آخر الأخبار

انضمام سوريا إلى التحالف الدولي مكسب أم مخاطرة؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

تخطو دمشق نحو واحدة من أكثر خطواتها حساسية منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مع اقتراب انضمامها رسميا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، المتوقع إعلانه خلال زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن.

وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن الرئيس الشرع وصل، أمس الأحد، إلى العاصمة الأميركية في زيارة رسمية، حيث من المقرر أن يلتقي يوم غد الاثنين الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض.

وتسجَّل هذه الزيارة كسابقة في التاريخ السياسي السوري باعتبارها الأولى لرئيس سوري إلى البيت الأبيض، والثانية للشرع إلى الولايات المتحدة بعد مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.

وكان المبعوث الأميركي إلى سوريا توم براك ، قد أعلن أن الرئيس الشرع سيوقع خلال زيارته على وثيقة شراكة تضع سوريا داخل هذا التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وأكد براك أن هذا الانضمام يمثل تحولا كبيرا ليس لسوريا فحسب، بل للمنطقة بأسرها، وهو ما يعكس حجم الرهانات السياسية والدبلوماسية المرتبطة بهذه الخطوة.

لكن هذا التحول، رغم ما يحمله من مكاسب محتملة، يضع سوريا أمام استحقاقات داخلية حساسة، تتعلق بتوازن القرار السيادي، فضلا عن تداعيات أمنية قد تطول البنية العسكرية والملف الداخلي لمكافحة الجماعات المتشددة.

تعزيز الشرعية الدولية

مع التحول المرتقب في موقع سوريا داخل النظام الدولي، يُنظر إلى انضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة باعتباره خطوة تتجاوز بعدها العسكري، لتفتح الباب أمام إعادة إدماج الدولة السورية في المشهد الدبلوماسي العالمي، بعد سنوات من العزلة والعقوبات.

ويرى مراقبون أن الخطوة تمثل بداية مرحلة جديدة في السياسة السورية، مع محاولة الحكومة الانتقالية بقيادة الشرع إعادة إدماج سوريا في المنظومة الدولية وموازنة علاقاتها بين الشرق والغرب.

إعلان

وبحسب دراسة صادرة عن مركز "جسور للدراسات" فإن الانضمام للتحالف سيعزز شرعية الحكومة على المستوى الدولي، وبالتالي دفع وتيرة رفع العقوبات الدولية عنها وخصوصا العقوبات الأممية المفروضة على خلفية تصنيف بعض شخصيات القيادة السورية على قوائم الإرهاب.

وستتيح هذه التطورات تحسنا للأوضاع الاقتصادية في البلاد من خلال دخول الاستثمارات والمشاريع التي ما زالت معطلة بفعل تلك العقوبات.

وتؤكد الدراسة أن الانضمام يمثل قطيعة حقيقية مع نهج نظام الأسد الذي تسبب بتصنيف سوريا دولة راعية للإرهاب، وفرض عليها عزلة وعقوبات سياسية واقتصادية، ويعيد سوريا إلى محيطها العربي والإقليمي دولةً لا تهدد جيرانها، وتحافظ وتلتزم بالسلم والأمن الدولييْن.

وفي هذا السياق أوضح مؤسس منظمة "سوريا طريق الحرية"، هشام نشواتي في تصريح للجزيرة نت أن هذه الخطوة تمنح الحكومة الجديدة شرعية دولية واعترافا رسميا أكبر من مكاسب التحالف، وتعكس التزاما بالاستقرار ومشاركة في مواجهة عدو مشترك هو تنظيم الدولة، مما يحفظ سوريا ويساعد التحالف، مشيرا إلى أنها رسالة من التحالف بتوفير الاستقرار، والإسهام في وحدة البلاد.

ولطالما أكدت القيادة السورية على سعيها لاستعادة مكانة سوريا الطبيعية في المجتمع الدولي بعد عقود من العزلة من خلال مشاركتها في المؤتمرات والمناسبات الإقليمية والدولية .

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قال في مؤتمر صحفي "الرئيس السوري قد يأتي للبيت الأبيض وهو يعمل بجد. رفعنا العقوبات عن سوريا من أجل منحها فرصة، وسمعت أن رئيسها يقوم بعمل جيد للغاية".

سحب ملف الإرهاب من يد "قسد"

يمثل انضمام سوريا المرتقب إلى التحالف الدولي فرصة لدمشق لاستعادة واحدة من أكثر الأوراق حساسية في المشهد الأمني، وهي ورقة مكافحة الإرهاب في الشرق السوري، والتي احتكرتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لسنوات بدعم مباشر من واشنطن.

ويرى الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية نوار شعبان قباقيبو، من "المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة"، أن أهمية هذه الخطوة تأتي من المكاسب السياسية المحتملة، وهي استعادة الحكومة السورية لدورها في ملف محاربة الإرهاب في الضفة الشرقية للفرات، بعد احتكاره من قبل قوات قسد منذ عام 2015.

ويضيف قباقيبو للجزيرة نت أن الانضمام للتحالف يضع دمشق في محل شريك مباشر لواشنطن لمحاربة تنظيم الدولة، مما يقلص من شرعية الوكيل المحلي الحالي قسد، وهذا الأمر يفتح الباب أمام ترتيبات أمنية جديدة وقد يعيد التوازن إلى منطقة الجزيرة السورية.

وفي الاتجاه ذاته قال الباحث محمود علوش، في تصريح للجزيرة نت، إن انضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة سيجعل سوريا شريكا إقليميا رئيسيا لواشنطن والغرب في مكافحة الإرهاب.

وأوضح علوش أن هذه الخطوة نتيجة متوقعة في تحول التفضيلات الأميركية، عندما تجد الولايات المتحدة شركاء جددا يمثلون دولا وليسوا جماعات، في مكافحة الإرهاب، وهم أعلى قيمة وفعالية بطبيعة الحال.

وشهدت الآونة الأخيرة تزايدا ملحوظا في العمليات المشتركة التي نفذها التحالف والحكومة السورية، وأبرزها الغارة التي نُفّذت في 20 أغسطس/آب 2025، بالتنسيق والدعم من القوات الحكومية، والتي قُتل خلالها قيادي عراقي كبير في تنظيم الدولة الإسلامية صلاح نومان الجبوري.

مصدر الصورة ورقة مكافحة الإرهاب في الشرق السوري احتكرتها قوات قسد لسنوات بدعم مباشر من واشنطن (الفرنسية)

خبرات أمنية وعسكرية

يرى مراقبون أن انضمام سوريا للتحالف الدولي يفتح بابا واسعا أمام تحسين قدراتها الأمنية والاستخباراتية، بعد سنوات من إنهاك مؤسساتها العسكرية وتراجع كفاءتها في مواجهة الخلايا المتطرفة.

إعلان

ويؤكد الباحث السياسي ضياء قدور أن التنسيق مع التحالف يمثل نقطة انطلاق لإعادة بناء قطاع الأمن، بمعنى أن هذا التعاون يتيح اكتساب الجيش السوري الجديد خبرات وتدريبات نوعية، إلى جانب تدفق المعلومات الاستخباراتية الضرورية لمكافحة الخلايا النائمة لتنظيم الدولة.

ويضيف قدور في حديثه للجزيرة نت أن هذا المكسب مهم لمؤسسة عسكرية عانت من التدهور والتشظي خلال 14 عاما من الحرب السورية.

ويُنظر إلى هذا التعاون الاستخباراتي من الناحية الأكاديمية على أنه عنصر حيوي لتحسين الكفاءة العملياتية ومنع تحوّل التهديد الإرهابي إلى خطر طويل الأجل على الاستقرار الداخلي، يضيف الباحث قدور.

وفي سياق متصل ذكر تقرير معهد الشرق الأوسط أن سوريا ستكون على الصعيد العسكري أمام فرصة للحصول على دعم فني وعملياتي مباشر من الولايات المتحدة ودول التحالف للمشاركة الفاعلة في العمليات المشتركة ضد التنظيم.

وأشار التقرير إلى أن دمشق من الجانب الأمني ستتمكن من الوصول إلى أنظمة تبادل المعلومات التابعة للتحالف، بما يشمل التحقق من هوية المجندين الجدد داخل وزارتي الدفاع والداخلية، لمنع تسلل عناصر تنظيم الدولة إلى أجهزة الحكومة.

ونقل المعهد عن مصدر رفيع في مديرية الأمن العام، أن التنسيق الأخير بين دمشق وقيادة التحالف شمل اتفاقيات عملياتية متعددة، أبرزها: تبادل المعلومات الاستخبارية بين وحدة الاستطلاع في وزارة الداخلية وغرف عمليات التحالف الدولي، بما يمهّد لتأسيس قنوات تعاون أمنية أكثر مؤسسية واستدامة.

مصدر الصورة مراقبون: انضمام سوريا للتحالف الدولي بفتح بابا واسعا أمام تحسين قدراتها الأمنية والاستخباراتية بعد سنوات من الإنهاك (غيتي)

توترات داخلية محتملة

يمثّل انضمام سوريا إلى التحالف الدولي تحديا داخلياً يتجاوز البُعد السياسي والعسكري، ليصل إلى البُعد العقائدي والأيديولوجي، خصوصا لدى الفصائل الإسلامية المتشددة والمقاتلين المهاجرين الرافضين لأي تقارب مع الولايات المتحدة أو الغرب.

ويشير تقرير لمعهد الشرق الأوسط، صدر في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى وجود معارضة من عناصر داخلية تعارض التعاون مع القوى الغربية، قد تعرقل أي شراكة مستقبلية، وهو ما يفرض -بحسب التقرير- على كل من دمشق والتحالف اتخاذ خطوات استباقية لطمأنة هذه الأطراف، وتبديد المخاوف المرتبطة بالسيادة أو النفوذ الخارجي.

من ناحيته يتوقع الباحث ضياء قدور أن أي تقارب سريع مع واشنطن أو تفاهمات أمنية مع إسرائيل، قد يهدد بتوليد انشقاقات داخلية واسعة، ويحوّل بعض المقاتلين المهاجرين والتيارات الرافضة إلى قوة معارضة عنيفة أو يسهل تنظيمهم تحت لواء تنظيمات متطرفة.

ويتطلب هذا السيناريو ـبحسب قدورـ من الرئيس الشرع إستراتيجية "احتواء ودمج" دقيقة، وتبني خطاب وطني جامع لمنع تقويض الاستقرار من الداخل قبل أن تتمكن الدولة من الاستفادة من المكاسب الخارجية.

وظهرت على الأرض بوادر هذا التوتر مطلع أكتوبر/تشرين الأول، حين نفذت طائرة أميركية غارة استهدفت قياديا في جماعة إسلامية متشددة تعرف باسم "أنصار الإسلام" شمال غربي سوريا.

ونقل موقع "المونيتور" عن مسؤول أمني في دمشق قوله "أبلغنا الأميركيين أننا لم نعد نريد وجودهم العسكري في هذه العمليات، فنحن نحارب تنظيم الدولة منذ سنوات، ويمكنهم تزويدنا بالمعلومات فقط إذا دعت الحاجة."

وأوضح المسؤول أن هذا الموقف جاء نتيجة انزعاج بعض شرائح الشعب السوري من التعاون العسكري المباشر مع الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة.

بين الشراكة والارتهان لواشنطن

رغم ما يحمله الانضمام إلى التحالف الدولي من مكاسب سياسية وأمنية، تُثار مخاوف داخلية من أن تتحول هذه الخطوة إلى مدخل لتقييد استقلالية القرار الوطني، أو جعل دمشق في موقع التبعية لواشنطن، خاصة وأن التحالف يرتبط تاريخيا بالمصالح الأميركية وأدوارها المباشرة في الشرق الأوسط.

إعلان

ويحذر الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية نوار شعبان قباقيبو من أن أخطر نقطة في هذا الموضوع هي الارتهان السياسي لواشنطن، لأن خطوة الانضمام للتحالف الدولي تحمل العديد من الفرص، إلا أن ارتباط التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بالمصالح الأميركية يجعل هذا الأمر سيفا ذا حدين؛ فواشنطن قد تستثمر التعاون الأمني لفرض أجندات سياسية تمس ملفات داخلية كإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، أو مستقبل العلاقة مع روسيا مثلا.

ويحذر قباقيبو من إعادة تجربة الارتهان السياسي، كما فعل النظام المخلوع حين ارتهن لروسيا وإيران؛ ومن ثَم فالأهم اليوم هو تحويل هذا الانضمام من مجرد مشاركة إلى شراكة وازنة، تضمن المكاسب الأمنية دون فقدان استقلالية القرار الوطني.

وفي هذا السياق أكد وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني أن زيارة الشرع إلى واشنطن "ستكون محطة محورية في إعادة ترتيب العلاقة مع الولايات المتحدة".

وأضاف الشيباني خلال مشاركته في منتدى حوار المنامة أن هناك الكثير من المواضيع التي يتم الحديث عنها، بداية من رفع العقوبات وفتح صفحة جديدة بين الولايات المتحدة وسوريا، مشيرا إلى أن الحكومة السورية تريد شراكة قوية جدا مع واشنطن.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا