آخر الأخبار

توماس فريدمان: العالم يدخل حقبة جديدة لم يشهد لها مثيلا

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

قال الكاتب الأميركي البارز توماس فريدمان إن العالم دخل حقبة جديدة لا تشبه أي شيء من قبل.

وأضاف في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز أن العصر الذي أعقب الحرب الباردة قد ولّى، وما يحل مكانه الآن عصر جديد اسمه "عصر البوليستين" لا تحدده قوة عظمى واحدة ولا قوة دافعة واحدة، بل تشكّله تصادمات وتفاعلات بين عوامل متعددة منها الذكاء الاصطناعي ، وتغيّر المناخ، وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية، وسلاسل التوريد المعقدة، الهجرة، وفرط الترابط.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 تغريدة قديمة تضع لوبان أمام القضاء بتهمة إهانة محجبة
* list 2 of 2 موجات ارتدادية مستمرة لحوار كارلسون وفوينتس المناهض لإسرائيل end of list

ويدور المقال حول سؤال جوهري هو: ما الاسم المناسب للعصر الذي نعيش فيه؟ وفي إجابته عن السؤال يرى الكاتب أن العالم قد تغيّر جذريا عن فترة الحرب الباردة التي قال إنه نشأ فيها وعمل صحفيا طوال مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

وفي نظره أن الأطر التاريخية التي كانت تميّز فترة الحرب الباردة لم تعد صالحة. فالانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان ، والغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا ، وظهور الصين ندّا عسكريا واقتصاديا للولايات المتحدة، وتفاقم التغير المناخي ، إضافة إلى الثورة التكنولوجية غير المسبوقة، كل ذلك يشير -برأيه- إلى نهاية النظام السابق وبداية عصر جديد بلا اسم واضح.

ووفقا له، فإن العديد من الباحثين يحاولون تسمية هذا العصر من زوايا مختلفة، فالعلماء البيئيون يسمونه "العصر الأنثروبوسيني"، أي العصر الذي يحدده تأثير الإنسان على المناخ والبيئة. ويطلق عليه التقنيون عصر المعلومات أو عصر الذكاء الاصطناعي. ويراه إستراتيجيون بأنه عودة الجغرافيا السياسية، أو كما وصفه المؤرخ روبرت كاغان: "الأدغال تعود للنمو".

فريدمان: الباحثون يحاولون تسمية هذا العصر من زوايا مختلفة، فالعلماء البيئيون يسمونه "العصر الأنثروبوسيني"، أي العصر الذي يحدده تأثير الإنسان على المناخ والبيئة. ويطلق عليه التقنيون عصر المعلومات أو عصر الذكاء الاصطناعي. ويراه إستراتيجيون بأنه عودة الجغرافيا السياسية

لكن فريدمان يرى أن كل هذه المصطلحات لا تلتقط جوهر اللحظة. فالعالم لا يتغير تحت تأثير عامل واحد، بل نتيجة اندماج وتفاعل قوى متعددة في آنٍ واحد: التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والمناخ والبيئة، والاقتصاد العالمي، وتحولات الهوية، والهجرة والتواصل الفوري.

إعلان

وما كان يُفهم سابقا على أنه بنى ثنائية (شرق/غرب، شمال/جنوب، ديمقراطي/استبدادي) أصبح يتحول -كما يعتقد الكاتب- إلى أنظمة متعددة الأطراف والتأثيرات، فالذكاء الاصطناعي يتجه نحو ذكاء اصطناعي متعدد المعارف، والمخاطر المناخية تتحول إلى أزمات متكاثفة ومترابطة، والتجارة العالمية أصبحت شبكات متعددة المراكز، والهوية المجتمعية باتت متعددة الأشكال والانتماءات.

ويقر فريدمان بأن الشخص الذي ساعده في صياغة هذا الفهم هو كريغ ماندي، الرئيس السابق للبحث والتخطيط في شركة مايكروسوفت .

وقال إن ماندي اخترع أثناء حواره معه مصطلحا جديدا هو "البولسيين"، وهي كلمة مأخوذة من اللغة اليونانية ويمكن أن تترجم بـ "عصر تفاعُل الكثير مع الكثير". ففي هذا العالم، كل فرد وكل آلة أصبح يمتلك وسيلة للتأثير، بفضل الهواتف الذكية والحوسبة المتقدمة والاتصال الفوري.

ويشرح فريدمان أن من أبرز العوامل التي دفعت البشر إلى هذا العصر هي الثورة في الذكاء الاصطناعي، ففي عام 2024، أي بعد إطلاق روبوت الدردشة "شات جي بي تي" بعامين، بدأ سلسلة من الدروس مع ماندي الذي أوضح أن الهدف النهائي للذكاء الاصطناعي هو الوصول إلى "ذكاء اصطناعي عام متعدد المعارف"، أي نظام يستطيع أن يفهم الفيزياء والكيمياء والموسيقى والفلسفة والأدب والرياضة ويتفوق في الربط بينها بشكل كبير على البشر. ولم يعد الكمبيوتر مجرد أداة تنفذ تعليمات، بل شريك يفكر ويبتكر ويولد حلولا لم يُبرمج عليها.

ويمضي إلى القول إن هذا التحول في الذكاء مرتبط بتحول كبير في صناعة الرقائق الإلكترونية. ففي الماضي، كانت الرقائق تعمل بطريقة ثنائية: تنتقل بين 0 و1، وتعالج مهمة واحدة في كل مرة.

أما اليوم -يضيف الكاتب- فالرقائق مكونة من وحدات متعددة تعمل بالتوازي. وقد طورت شركات، مثل "أبليد ماتيريالز" و"إنتل" و "تي إس إم سي" و "سامسونغ، شرائح مكونة من قطع صغيرة متخصصة، تُجمع في شريحة واحدة ثلاثية الأبعاد.

هذه القدرة على توزيع المهام ومعالجتها في الوقت نفسه هي ما جعل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي ممكنا، لأنها تتيح للأنظمة ضبط مليارات المعاملات الداخلية واكتشاف الأنماط ذاتيا.

والقوة الثانية التي تُعرّف بعصر البوليسين هي الانتقال من "تغير المناخ" إلى "الأزمة المتعددة". فالمسألة لم تعد مجرد ارتفاع درجات الحرارة، كما يؤكد المقال الذي يشير كاتبه إلى أن دعاة البيئة من أمثال يوهان روكستروم وتوماس هومر ديكسون، يوضحون أن التغير المناخي يطلق سلسلة من الانهيارات تتمثل في الجفاف الذي يؤدي إلى تدهور الزراعة والهجرة والصراع السياسي، ثم انهيار الدول.

ويورد فريدمان مثالا آخر هي سوريا ما قبل الحرب الأهلية التي كانت تعاني من جفاف غير مسبوق دفع الفلاحين نحو المدن، حيث اصطدموا بالفقر والبطالة والتوترات الطائفية، "فكان الانفجار حتميا".

وأضحت الجغرافيا السياسية، بدورها، متعددة الاتجاهات. ففي حقبة الحرب الباردة، كان الاصطفاف واضحا: شرق مقابل غرب. واليوم -وفق المقال- تمارس الدول "الاصطفاف المتعدد". فالهند تشتري النفط من روسيا ، وتتعاون مع أميركا تكنولوجيا. والصين تبيع طائرات مسيرة لروسيا وأوكرانيا في الوقت نفسه. وإسرائيل تصطف مع أذربيجان المسلمة ضد أرمينيا المسيحية. إنها رقصة شراكات مؤقتة ومصلحية، وليس تحالفات ثابتة، على حد تعبير الكاتب.

إعلان

ويتابع فريدمان القول إن الحرب نفسها لم تعد خطا أماميا واحدا، مشيرا إلى أن الرئيس الروس فلاديمير بوتين يقاتل أوكرانيا عسكريا، ويصارع أوروبا عبر السايبر والحملات التضليلية والتدخل الانتخابي. وميدان القتال لم يعد -برأيه- جغرافيا، بل شبكيا.

فريدمان: النجاح في عصر البوليسين يتطلب تحالفات مرنة تجمع الحكومات والشركات والمجتمع المدني والمبدعين والخبراء في شبكات تتجاوز الانقسام السياسي

وينتقل فريدمان بعدها إلى المجتمع، فيقول إنه في أيام طفولته في الخمسينيات، كانت الهويات الاجتماعية صارمة: رجل أو امرأة، أسود أو أبيض، مسيحي أو يهودي. أما اليوم، فمدينته أصبحت متعددة الأعراق والأديان والثقافات. والهجرة العالمية، التي تضاعفت منذ عام 1990، غيرت هوية المجتمعات، وأصبحت المدن متعددة اللغات ومتعددة الهويات.

حتى الأخبار أصبحت متعددة المصادر؛ إذ لم يعد الإعلام ينتقل من الأعلى إلى الأسفل، فأي شخص يمكنه نقل الخبر، وأحيانا عبر مقطع عابر يُعاد نشره ملايين المرات.

أما الاقتصاد، فلم يعد هو الآخر قائما على مبدأ آدم سميث : "أنا أصنع الجبن، وأنت تصنع النبيذ"، فالمنتجات الكبرى اليوم -مثل الهواتف الذكية واللقاحات والرقائق الإلكترونية -هي ثمرة شبكة متعددة المراحل فحيث إن التصميم يتم في بلد، تكون المواد في بلد آخر، والتصنيع في بلد ثالث، والتجميع في بلد رابع.

سيدمان: الاعتماد المتبادل لم يعد خيارا بل أصبح شرطا وجوديا

وذكر أن عالِم الاقتصاد إريك بينهوكر يسمي هذه الظاهرة: "تقسيم المعرفة بدلا من تقسيم العمل".

وفي تقدير فريدمان أن النجاح في عصر البوليسين يتطلب تحالفات مرنة تجمع الحكومات والشركات والمجتمع المدني والمبدعين والخبراء في شبكات تتجاوز الانقسام السياسي.

واقتبس عبارة من الفيلسوف دوف سيدمان تلخص الفكرة وهي أن "الاعتماد المتبادل لم يعد خيارا. بل أصبح شرطا وجوديا".

ويختتم فريدمان مقاله بالتشديد على أن هذا العصر هو أول عصر يحكم فيه البشر كوكبا مترابطا بالكامل، مضيفا أن المستقبل يعتمد على قدرتنا على الاعتراف بحقيقة الترابط والعمل عبر الحدود والتخصصات.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا