باتت #مالي، بموقعها الاستراتيجي، عرضة للسقوط تحت سيطرة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي تحاصر الحكومة اقتصادياً وعسكرياً، مع مؤشرات متسارعة على قرب دخولها إلى العاصمة #باماكو.. الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة وصفتها "واشنطن بوست" بأنها "من بين أقوى الجماعات المتطرفة في… pic.twitter.com/mqd3TuE1Pm
— Erem News – إرم نيوز (@EremNews) November 9, 2025
نواكشوط ـ بينما تنزلق مالي منذ أشهر إلى دوامة من الاضطرابات الأمنية غير المسبوقة، تتصاعد في موريتانيا المخاوف من تداعيات هذا الانفجار على حدودها الشرقية التي لطالما شكلت شريانا اقتصاديا وحيويا للرعاة والتجار في البلاد.
فالهجمات الأخيرة للجماعات المسلحة على طرق الإمداد نحو العاصمة باماكو وما أعقبها من نقص خانق في الوقود والمواد الأساسية، لم تربك السلطات في مالي فحسب، بل دفعت نواكشوط إلى حالة استنفار وترقب خشية انتقال ارتدادات الأزمة إليها، خاصة بعد أن أغلقت مالي حدودها في وجه رعاة المواشي الموريتانيين، واشتدت وطأة المخاطر على المواطنين والنشاط التجاري في المناطق المشتركة.
كما تراقب موريتانيا بتأهب تمدد الجماعات المسلحة وتطورها واتساع نفوذها في مالي، ولا سيما جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تنشط قرب الحدود في الجنوب الغربي المالي.
عانت موريتانيا خلال السنوات الماضية من حوادث أمنية خطيرة ومتكررة استهدفت مواطنيها على طول حدودها مع مالي. فعلى سبيل المثال:
تشعر موريتانيا بالقلق من تمدد الجماعات المسلحة وتدهور الوضع في مالي، إذ تستغل هذه الجماعات، حسب مراقبين، الثغرات الاجتماعية والاقتصادية لسكان الحدود لخلق شبكات تهريب وللتجنيد وتمويل نفسها وتوسيع نفوذها.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول الباحث في الشأن المالي الدكتور إخليهن محمد الأمين، إن اتساع الصراع في مالي يثير مخاوف جدية من تكرار حوادث الترويع والقتل التي تعرض لها مواطنون موريتانيون خلال العام الماضي ومطلع هذا العام على يد الجيش المالي.
وأضاف أن "الهشاشة الأمنية تفتح الباب أمام الجماعات المتشددة لاستغلال الفراغ على الحدود ومحاولة التسلل إلى الأراضي الموريتانية، وهو ما يستدعي مزيدا من اليقظة والانتشار الأمني في الشريط الحدودي الطويل بين البلدين".
ومع أن الأزمة المالية لا تبدو لها نهاية قريبة، يرى الدكتور إخليهن أن موريتانيا تبدو حتى الآن قادرة على إدارة المخاطر المحيطة بها بحذر محسوب، مستفيدة من خبرتها الأمنية السابقة ومن تماسك جبهتها الداخلية، لكن استمرار الصراع في مالي يُبقي التحدي قائما ومفتوحا على احتمالات متغيرة.
في الماضي، شكلت مالي شريانا حيويا للاقتصاد الموريتاني، إذ كانت تؤوي لعقود آلاف التجار والرعاة، وتعد المناطق الشرقية في موريتانيا مركزا مفتوحا بطول الحدود للتبادل التجاري الحر ومعبرا رئيسيا إلى دول غرب أفريقيا.
لكن منذ فترة بدأ الوضع الأمني الهش في مالي ينعكس على العلاقات السياسية والتجارية بين البلدين، فأُغلقت الحدود أمام الرعاة الذين يعتمد أكثر من 80% منهم على المرعى المالي، ومنذ 3 أشهر، أُغلقت أكثر من 300 من المحال التجارية الموريتانية في مالي، رغم تدخل وزير الخارجية الموريتاني وزيارته لباماكو.
وتقول جهات مقربة من السلطة في مالي إن سبب إغلاق المحلات التجارية للموريتانيين يعود إلى عدم توفر سجلات تجارية، لكن التجار يؤكدون أن أوراقهم مكتملة وأنهم نفذوا كل ما طلب منهم دون تجاوب.
ويوضح أحمد إدي، وهو تاجر موريتاني في مالي: "هذا الإغلاق الطويل أثر سلبا على مئات التجار المستثمرين، ضاع وقتهم وتلفت بضاعتهم بسبب انتهاء تاريخ صلاحيتها القصير أو الأعطال في آلات التبريد، مع استمرار دفع الإيجار دون إنتاج".
تعد المناطق الشرقية الحدودية مع مالي عاصمة للثروة الحيوانية في موريتانيا، وتحتضن ولاية الحوض الشرقي وحدها نحو 11 مليون رأس من الغنم، أي نحو 50% من إجمالي ما تمتلكه موريتانيا.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول تاجر المواشي حيد محمد الأمين، من ولاية الحوض الشرقي، إن القاعدة السائدة لديهم في الولايات الحدودية هي أن المواشي لا يمكن أن تصح وتنمو وتتكاثر دون أن ترعى من الأراضي المالية لخصوبتها وقرب مياهها.
ويرى الأمين أن الصراع وعدم استقرار مالي أثر بشكل قاس على الرعاة الموريتانيين، وجعلهم بين خيارين أحلاهما مر:
ويضيف أن إغلاق الحدود نهائيا سيفاقم الوضع، خاصة مع اقتراب موسم الجفاف، مشيرا إلى أن بعض مُلاك المواشي بدؤوا بالتخلص تدريجيا منها؛ "فمن كان يملك ألفي رأس أصبح يملك ألفا، ومن كان يملك 200 أصبح يملك 100".
ورغم الضغوط الشعبية المتزايدة على الحكومة للتأهب والتعامل بحزم مع السلطات العسكرية في مالي، فإن موريتانيا لا تزال عاجزة عن حل أزمة التجار العالقة منذ 3 أشهر، وتتعامل مع الموقف بحذر يرى البعض أنه مبالغ فيه.
وفي آخر جلسة أمام البرلمان، أكد وزير الخارجية الموريتاني أن مالي "أبدت استعدادا لحل القضايا العالقة"، لكنه دعا إلى "تفهم الظروف المعقدة في مالي، فقد تكون هناك رغبة لديهم للقيام بشيء ما، لكن دون توفر الإمكانات".
ويعلق محفوظ ولد السالك، وهو صحفي وخبير في الشأن الأفريقي، بالقول "ربما تسعى موريتانيا لتجنب تصعيد الأزمة، فهي تأخذ في الاعتبار الضغوط الكبيرة التي تواجهها مالي داخليا وإقليميا، وتسعى لتكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة".
ويضيف أن كلا الطرفين يقدران الموقف، وهناك مساع رسمية لتسوية الأزمة، كما يبدو واضحا أن هناك رغبة مشتركة في عدم تجاوز الأزمة حدّها الحالي، ولذلك تكاد تخلو من التداول الكبير على الصعيد الرسمي.
ويرى مراقبون أن مالي تستخدم أزمة التجار الموريتانيين كورقة ضغط على نواكشوط، التي رحّلت أكثر من 13 ألف مهاجر مالي غير نظامي خلال العام الجاري.
ويقول ولد السالك "ربما تكون لدى الطرف المالي شروط ومطالب مقابل حل أزمة التجار والرعاة، وقد تراعي موريتانيا السياق الأمني المعقد، بما يشمل الهجمات المسلحة المستمرة والنقص الكبير في الوقود وما نتج عن ذلك من انسحاب موظفين غير رسميين من سفارات دولية في باماكو".
ويختتم "ما يجمع البلدين أكثر مما يفرقهما، ولكل منهما أوراق ضغط قد تؤثر على الطرف الآخر، وقد تبادلا خلال الفترة الماضية زيارات على المستوى الوزاري، وربما تكون الأمور في طريقها إلى الحل".
يُذكر أن الحكومة المالية قد أعلنت إنشاء لجنة وزارية مشتركة لمواجهة الأزمة الأمنية في البلاد، مؤكدة أنها تعمل على تأمين احتياجات البلاد من المحروقات، فيما يقدم الجيش مرافقات عسكرية للقوافل المحملة بالوقود.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة