اعتمد مجلس الأمن الدولي، فجر الثلاثاء، خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاصة بقطاع غزة، بعد إقرار مشروع قرار قدّمته الولايات المتحدة ويدعم مبادرة "ترامب للسلام" في القطاع.
ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصويت مجلس الأمن على قرار غزة بـ"اللحظة التاريخية".
من جانبها، انتقدت حماس قرار مجلس الأمن واعتبرته "وصاية دولية" على غزة.
تسمح الخطة التي صادقت عليها الأمم المتحدة بنشر قوة دولية لحفظ الاستقرار في غزة، إلى جانب تمهيد الطريق أمام مسار سياسي قد يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية في المستقبل.
وحظي مشروع القرار بتأييد 13 دولة في المجلس، بينما امتنعت روسيا والصين عن التصويت دون اللجوء إلى حق النقض (الفيتو). وعلّق منبدوب كل منهما: "مشروع القرار الأميركي إشكالي وقد يُفاقم الأزمة".
وقد وصفه السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، بأنه "قرار تاريخي وبنّاء".
ويتضمّن مشروع القرار صياغة تشير إلى "مسار نحو دولة فلسطينية"، وهو ما أثار ردود فعل واسعة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
فيما يلي، رصد مراسلونا في إسرائيل والأراضي الفلسطينية أبرز ردود الأفعال قبل اعتماد القرار:
مهند توتنجي - مراسل بي بي سي عربي، القدس
ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منتقديه الأحد، قائلاً إن "معارضتنا لإنشاء دولة فلسطينية في أي أراضٍ لم تتغير"، لكنه تعرض لهجوم من وزراء في الحكومة اتهموه بـ"الصمت والفشل السياسي".
في معسكر نتنياهو، تُعد مسودة القرار تهديداً استراتيجياً ملموساً، ويُنظر إليها كخطوة محتملة نحو فرض مسار لا رجعة فيه لدولة فلسطينية، لكن النص نفسه يحمل أكثر من تفسير، بعضها متناقض، بحسب تحليلات إسرائيلية.
وبحسب ما تقوله صحيفة معاريف فإن سبب هذه التباينات يعود إلى صياغة الكلمات نفسها، فالولايات المتحدة تصف المسودة بأنها تمهيد لحل سياسي يسمح بوجود كيان فلسطيني، لكن "الكلام غامض ويعتمد على شروط عدة: إعادة إعمار طويلة الأمد لغزة، إصلاحات السلطة الفلسطينية، نزع السلاح الكامل، آليات تفتيش دولية"، وغيرها من التدابير التي لم يتم الاتفاق عليها بعد.
أما بعض الإسرائيليين يسمعون هذه الإشارة كجرس إنذار، ففي المشهد السياسي المحلي قد تُفسر حتى الإشارة البسيطة كبداية لمبادرة أكبر.
يرى اليمين الإسرائيلي أن المسودة تحاول إدخال فكرة الدولة الفلسطينية عبر "الباب الخلفي". تحت غطاء ما يُسمى "حل لغزة بعد الحرب".
قد تكون الكلمات حذرة، لكن اليمين عادة يتخذ مساراً يبدأ بالإعلان، ثم يتحول إلى ما يشبه "قرار إطار"، ومن هناك يصبح الطريق نحو الضغط الدولي قصيراً.
تلعب الخطة الأمريكية الناشئة لإعادة تشكيل غزة دوراً محورياً: تقسيم القطاع إلى مناطق يعاد بناؤها تحت سيطرة مشتركة إسرائيلية ودولية، بما في ذلك مرحلة مؤقتة طويلة يتم فيها تعريف بعض المناطق بأنها "مناطق خضراء" تحت الإشراف، مقابل مناطق تبقى مدمرة وغير متاحة.
ويرى واضعو الخطة أن هذه خطوة إدارية لإعادة النظام بعد فوضى عدة أشهر.
وفي خضم كل هذا الجدل، يبقى نتنياهو في قلب العاصفة، محاولاً الموازنة بين الضغط الأمريكي والمخاوف الداخلية في التحالف الحكومي، بينما يراقب العالم نتائج تصويت مجلس الأمن على مسودة مشروع القرار الأمريكي.
عدنان البرش - مراسل بي بي سي عربي لشؤون غزة
أبدت فصائل فلسطينية وعلى رأسها حركة حماس اعتراضها على مشروع القرار الأمريكي المزمع التصويت عليه الليلة في مجلس الأمن الدولي.
وتتمحور نقاط اعتراض الفصائل في غزة بحسب المذكرة الصادرة، الأحد، على ما تقول إن النص يشكّل محاولة "لفرض وصاية دولية على القطاع وتمرير رؤية منحازة للجانب الإسرائيلي".
واعتبرت الفصائل أن إنشاء "قوة دولية" في القطاع سيتحول عملياً إلى جهة "تخدم الاحتلال الإسرائيلي عبر التنسيق المباشر معه". وأشارت إلى أن "أي قوة من هذا النوع، في حال إنشائها، يجب أن تخضع بالكامل لولاية الأمم المتحدة وإشرافها المباشر".
وترى الفصائل، بحسب مذكرتها، أن القوة الدولية يجب أن تعمل حصرياً بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، "من دون إشراك إسرائيل أو منحها أي صلاحيات أو تنسيق ميداني"، وأن تقتصر مهامها على حماية المدنيين، وضمان تدفّق المساعدات، والفصل بين القوات، دون أن تتحول إلى سلطة أمنية أو إدارة فوق وطنية.
وحذّرت المذكرة "من تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة ضغط وابتزاز تخضع لإدارة أجنبية، بما يهمّش المؤسسات الفلسطينية ويقوّض عمل الأونروا".
من جهة أخرى، شددت الفصائل على رفض أي بند يتعلق بنزع السلاح في قطاع غزة أو "المساس بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن نفسه". وقالت إن "أي نقاش في ملف السلاح يجب أن يبقى شأناً وطنياً داخلياً مرتبطاً بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة وتحقيق تقرير المصير".
وختمت بالتأكيد أن "النموذج العربي – الإسلامي المقترح لإدارة القطاع يمثل الخيار الأكثر قبولاً"، كما ورد في المذكرة.
إيمان عريقات - مراسلة بي بي سي عربي، الضفة الغربية
في الضفة الغربية، يتابع الفلسطينيون باهتمام مجريات تصويت مجلس الأمن مساء الإثنين على مشروع القرار الأمريكي المتعلق بالمرحلة الثانية من وقف الحرب في قطاع غزة، التي تتضمن أيضاً تشكيل قوة استقرار دولية لحفظ أمن الحدود ونزع السلاح.
ويتضمن مشروع القرار بنداً أضيف أخيراً وهو الإشارة إلى إمكانية إنشاء دولة فلسطينية بعد إصلاح السلطة الفلسطينية.
وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية عمر عوض الله، رحب بمشروع القرار الأميركي وقال إنهم يتطلعون إلى أن يصدر مجلس الأمن قراراً يؤكد على عمل القوة الدولية في قطاع غزة مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
وفي حديثه لبي بي سي قال عوض إن أهمية مشروع القرار تكمن في أنه "يتحدث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير واستقلاله وهو ما لم يرد سابقاً في الفكر الأمريكي".
واعتبر عوض أن الولايات المتحدة وضعت هذا المشروع "في مواجهة رفض إسرائيل لأي دور لفلسطين والفلسطينيين بشكل عام، أعتقد أن هذه المبادرة الأمريكية يمكن البناء عليها كثيراً، وخاصة أن لدينا الكثير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، وتعترف بحقنا في تقرير المصير وسيادتنا على أرضنا ومواردنا".
وتنص مسودة مشروع القرار الأمريكي المعدل على وجوب تنفيذ السلطة الفلسطينية لبرنامج إصلاحات نزيهة، وإحراز تقدم في إعادة إعمار قطاع غزة، ما قد يوفر بعدها الظروف لمسار موثوق نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية ، وأشارت إلى رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إطلاق حوار بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للاتفاق على أفق سياسي للتعايش السلمي والازدهار.
وفي معرض رده حول الإصلاحات المطلوبة من السلطة الفلسطينية، أضاف عوض الله لبي بي سي أن الأولوية هي في تطوير المؤسسات وحياة الشعب الفلسطيني معتبراً أن التطوير "يجب أن يكون دون احتلال إسرائيلي".
لكنه اعتبر أنه رغم أولوية الإصلاحات فإنها لا يجب "أن تكون شرطاً يؤخر الاستقلال الفلسطيني، أو شرطاً لعودة الحكومة الفلسطينية لتولي مسؤولياتها في حكم قطاع غزة".
وتطالب الولايات المتحدة وإسرائيل وعدة دول مانحة السلطة الفلسطينية بعدة إصلاحات تجريها السلطة الفلسطينية، من بينها محاربة الفساد، وتعديل مناهج التعليم بهدف التوقف عن الكراهية، ووقف أي مدفوعات لأسر من قتلتهم أو سجنتهم إسرائيل من الفلسطينيين، بحسب تقارير عدة.
وتعهدت السلطة بتعديل المناهج لتتماشى مع معايير الأمم المتحدة ذات الصلة، كما ألغى الرئيس عباس قانوناً يتعلق بدفع أموال لأسر المحبوسين أو القتلى الفلسطينيين.
وينص مشروع القرار الأمريكي - وفق ما أوردت وسائل إعلام دولية - على السماح بنشر قوة استقرار دولية في قطاع غزة ومنح التفويض " للجنة سلام يرأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب" لإدارة غزة مؤقتاً حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2027.
وأوضح وكيل الخارجية الفلسطينية لبي بي سي موقف حكومته حيال ذلك بالقول: "يجب أن نعرف من هو مجلس السلام كي نتخذ موقفاً واضحاً من هذا المجلس الذي يجب أن يكون مراقباً على عمل اللجنة الحكومية أو لجنة التكنوقراط في قطاع غزة".
ووصف أمين عام حزب "الشعب الفلسطيني" بسام الصالحي في مؤتمر صحفي عقده في مدينة رام الله، مشروع القرار الأمريكي بأنه "تحايل" على الخطة الأمريكية السابقة التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لقطاع غزة.
وقال الصالحي إن بعض النصوص "عادت إلى الصياغة الأصلية والتي كانت موضع اعتراض وانتقاد كبير من طرفنا، خاصة وأنها أعادت اقتباس البندين 19 و20 من خطة الرئيس ترامب نفسها المتعلقة بموضوع الدولة والحوار الفلسطيني الإسرائيلي".
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة