حذر مراقبون من محاولات الدفع بالسودان نحو حرب "إنهاك مزمنة"، مع تكثيف قادة الجيش وتنظيم الإخوان - بشكل متناسق - خلال الأيام الأربعة الماضية حملتهم الداعية لاستمرار القتال، وذلك بالتزامن مع تصاعد الضغوط الدولية وتفاؤل الشارع السوداني بإمكانية نجاح خطة المجموعة الرباعية، فما الذي يحرك توجهات دعاة الحرب؟
لخص المراقبون الأسباب التي تدفع دعاة الحرب للعمل على استمرارها في الخوف من المحاسبة على جريمة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019، وما تلاها من جرائم راح ضحيتها آلاف الشباب، والتي تقع مسؤوليتها على قادة الجيش - بحسب خبراء في القانون الدولي الإنساني - إضافة إلى حاجة الإخوان للعودة للسلطة ووقف حملات تفكيك نظامهم، وإجهاض أي محاولات لربطهم "الموثق" بجريمة إطلاق "الرصاصة الأولى" في الحرب الحالية صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023.
ويربط الباحث السياسي الأمين مختار بين أهداف قادة الجيش وتنظيم الإخوان من استمرار الحرب، ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "برزت العديد من الشواهد عقب جريمة فض الاعتصام في يونيو 2019، على عدم رغبة العسكر في تسليم السلطة للمدنيين، وذلك بسبب مسؤوليتهم عن الجريمة، وهو ما دفعهم للاستجابة لدعوات قادة تنظيم الإخوان لإشعال الحرب التي وجدوا فيها الفرصة الأخيرة لعودتهم للسلطة وقطع الطريق أمام التحول المدني، وبالتالي وقف حملة تفكيك فساد تنظيمهم الذي حكم السودان على مدى ثلاثين عاما".
وبعد ساعات من رفض قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، يوم الجمعة، أي هدنة أو مبادرة لوقف إطلاق النار، وإعلانه التعبئة العامة، نشط عدد من قادة تنظيم الإخوان في محاولات مكثفة لحشد الشباب لمعسكرات الاستنفار في الولايات الشمالية والوسطى، وسط تقارير عن ضعف كبير في الإقبال.
وتزامنت هذه التطورات مع تأكيد مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي، بأنه لا حل عسكري للحرب المدمرة التي أدت إلى مقتل أكثر من 150 ألف شخص حتى الآن وتشريد نحو 15 مليونا، محدثة خسائر اقتصادية قدرت بأكثر من 800 مليار دولار وتفتتا في النسيج الاجتماعي.
الخوف من المحاسبة
قدمت أطراف إقليمية ودولية 10 مبادرات، خلال الأشهر الثلاثين الماضية، لكن جميعها فشلت في وقف الحرب لأسباب يقول مراقبون إنها ترتبط بمخاوف الجيش وقادة تنظيم الإخوان من المحاسبة.
ورأى المراقبون أيضا أن الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبتها مجموعات متحالفة مع الجيش تشكل أيضا عائقا أمام جهود وقف الحرب.
ويشـرح الخبير القانوني معز حضرة طبيعة الخوف من تلك الجرائم بالقول: "قطعا يشكل الخوف من المساءلة هاجسا كبيرا باعتبار هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم". ويضيف لموقع سكاي نيوز عربية: "هي جرائم إن لم يقم القضاء الداخلي بمحاكمتها فسيأتي دور القضاء الدولي مثل المحكمة الجنائية الدولية أو غيرها من المحاكم الخاصة الدولية".
ويدرج كمال الأمين، الخبير في القانون الدولي والجنائي، طبيعة الاتهامات التي تربط استمرار الحرب بخوف القادة من المحاسبة، بفرضية "الدافع الإجرامي المستتر"، الذي يتطلب إثباتا دقيقا للنية الإجرامية، يربط بين الجرائم السابقة التي ارتكبت مثل فض الاعتصام والخوف من المساءلة كدافع نفسي قائم، والجرائم اللاحقة كانقلاب أكتوبر 2021 وإشعال الحرب والدعوة لاستمرارها.
وينبه الأمين إلى أن الرغبة في "الإفلات من العقاب" تشكل دافعًا أساسيا للاستمرار في السلطة. ويردف: "هنالك حاجة لتحليل قانوني وسياسي معمق للوثائق والتسريبات والشهادات وأنماط السلوك التي تظهر أن الخوف من العدالة كان عاملا رئيسيا - وليس مجرد عامل ثانوي - في قرارات مثل انقلاب أكتوبر 2021 وإشعال الحرب الحالية".
فض الاعتصام وجرائم القتل
ظلت جريمة مقتل مئات المتعصمين ورمي بعضهم أحياء في النيل خلال فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019، من أكثر الجرائم التي أثارت جدلا واسعا حول دور الخوف من المحاسبة عليها في إشعال الحرب وتغذية التوجهات الداعية لاستمرارها.
ويؤكد قانونيون المسؤولية المباشرة لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس العسكري الحاكم وقت وقوع الجريمة، وذلك وفقا لنحو 18 مادة وقاعدة في القانون الجنائي السوداني والقانون الدولي.
وتنص المادة 28 من نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية على أن "رأس الدولة يسأل جنائيا عن الجرائم المرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته".
وقتل في جريمة فض الاعتصام والملاحقات التي تلته أكثر من ألف شخص وأصيب ما يقارب 4 آلاف، بعضهم بعاهات مستديمة. ورغم اعتراف المجلس العسكري بالتخطيط لفض الاعتصام وتنفيذه، إلا أن أيا من أعضائه لم يقدم للمحاكمة.
وفي هذا السياق، يقول الخبير القانوني كمال الأمين إن المادة 28 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حددت بدقة المسؤولية الجنائية للقادة.
وأوضح: "وفقا لهذا المبدأ، يسأل القائد العسكري جنائيا عن الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوه". ويضيف: "إذا طبقنا هذا على فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019، نجد من الناحية القانونية النظرية أن القادة الأربعة الحاليين كانوا أعضاء في المجلس العسكري وقت وقوع الجريمة، وكانت القوات تحت سلطتهم، عليه فإنهم يتحملون المسؤولية وفق مبدأ مسؤولية القيادة".
ورطة الطلقة الأولى
منذ الأسابيع الأولى لاندلاع القتال، تتصاعد الأصوات الداعية لمحاسبة الجهة التي أطلقت الرصاصة الأولى في الحرب. وإضافة إلى أكثر من 20 مقطع فيديو وثقت دعوات قيادات إخوانية للحرب خلال الأسابيع التي سبقت اندلاعها، أكد 4 ضباط في الجيش في مقاطع موثقة أيضا تورط الجيش في إطلاق الرصاصة الأولى في المدينة الرياضية بجنوب الخرطوم، ووفقا لمقطع فيديو نشره ضابط برتبة عقيد، فإن إطلاق الرصاصة الأولى تم بتنسيق مباشر مع مجموعات إخوانية.
ومع استمرار الحرب وبروز خلافات بين الجيش والإخوان حول طريقة إدارتها، أقرت قيادات إخوانية بتنسيق الطرفين وإشعال الحرب.
وفي حديث موثق نقله تلفزيون السودان، قبل أيام من مقتله، أكد العقيد في الجيش السوداني عوض موسى أن قوة تحركت من معسكر "الباقير" هي التي أطلقت الرصاصة الأولى في الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم صباح الخامس عشر من أبريل، بعد محاصرتها معسكرا لقوات الدعم السريع في "المدينة الرياضية" قبل نحو 6 ساعات من اندلاع القتال.
وفي ذات السياق، أوضح جندي في الجيش عثمان محمد عبد الله أن أوامر صدرت لهم بالتحرك إلى معسكر الدعم السريع في المدينة الرياضية لضربه، وأشار إلى وضعهم في حالة استعداد قبل شهرين من موعد الضربة التي لم يعلموا بها إلا في صبيحة يوم التحرك.
وعزز العقيد مصطفى محمد عثمان، الضابط في " الفرقة الأولى مشاة" بالجيش، روايتي زميله موسى والمقاتل الآخر، ويؤكد أن القوة التي أطلقت الرصاصة الأولى تحركت إلى المدينة الرياضية بأوامر من عناصر من خارج الجيش ومن دون اتباع الترتيبات العسكرية المعروفة من إسناد وغيره.
وأضاف أن مجموعات من عناصر النظام السابق استخدمت الجيش كمطية لها لإشعال الحرب من أجل العودة إلى السلطة.
وأقر محمد السر مساعد، وهو أحد القيادات الشبابية في حزب المؤتمر الوطني - الجناح السياسي للتنظيم - بهذه الحقيقة. وقال في منشور على حسابه في "فيسبوك"، إن "خوف قيادة الجيش من الحديث صراحة عن إطلاق الرصاصة الأولى أوصل البلاد إلى ما هي عليه"، مشيرا إلى أن الحرب الاستباقية "مشروعة"، ورأى أن القانون الدولي لا يعاقب من أطلق الرصاصة الأولى للدفاع عن نفسه.
لكن الخبير في القانون الدولي والجنائي كمال محمد الأمين يدحض تلك الرؤية بالقول إن الجهة التي أشعلت الحرب ستجد نفسها في ورطة قانونية كبيرة حال وقفها وبدء إجراءات قانونية لمحاسبة من أشعلها.
ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية: "يجرم القانون الدولي بشكل واضح من أطلق الرصاصة الأولى في أي حرب، ويحمله المسؤولية الكاملة عن عواقب إشعال الحرب".
ويشير الأمين إلى المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة أو التهديد بها، وتعتبر العدوان انتهاكا جسيما للقانون الدولي يستوجب المساءلة. كما يصنف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة 5 جريمة العدوان ضمن أخطر الجرائم الدولية التي تهدد السلم والأمن، ويحاسب القادة والمسؤولين المتورطين في التخطيط لها أو تنفيذها.
ويضيف: "تنص مبادئ نورمبرغ للعام 1950 بوضوح على أن التخطيط والإعداد والبدء بحرب عدوانية يشكل جريمة ضد السلام، وتشمل المسؤولية الجنائية كل من يحرّض أو يتآمر لارتكاب هذه الجريمة".
المصدر:
سكاي نيوز