا وحليفا وثيقا داخل حلف الناتو ، حيث تبدو تلك الخطط سواء للبريطانيين أو الأوروبيين ضرورة ملحة غير قابلة لتأجيل، في ظل الضغوط الأميركية الرامية إلى فرض تسوية على كييف.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا