في مشهد سياسي متوتر ومعقد، تتجه الأنظار إلى قطاع غزة بعد إعلان حركة "حماس" رفضها للقرار الأميركي الأخير الذي أقرّه مجلس الأمن الدولي بشأن إدارة القطاع ونزع سلاح الفصائل المسلحة.
وأثار القرار الذي وصفته حماس بالوصاية الدولية، حالة من الجدل داخل أروقة القيادة الفلسطينية، وسط تساؤلات حول قدرته على إنهاء الانقسام الفلسطيني وضمان استقرار الأوضاع الإنسانية والأمنية في القطاع.
وفي مقابل ذلك، أكدت السلطة الفلسطينية على ضرورة تطبيق القرار فورا، مع استعدادها لتحمل كامل المسؤوليات الإدارية والأمنية في غزة.
رفض فلسطيني شامل للوصاية الدولية
أشار إبراهيم المدهون، مدير المؤسسة الفلسطينية للإعلام "فيميد"، خلال حديثه لبرنامج "ستوديو وان مع فضيلة" على "سكاي نيوز عربية"، إلى أن القرار الأممي يتضمن "وصايا" يعتبرها الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته مرفوضة، لأنها تفصل بين الضفة وغزة، وتقوّض حلم الدولة الفلسطينية، وتربط المساعدات الإنسانية بالمتطلبات الأمنية الإسرائيلية.
وأشار المدهون إلى أن رفض القرار ليس مقتصرا على حماس، بل يشمل جميع الفصائل والسلطة الفلسطينية، التي تمتلك أدواتها وأساليبها للتعامل مع القضايا الدولية بشكل مدروس.
التزام حماس بالمرحلة الأولى ورفض الإدارة الدولية
وأكد المدهون أن حماس التزمت بما اتفقت عليه في المرحلة الأولى من القرار، بينما رفضت أي إدارة أو قوات دولية، مضيفا أن البديل دائما فلسطيني، عبر لجنة الإسناد المجتمعي المتفق عليها، وبالتعاون مع الفصائل والسلطة الفلسطينية، لتطبيق الحلول دون وصاية خارجية.
كما أوضح أن "الاحتلال الإسرائيلي هو من تملّص عن تنفيذ المرحلة الثانية من أي اتفاق، من خلال إغلاق المعابر وعرقلة دخول المساعدات واستهداف الفلسطينيين، ما يهدد استقرار أي هدوء أو وقف إطلاق نار".
عملية السابع من أكتوبر والانقسام الفلسطيني
وتطرق المدهون إلى أهمية عملية " طوفان الأقصى" في إنهاء الانقسام الفلسطيني، مشيرا إلى أن حماس بعد العملية أظهرت أن مشروعها مقاوم وليس سعيا للسلطة، وأنها تفسح المجال لمنظمة التحرير وحركة فتح والسلطة للقيام بدورها.
وبيّن أن حماس لن تعود للحكم، وأن القرار الفلسطيني واضح بعدم استخدام السلاح إلا ضمن التوافقات الداخلية، مع الالتزام بالمقاومة المستمرة لحماية الحقوق الفلسطينية.
معادلة القوة والقانون الدولي
وانتقد المدهون التغطية الإعلامية لقضية السلاح، مشيرا إلى تسليح المستوطنين في الضفة الغربية من قبل بن غفير دون أي تدخل دولي أو مطالبة بنزع السلاح، وهو ما يفرض على الفلسطينيين التعامل مع الواقع "بهدوء وترتيب" مع التمسك بكافة الثوابت الفلسطينية والوطنية، بما فيها التوافق بين جميع الفصائل.
توحيد الجهود الفلسطينية
في خضم الجدل الدائر حول القرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن وما أعاد طرحه من مسار سياسي يتعلق بإدارة قطاع غزة وترتيب الأوضاع بعد الحرب، عبّر المستشار الدبلوماسي منير الجاغوب عن استغرابه من موقف الرفض الذي أبدته حركة حماس تجاه القرار، مؤكدا أن هذا المسار يمثل فرصة جدية لإيقاف الحرب وتغيير الواقع الإنساني الكارثي داخل القطاع.
وأضاف الجاغوب أن "السلطة الفلسطينية تطالب منذ البداية بتطبيق الاتفاق فورا، مشيرا إلى أن حركة حماس نفسها كانت قد طبقت جزءا من بنوده حين سلّمت جثث الأسرى والأحياء الموجودين لديها، وقدّمت كل ما أمكن للوصول إليهم، كما كرر المتحدث باسم الحركة مرارا جاهزية حماس لتطبيق خطة الرئيس ترامب، بما في ذلك تسليم الرهائن والانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وهي مرحلة تشمل نزع السلاح، وانسحاب الاحتلال، ووجود قوات دولية داخل غزة".
ووفق الجاغوب فإن "الجديد اليوم هو أن هذه الخطة أصبحت قرارا دوليا ملزما من مجلس الأمن، وهو ما كانت السلطة والمجموعة العربية تطالبان به لإلزام إسرائيل بالجدول الزمني وعدم ترك الاتفاق بلا سقف".
دور السلطة ضرورة عملية
ونفى الجاغوب أن تكون السلطة في موقع الرافض، مؤكدا أنها ترحب بكل جهد يبقي على وقف إطلاق النار ويساهم في حياة الفلسطينيين، في ظل واقع إنساني لا يحتمل التأجيل.
وتابع قائلا إن "أي رفض دون بديل عملي يعني ترك الناس في المأساة".
وشدد على أن "الإدارة الحالية داخل غزة عاجزة عن إدارة الحياة اليومية دون سلطة فلسطينية رسمية، لأن ملفات مثل الجوازات، السفر، التأمين الصحي، التعليم، المستشفيات، الاقتصاد، البلديات، والأمن الداخلي لا يمكن أن يديرها أي جسم غير رسمي"، مضيفا "حتى لو كانت لجنة متوافقا عليها، فلا بد أن تكون جهة فلسطينية معترف بها".
وكشف الجاغوب أن "القطاع مقسّم اليوم إلى منطقتين: 53 بالمئة تحت سيطرة الاحتلال وتُطرح فيه خطط لإعادة الإعمار، بينما 47 بالمئة خارج السيطرة الإسرائيلية تريد حكومة بنيامين نتنياهو تحويله إلى (صومال جديدة) يقتتل فيها الفلسطينيون".
ولفت إلى "دخول قوات خاصة إسرائيلية واغتيالها قائدا من ألوية الناصر صلاح الدين مؤخرا، في مؤشر على عدم التزام نتنياهو بأي اتفاق"، معتبرا أن "تمسك القيادة الفلسطينية بالاتفاق مصلحة وطنية أساسية، لأن المصالحة لا تبنى بالرفض، ومن يريد أن يرفض يجب أن يقدم بديلا".
الضفة الغربية: استيطان منظم لا علاقة له بالانقسام
ونفى الجاغوب أن يكون ما يحدث في الضفة الغربية مرتبطا بالخلاف بين فتح وحماس، موضحا أن ما يجري هو موجة استيطان ممنهجة تهدف إلى مصادرة الأراضي ومنع إقامة الدولة الفلسطينية وقطع التواصل بين الضفة وغزة، مشيرا إلى اعتداءات المستوطنين في محيط غوش عتصيون، حيث "أحرقوا البيوت والمركبات وعاثوا فسادا"، واصفا ذلك بأنه "إرهاب منظم تدعمه قوات الاحتلال، رغم حديث نتنياهو عن إجراءات شكلية بعد تنديد العالم".
وأكد الجاغوب أن الفلسطينيين موحدون في مواجهة الاستيطان والاحتلال، ولا يوجد صراع على السلطة في اللحظة الراهنة، قائلا: "نحن متفقون مع حماس على وقف القتل وإغاثة الناس"، مشيرا إلى اتفاقات تمت حول اللجنة الإدارية، قبل صدور بيان مختلف بعد لقاء الفصائل.
واختتم الجاغوب قائلا إن "الخلاف مع حماس سياسي فقط، ولا يمس الاتفاق على دولة فلسطينية"، وحذر من أنه "نحن أمام قطار مسرع لا نريد أن يأخذ القضية الفلسطينية إلى المجهول"، مشيرا إلى أن القرار الأممي "لا يلبي كل طموحات الشعب الفلسطيني، لكن رؤية القيادة تقوم على قبول الممكن والتفاوض نحو الأفضل لاحقا".
المصدر:
سكاي نيوز