شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في إنشاء مستوطنة جديدة تتبع لتجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني (جنوب غرب المدينة الفلسطينية المقدسة ) المحتلة، حيث تم إسكان أول المستوطنين فيها، وفقا لمواقع إخبارية إسرائيلية عدة.
وذكر موقع القناة السابعة الإسرائيلية بأن المستوطنة الجديدة -والتي بدأ العمل على إنشائها أمس الخميس- تقع في منطقة "شِدما" الإستراتيجية التي تشكل تواصلا يهوديا بين مستوطنات غوش عتصيون الآخذة في التطور والقدس، وأن الموقع كان في السابق قاعدة عسكرية إسرائيلية مهجورة منذ سنوات.
ويطلق على هذه المنطقة فلسطينيا اسم "عُش غراب" وهي تتبع لمدينة بيت ساحور (جنوب الضفة الغربية ) المحتلة.
وقال المحلل السياسي والمختص بشؤون الاستيطان سهيل خليلية -في مستهل حديثه للجزيرة نت- إن المنطقة عبارة عن تلة مرتفعة تزيد مساحتها على 500 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) وشغلت القاعدة العسكرية التابعة لجيش الاحتلال 100 دونم من مجمل المساحة لكنه كان يسيطر على التلة بأكملها.
وبالعودة إلى تاريخ هذه القاعدة العسكرية، أوضح خليلية أنها تعود لفترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وكان هذا المعسكر قائما حينها، وبقي الاستخدام ذاته للموقع خلال فترة الإدارة الأردنية للضفة الغربية بين عامي 1948 و1967.
ومع احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام النكسة استلم الاحتلال الموقع، لكنه لم يشغله بشكل كامل من قِبل الجيش وفقا لخليلية الذي أكد أنه تم تشغيل الموقع كقاعدة عسكرية بشكل فعلي عام 2000 مع انطلاق الانتفاضة الثانية، ومنه كان الجيش ينطلق لتنفيذ عملياته في كل من بيت ساحور وبيت لحم وبيت جالا والمناطق الأخرى القريبة.
وعام 2006 انسحب الجيش من هذه النقطة العسكرية بشكل مفاجئ، بعد تفريغها من الآليات والمعدات الثقيلة التي نقلها إلى قاعدة "الفريديس" القريبة من الموقع وفقا لسهيل خليلية.
و"بقي الموقع تحت سلطة الاحتلال ولم يسلّم للسلطة الفلسطينية، رغم أنه يقع ضمن حدود أراضي بيت ساحور وصُنّف وفقا لاتفاقية أوسلو كمنطقة "ج" وبُعيد الانسحاب قدمت بلدية بيت ساحور خطة لتطوير الموقع على مساحة 55 دونما بحيث يُنشأ عليها مستوصف ومركز بيئي ومركز ثقافي وحديقة عامة وملاعب ومواقف سيارات وقاعة أفراح، بهدف إشغال الحيز الجغرافي ووضعه تحت سيطرة البلدية" كما يقول خليلية.
وبالفعل أُنجزت المرحلة الأولى عام 2008 بتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "يو إس إيه آي دي" (USAID) بإنشاء حديقة عامة وملاعب للأطفال وقاعة للأفراح، لكن المستوطنين مارسوا ضغوطات كبيرة على حكومة الاحتلال والتي قامت بدورها بتجميد مشاريع البلدية ومنع أي عمل في مراحل لاحقة.
وفي عام 2009 بدأت جماعات استيطانية بالتوافد إلى الموقع ومحاولة السيطرة عليه، وكانت أبرز هذه الجماعات -وفقا لخليلية- "نساء من أجل غد إسرائيل" واللاتي منعن الفلسطينيين من الوصول إلى المكان.
واستمر الوضع كذلك حتى عام 2018 الذي أصدر الجيش فيه أمرا بتحويل "عش غراب" إلى نقطة ارتكاز جغرافي "بمعنى أن تكون منطقة ربط بين غوش عتصيون الشرقية التي تضم مستوطنتي "نيكوديم وتقوع" مع مستوطنة "هار حوما" في منطقة القدس، وبالتالي قام الجيش بشق شارع بطول 700 متر يصل إلى الموقع مباشرة بحجة الحاجة الأمنية" حسب خليلية.
وشهد الموقع لاحقا تغييرات متسارعة، ففي مايو/أيار 2024 أُغلقت منطقة "عُش غراب" ببوابات حديدية، وفي الشهر ذاته من عام 2025 الجاري هُدمت صالة الأفراح والمنشآت الترفيهية الأخرى، فيما وُضعت الكرفانات لإنشاء بؤرة استيطانية جديدة الليلة الماضية.
وفي ختام حديثه للجزيرة نت، أشار خليلية إلى أنه من الصعب تحويل الموقع إلى بؤرة استيطانية سكنية بشكل سريع، لكن ذلك ما سيحصل نهاية المطاف، كما أن الموقع مرشح لأن يصبح جزءا من الإدارة المدنية الإسرائيلية المرحلة القادمة، لتوفير المعاملات لمنطقة ريف بيت لحم الشرقي.
ومن جانبه يوضح خبير الخرائط والاستيطان خليل التفكجي أن الهدف من إقامة هذه البؤرة الاستيطانية الجديدة هو ربط خط من المستوطنات بـ"غوش عتصيون" بدءا من مستوطنة "هار حوما" (جبل أبو غنيم) مرورا بكل من "تقوع ونيكوديم والفريديس ومعاليه عاموس" وصولا إلى منطقة "البحر الميت".
وأضاف التفكجي أن هذا الخط الواقع شرقي "غوش عتصيون" يربطه ما يسمى شارع "ليبرمان" وترتبط هذه المستوطنات بشارع "الطوق" الاستيطاني أيضا.
وتضم كتلة "غوش عتصيون" -وفق التفكجي- 14 مستوطنة تقع في الجنوب الغربي من القدس، ويعيش فيها نحو 80 ألف مستوطن، وهي من التكتلات التي تسعى إسرائيل لضمها إلى القدس لتحقيق مشروع "القدس الكبرى" لحسم الديمغرافيا في المدينة لصالح اليهود.
يذكر أن الكرفانات وضعت في الموقع ليلة الخميس خلال وجود يارون روزنتال رئيس المجلس الإقليمي للتجمع الاستيطاني غوش عتصيون الذي قال "أنشأنا الليلة مستوطنة جديدة في غوش عتصيون بحي شدما بالقرب من بيت لحم .. على مدى ألفي عام، صلى اليهود للعودة إلى بيت لحم، والآن نلنا البركة بالعودة إلى بلدة أمّنا راحيل".
وقد سألت الجزيرة نت وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية صالح طوافشة عن الآليات المتبعة لمجابهة هذه الرواية الإسرائيلية، وأجاب أن الإسرائيليين يتحدثون دائما بمنطق أيديولوجي مزيف وغير واقعي، وأن كافة التنقيبات الأثرية أثبتت زيف ادعاءاتهم وعدم تطابقها مع أرض الواقع، لأن الآثار الموجودة على الأرض تنفي كل ما يتحدثون عنه.
وبالتالي فإن الوزارة تلجأ عادة إلى المؤسسات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو ) من أجل دفعها لأخذ موقف حازم حول هذه الاعتداءات ووقف عمليات المصادرة والاعتداء على التراث الوطني الفلسطيني.
كما تراسل الوزارة وتخاطب وفقا لوكيلها كافة المؤسسات الدولية العاملة في حقل التراث. وعلى الصعيد المحلي، أكد طوافشة أن الوزارة توثق كافة الاعتداءات، وتحاول دعم المجتمعات المحلية قدر الإمكان لتثبيت صمودها على أرضها.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة