لحظة وصول الثوار المتهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل السوري إلى القصر العدلي بحلب لبدء أولى جلسات المحاكمات العلنية pic.twitter.com/8IC4D0MwFF
— Saeed Ayoubi (@ayoubi_94) November 18, 2025
دمشق- بدأت في قصر العدل بمدينة حلب اليوم الثلاثاء أولى جلسات المحاكمات العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل السوري ، وذلك بعد انتهاء أعمال اللجنة المكلفة بالتحقيق فيها.
وكان رئيس "اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري" جمعة العنزي قد أعلن أنه ستبدأ صباح الثلاثاء أولى جلسات المحاكمات العلنية للمتهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل التي جرت في السادس من مارس/آذار الماضي وما بعده.
وأكدت لجنة التحقيق في أحداث السويداء توقيف أفراد من وزارتي الدفاع والداخلية وإحالتهم إلى القضاء المختص.
وشكلت الحكومة السورية اللجنة بعد أسبوع من التوتر الأمني الذي شهدته منطقة الساحل السوري على وقع هجمات منسقة لفلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ضد دوريات وحواجز أمنية، مما أوقع قتلى وجرحى.
ولاحقا، أعلنت لجنة التحقيق أنها أجرت 10 زيارات إلى بانياس ، واستمعت فيها إلى أكثر من 300 شخص، كما دونت 95 إفادة بشأن الأحداث وفق المعايير القانونية في مدينة اللاذقية ، إحدى أهم مدن الساحل.
وقالت اللجنة إنها تلقت أكثر من 30 بلاغا بشأن الأحداث وعاينت 9 مواقع، واستمعت إلى شهادات جهات أمنية وعسكرية ومدنية في اللاذقية، ودخلت كل المناطق التي شهدت أحداثا.
من جهتها، عرضت اللجنة الوطنية السورية للتحقيق في أحداث السويداء، أول أمس الأحد، آخر ما توصلت إليه في تحقيقاتها، وتعهدت بمحاسبة كل المتورطين في الانتهاكات التي شهدتها المحافظة في يوليو/تموز الماضي.
وقال رئيس اللجنة جمعة العنزي -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- إن اللجنة أنهت تحقيقاتها بالكامل وسلمت تقريرها النهائي إلى الجهات المرجعية منتصف تموز/يوليو الماضي.
وأوضح العنزي أن الضمانة الأساسية لعدم تكرار الانتهاكات المماثلة تكمن في تنفيذ مخرجات اللجنة ومحاسبة المتورطين بشكل فعلي، مؤكدا أن هذه الخطوة بدأت بشكل فعلي اليوم الثلاثاء بإطلاق محاكمات علنية للمتورطين.
وحول التحديات التي واجهت عمل اللجنة، سرد رئيس اللجنة جملة من العوائق، من بينها:
وفي رده على سؤال عن أهمية العلنية في المحاكمات القادمة، أكد العنزي أن "العلنية تتيح رقابة مجتمعية وإعلامية حقيقية على عمل المؤسسة القضائية، وتعزز مبدأ الشفافية والمساءلة، وتوفر ضمانات فعلية لجميع الأطراف، بمن فيهم المتهمون أنفسهم".
وتحدث رئيس اللجنة عن ملامح المرحلة المقبلة بعد التحقيقات والمحاكمة، مشيرا إلى "ترسيخ مفهوم السلم الأهلي، وإطلاق مسار العدالة الانتقالية ، وتعزيز سلطة القانون، وإنعاش الاقتصاد الوطني، وإنصاف الضحايا من خلال التطبيق السليم والحقيقي لمبدأ العدالة".
واندلعت في 13 يوليو/تموز الماضي أعمال عنف بين مسلحين دروز وعشائر بدوية في السويداء، مما أدى إلى اشتباكات واسعة ومقتل مئات المواطنين مع تدخل القوات الحكومية على خط المواجهات.
وتجدد العنف في الثالث من أغسطس/آب عندما قصفت جماعات مسلحة قوات الأمن الداخلي السوري في السويداء، في ما اعتُبر خرقا لهدنة اتفق عليها في 19 يوليو/تموز.
وفي 16 سبتمبر/أيلول، وضمن جهود حل الأزمة بدعم أردني أميركي، أعلنت الخارجية السورية خريطة طريق من 7 خطوات تتضمن:
وكشف المحامي السوري محمد حاج عبدو -في حديث للجزيرة نت- عن تفاصيل دقيقة حول آليات عمل لجنتي التحقيق في أحداث الساحل وأحداث السويداء، مشددا على أن إنجاز التحقيقات بسرعة "لم يكن مصادفة، بل نتيجة ظروف عمل استثنائية تعكس التزاما بالعدالة السريعة والفعالة".
وأوضح حاج عبدو أن "السرعة في إنجاز عمل اللجنتين الوطنيتين تعود إلى عوامل جوهرية، إذ عمل أعضاؤهما في ظروف شبيهة بالمعسكر المغلق، مع توفير كامل الإمكانيات اللوجستية، وعلى رأسها تعاون الجهات الرسمية في إحضار المطلوبين والشهود وتأمينهم. كما امتد العمل لساعات طويلة تفوق ضعف ساعات الدوام العادي، مما يعني أن الحجم الفعلي للجهود يفوق المدة الزمنية الظاهرة".
وأضاف المحامي السوري أن "سرعة تشكيل اللجنتين لعبت دورا حاسما في تسريع الإنجاز، إذ كانت الأحداث قريبة زمنيا إلى درجة تكاد تكون جرما مشهودا، مما سهل الوصول السريع إلى المشاهدات الميدانية والشهود والخبراء".
وعن المسار القضائي المقبل، أكد حاج عبدو أن المحاكمات ستجرى علنية أمام القضاء المدني العادي، دون اللجوء إلى محاكم استثنائية أو قضاء خاص. وسيكون لنقابات المحامين دور كامل في ممارسة حقوق الدفاع والادعاء، مع فتح قاعات المحاكم أمام الجمهور والصحافة دون قيود، "مما يعزز الشفافية ويبني الثقة في الإدارة الجديدة".
وأشار المحامي إلى استمرار عمل منظمات المجتمع المدني في توثيق الانتهاكات، مشيرا إلى "صدور قرارات من لجان دولية سبق أن واكبت تقارير اللجنة الوطنية، كدليل على تنوع مصادر التوثيق وتدفق المعلومات بحرية".
وقال إن أي محاسبة حقيقية ستؤدي إلى تعزيز الردع والانضباط داخل الأجهزة الأمنية، حيث "لم يعد مقبولا تحويل أي فرد إلى كبش فداء، بل سيحرص كل متهم على الدفاع عن نفسه قانونيا، بما في ذلك نفي التهم أو إسنادها إلى جهات أخرى إذا أمكن، مما يضمن عدالة شاملة".
وأرجع جزءا من التجاوزات إلى "السياق الاستثنائي الذي مرت به البلاد، إذ لم تتلقَ معظم الأجهزة الأمنية الجديدة تدريبات كافية في حفظ الأمن الداخلي، مع تركيز خبراتها على الجبهات العسكرية"، إضافة إلى "موجة الشعبوية والفزعة التي دفعت إلى ردود فعل غير مدروسة أدت إلى تجاوزات فردية".
في حلب.. بدء أولى جلسات المحاكمة العلنية للمتهمين في ارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل مارس الماضي.. التفاصيل مراسل الجزيرة ميلاد فضل#الأخبار pic.twitter.com/RiJSydcPHk
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 18, 2025
بدوره، يقول الخبير الحقوقي أحمد الحمدي إن إطلاق المحاكمات العلنية وإحالة متهمين من وزارتي الدفاع والداخلية سابقة تاريخية في سوريا ما بعد الأسد، ويعكس انتقالا حقيقيا نحو سيادة القانون.
وأكد الحمدي -في حديث للجزيرة نت- أن السرعة والشفافية في عمل اللجنتين، مع الالتزام المعلن بمعايير الأمم المتحدة، "يمنح الإدارة الجديدة رصيدا سياسيا وقانونيا مهما".
لكنه أضاف أن النجاح الفعلي مرهون بتنفيذ الأحكام دون تدخل سياسي أو انتقائية، وبتوفير ضمانات دفاع عادلة للمتهمين، وتعويض الضحايا فعليا.
وإذا نجحت هذه المحاكمات في ترسيخ مبدأ المساءلة بلا محاباة، فبرأي الحمدي ستكون خطوة تأسيسية للعدالة الانتقالية. وإلا ستُقرأ على أنها مجرد خطوة شكلية لامتصاص الغضب المحلي والضغط الدولي.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة