آخر الأخبار

رحلة غامضة.. كيف سهلت إسرائيل نقل 150 غزيا لجنوب أفريقيا بلا وثائق؟

شارك

القدس المحتلة- تكشفت في جنوب أفريقيا واحدة من أكثر القصص غموضا منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة ، حيث هبطت طائرة مستأجرة تقل أكثر من 150 فلسطينيا من القطاع في مطار جوهانسبرغ لا يحملون أي وثائق سفر صالحة، ليجدوا أنفسهم محتجزين على مدرج المطار لنحو 12 ساعة بلا طعام ولا ماء.

وفتح الغموض الذي لف الرحلة الباب واسعا أمام تكهنات حول ما إذا كانت جزءا من توجه جديد لإخراج الغزيين من القطاع تحت عنوان "الإجلاء"، بينما واقع الأمر قد يقترب أكثر من "الهجرة القسرية"، وهو ما تدفع نحوه الحكومة الإسرائيلية منذ بداية الحرب على غزة.

وبحسب السلطات الجنوب أفريقية، فإن الركاب، وبينهم عائلات وأطفال وامرأة في شهرها التاسع من الحمل، لم يكونوا يعرفون وجهتهم النهائية.

وقال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا ، إن القضية "غامضة ومريبة"، مؤكدا فتح تحقيق رسمي يشمل مسار الرحلة الذي تم عبر كينيا ، وهو ما أثار عاصفة من الاستفسارات والاتهامات.

تشير المعطيات التي تكشفت، بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام العبرية، إلى إسناد إسرائيلي واضح تم خلال مراحل نقل الركاب. ووفقا لمصادر أمنية في تل أبيب، فإن القوات الإسرائيلية رافقت الحافلات التي نقلت الفلسطينيين من غزة حتى معبر كرم أبو سالم ، قبل نقلهم إلى مطار رامون جنوبا، ومنه إلى الخارج.

مصدر الصورة السفيرة حنان جرار تجري اتصالات من داخل طائرة الركاب قبل السماح باستقبالهم في جوهانسبرغ (رويترز)

يد إسرائيل

أعلنت السفارة الفلسطينية في جنوب أفريقيا أن الرحلة رتبتها "منظمة غير مسجلة ومضللة" استغلت معاناة الناس في غزة، وجمعت الأموال ورتبت مغادرتهم "بشكل غير مسؤول"، ثم تنصلت من المسؤولية عندما بدأت التعقيدات بالظهور.

لكن مسؤولا عسكريا إسرائيليا كشف لوكالة "أسوشيتد برس" أن مؤسسة تدعى "المجد" تقف خلف الرحلة، وأن إسرائيل نفسها رافقت الحافلات التي نقلت الفلسطينيين من داخل غزة وصولا إلى معبر كرم أبو سالم، ثم نقلتهم إلى مطار رامون قبل مغادرتهم جوا.

إعلان

وأشار تقرير "أسوشيتد برس" نقلا عن العسكري الإسرائيلي إلى أن تل أبيب حصلت على موافقة دولة ثالثة لاستيعاب الفلسطينيين المغادرين خلال الحرب، وأن نحو 40 ألف فلسطيني غادروا القطاع منذ بدايتها، وفق المعطيات الإسرائيلية.

اللافت، بحسب ما أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن موقع "المجد" الإلكتروني يخلو من أي عناوين أو أرقام هواتف، ولا يحتوي على قائمة شركاء، رغم ادعاء هذه المؤسسة العمل مع "15 جهة دولية"، في حين قالت منظمات حقوقية في جنوب أفريقيا إن "المجد" مرتبطة بإسرائيل وتعمل على دفع الفلسطينيين لمغادرة قطاع غزة طوعا.

دولة ثالثة

وبحسب ما أوردته "يديعوت أحرونوت"، فقد طلب من كل عائلة دفع ما بين 1400 و2000 دولار للشخص الواحد، دون أن يتلقوا أي معلومات واضحة عن طبيعة الرحلة، أو الجهة المنظمة، أو الوجهة النهائية.

وتزعم إسرائيل، بحسب الصحيفة، أن الركاب كانوا يحملون "تأشيرات لدولة ثالثة"، دون الكشف عن الدولة أو عن مسار التنسيق، ودون تفسير للتناقض بين وجود التأشيرات وبين منعهم من الدخول عند وصولهم إلى جنوب أفريقيا.

وحتى اللحظة، تقول الصحيفة "يبقى السؤال المركزي بلا جواب": مَن يقف وراء هذه العملية التي بدأت من رفح جنوب القطاع، وعبرت إلى مطار رامون الإسرائيلي ومنه إلى كينيا، وانتهت في حالة من الفوضى بجوهانسبرغ؟

وقال امتياز سليمان، رئيس منظمة "هبة الواقفين" الجنوب أفريقية، والتي تدخلت لاحقا لإيواء 130 من الركاب، إن هذه ليست المرة الأولى، إذ سبقتها رحلة مشابهة أواخر أكتوبر/تشرين الأول تقل أكثر من 170 فلسطينيا. وقال إن "الركاب كانوا خائفين ومرتبكين، ولم يحصلوا على طعام أو ماء ليومين. ولم يعرفوا إلى أين هم ذاهبون بالضبط".

مصدر الصورة مطار رامون في النقب الذي نقل إليه عشرات الفلسطينيين من غزة ومنه إلى كينيا بلا وثائق صالحة (رويترز)

محاولة تهجير

الغموض الذي اكتنف الرحلة، وغياب وثائق السفر، وضلوع منظمة يدور حولها الكثير من علامات الاستفهام، بحسب ما أوردت وسائل إعلام إسرائيلية، مما أثار مخاوف منظمات حقوقية جنوب أفريقية ودولية، التي اعتبرت ما حدث "محاولة تهجير مقنعة".

ويأتي ذلك في سياق تقارير سابقة تحدثت عن سعي بعض الأطراف الدولية لفتح الباب أمام "هجرة طوعية" للفلسطينيين من غزة، وهي الفكرة نفسها التي ارتبطت على مدى الشهور الماضية بخطة طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، والقاضية بـ"تفريغ غزة من سكانها"، قبل أن يتراجع عنها لاحقا بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار .

وزاد تزامن الحادثة مع إعادة إحياء مبادرات قديمة جديدة حول "الهجرة الطوعية من غزة" من حساسية الملف، بحسب ما أفاد الموقع الإلكتروني "والا"، الذي قال إن هذه الأفكار طرحت سابقا بدعم من إدارة ترامب ثم خفتت، وتعود اليوم لتطفو على السطح عبر وقائع ميدانية لا يمكن تجاهلها مثل رحلات غير واضحة المصدر، وجهات مبهمة تتولى التنظيم، وإسناد إسرائيلي مباشر في مراحل النقل، إلى جانب تصريحات في جنوب أفريقيا تتحدث عن أن الركاب "بدوا كمن طردوا من القطاع".

ونقل موقع "والا" عن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو المسؤول المباشر عن معابر قطاع غزة، قوله ردا على الاتهامات والغموض الذي يحيط بالرحلة، إن "السكان غادروا قطاع غزة بعد حصولهم على إذن من دولة ثالثة لاستقبالهم".

إعلان

لكن التعقيب الإسرائيلي بقي عامّا وفضفاضا، دون الكشف عن هوية تلك الدولة أو كيفية إصدار الإذن، مما زاد من حالة الغموض المحيطة بالعملية برمّتها.

تسهيلات

ما يعزز فرضية ضلوع إسرائيل في دفع الغزيين نحو "الهجرة الطوعية" بعد فشل مخطط التهجير القسري خلال الحرب، هو ما كشفته صحيفة "هآرتس"، فبحسب الصحيفة، عشية إعلان وقف إطلاق النار، قال مصدر أمني إن المستوى السياسي في إسرائيل أصدر تعليمات واضحة بتسهيل مغادرة الفلسطينيين من القطاع.

وبحسب المصدر، شملت هذه التسهيلات تخفيفا كبيرا في المعايير الأمنية اللازمة لمغادرة غزة، إلى درجة أن نسبة الموافقة على الطلبات ارتفعت إلى 95%، مقارنة بنسبة منخفضة للغاية قبل القرار السياسي.

وتتيح إسرائيل، بحسب الصحيفة، المغادرة بطريقين رئيسيين: النقل إلى مطار رامون في النقب جنوب فلسطين، شريطة أن توفر الدولة المستقبلة طائرة خاصة لإجلائهم من هناك، أو المرور عبر معبر الكرامة (معبر اللنبي) إلى الأردن، لمن استطاع ترتيب السفر من هناك إلى الخارج.

ووفقا للمعطيات الإسرائيلية التي وثقتها صحيفة "هآرتس"، غادر نحو 7 آلاف فلسطيني من سكان غزة عبر كرم أبو سالم باتجاه الأردن أو عبر مطار رامون إلى دول أخرى، بينما خرج نحو 30 ألفا عبر معبر رفح إلى مصر منذ بداية الحرب.

وهذه الأرقام، إلى جانب التسهيلات غير المسبوقة، تُفسر داخل إسرائيل، كما تنقل هآرتس، باعتبارها جزءا من سياسة جديدة تهدف إلى تشجيع "الخروج الطوعي" من القطاع، تحت سقف خطة أكبر لإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي لغزة في مرحلة ما بعد الحرب.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا