أصدرت منظمة “عير عميم” تقريرًا جديدًا يكشف عن مرحلة خطيرة في سياسات الاحتلال بالسيطرة على حي الشيخ جراح في القدس وتهجير سكانه.
التقرير، بعنوان “خنق الشيخ جراح: أدوات جديدة للسيطرة الإسرائيلية والتهجير الفلسطيني”، يشير إلى أن حكومة الاحتلال لم تعد تعتمد فقط على جمعيات استيطانية،… pic.twitter.com/NgQSWRJ5Do
— القدس البوصلة (@alqudsalbawsala) October 31, 2025
كشف تقرير جديد لمنظمة "عير عميم" الحقوقية الإسرائيلية استخدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي أدوات جديدة للسيطرة على حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة.
وجاء في التقرير، الذي حمل عنوان "خنق الشيخ جراح: أدوات جديدة للسيطرة الإسرائيلية والتهجير الفلسطيني"، أن هناك مرحلة جديدة في محاولات الاحتلال لتهويد الحي، وذلك من خلال الانتقال من مبادرات تقودها جمعيات استيطانية إلى آليات مباشرة تنفذها مؤسسات الدولة نفسها.
ووصفت المنظمة الحقوقية هذه المرحلة بالخطيرة، لأنه على مدى عقود، قادت الجمعيات الاستيطانية حملات لإخلاء العائلات الفلسطينية، استنادا إلى قوانين تمييزية تتيح لليهود استعادة أملاك تعود إلى ما قبل عام 1948، بينما تُحرم العائلات الفلسطينية من الحق ذاته.
أما المرحلة الجديدة فهي أن مؤسسات الدولة باتت اليوم تستخدم إجراءات وأدوات قانونية وتخطيطية وإدارية غير مسبوقة، لتحقيق الهدف نفسه المتمثل بتهجير السكان الفلسطينيين وتثبيت الوجود الاستيطاني في قلب الحي.
وتشمل هذه الإجراءات مشاريع "تجديد حضري" واسعة النطاق تضم نحو ألفي وحدة سكنية للمستوطنين، أي أكثر من عدد المنازل القائمة في الحي بأكمله، مع استبعاد السكان الفلسطينيين تماما، وتسجيل وتسوية الأراضي لعدد من القطع، مما أتاح للمؤسسات الحكومية والمستوطنين تسجيلها بأسمائهم.
ويضاف إلى ذلك مصادرة المساحات العامة وإعادة تخصيصها لخدمة مؤسسات دينية يهودية ومشاريع قومية دينية، وأخيرا استخدام مشاريع التراث والسياحة لإعادة تشكيل هوية الحي وتعزيز الوجود الإسرائيلي فيه.
وبناء على ما جاء في هذا التقرير، حاورت الجزيرة نت منصور النصاصرة، المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بئر السبع والباحث في جامعة ألستر بأيرلندا الشمالية، الذي تطرق إلى الأهمية التاريخية لحي الشيخ جراح التي جعلته عرضة للأطماع الإستراتيجية، بالإضافة إلى تأثير الهبّة الشعبية التي اندلعت فيه عام 2021 وما تبعها من سياسات تهويدية واستهداف للعائلات بوتيرة أكبر بواسطة منظومة القضاء وأذرع الاحتلال المختلفة.
وتاليا نص الحوار كاملا:
حي الشيخ جراح حي تاريخي مهم خاصة من الناحية الجيوسياسية والدبلوماسية، وبرزت فيه تاريخيا رموز النضال الفلسطيني واجتمعت فيه على مدار عقود، كما احتضن مؤسسات مهمة كثيرة من بينها فندق "شبرد" التاريخي وكرم المفتي ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية، والكثير من القنصليات التي استمر عملها حتى عام 1967، ومن أبرزها القنصلية السعودية والعراقية والكويتية واللبنانية.
وبالتالي فإن استهداف الحي هو جزء من استهداف الرموز التاريخية والسياسية فيه، ولكونه أيضا يربط شطري المدينة الشرقي والغربي، وكانت بوابة "مندلبوم" (نقطة التفتيش السابقة بين القسمين الإسرائيلي والأردني في القدس) قريبة جدا من هذا الحي.
ومن هنا نقول إن هناك أطماعا تاريخية للاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على هذا الحيز الجغرافي لربط شطري المدينة.
منذ اندلاع تلك الهبّة ازداد الاهتمام بالاستيطان داخل الأحياء العربية بالقدس، ومنها الشيخ جراح بادعاءات دينية، فغالبية المتدينين الذين يأتون من القدس الغربية يصلون إلى هذا الحي لزيارة ما يسمونه قبر "شمعون الصديق" ، وهو جزء من رواية توراتية عليها الكثير من الاختلافات.
الأداة التوراتية تلعب دورا مهما جدا في الرواية الاستيطانية للسيطرة على هذا الحي وربطه بالإرث التاريخي الصهيوني، ومن هنا تأتي الادعاءات بوجود عقارات يهودية فيه من أواخر الفترة العثمانية.
ليس صدفة أن هبة مايو/أيار 2021 كان مركزها الشيخ جراح وباب العمود، فهذه رموز مركزية تاريخية في المدينة المقدسة.
هناك إرث أردني يتم استهدافه في هذا الحي أيضا، فهو يضم مدرسة الملك عبد الله ومستشفى تاريخيا تحول لاحقا لنقطة للشرطة الإسرائيلية.
تريد الحكومة الإسرائيلية محو ما يسمى الخط الأخضر الذي يمر في هذه المنطقة وإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية.
استخدام الأدوات الدينية كان وما زال جزءا مركزيا للتغلغل داخل الأحياء الفلسطينية في القدس، فهي بوابة للدخول إلى الحيز وخلق ادعاءات لا يوجد لها مصداقية تاريخية.
يريدون تحويل الشيخ جراح إلى معقل ديني من أجل السيطرة عليه، ومحاولة الضغط على الأهالي أكثر لأن الحياة اليومية تزداد صعوبة خاصة خلال مواسم الاحتفالات الدينية التي تخنق الحي.
من الواضح أن هناك مخططا لمحاولة السيطرة على العقارات الفلسطينية وعلى الحيز العام في هذا الحي، لربط شطري المدينة الشرقي والغربي من جهة وجبل المشارف والجامعة العبرية بالشطر الغربي من جهة أخرى، لأنه لا يوجد حاليا تواصل جغرافي بين جبل المشارف والقدس الغربية.
عمليات تهويد الحي ليست جديدة بالتأكيد، وهناك رموز تاريخية استيطانية أُدخلت إليه، كما أُطلقت على بعض المناطق مسميات لشخصيات يهودية، وهذا جزء من الرواية الاستيطانية الاستشراقية.
قبل عام 1967 كانت القدس الشرقية تحت السيطرة الأردنية، والأردن لها القول الفصل حتى ذلك العام، لكن اتفاقية أوسلو التي وقعت عام 1993 أعطت الاحتلال فرصة لتسريع التهويد وبشكل ممنهج، ورغم محاولة نبش إسرائيل الأرشيف التاريخي، فإنه ليس من الممكن حل هذه القضية دون التطرق إلى دور الأردن التاريخي في هذه المنطقة والكشف عن مستندات وكالة " أونروا ".
ارتفع عدد المستوطنين في كل من الشيخ جراح و سلوان و البلدة القديمة وأحياء أخرى، ضمن إستراتيجية للسيطرة على الحياة اليومية الفلسطينية وخلق واقع أن الاستيطان جزء من الديناميكية في المدينة.
لا بد من القول إن الحرب المندلعة منذ عامين أعطت فرصة إستراتيجية في هذا الجانب، إذ تم استغلالها استيطانيا لخلق وقائع على الأرض بشكل متسارع، وإحدى السياسات اللافتة منذ اندلاع الحرب هي خنق البلدة القديمة وتحويلها إلى مكان يصعب الوصول إليه، وجعل الفلسطيني يفكر مليّا قبل دخولها أو دخول بعض الأحياء كالشيخ جراح.
هذه الإستراتيجية تهدف للسيطرة على الاقتصاد المحلي وحركة الفلسطينيين، لكن صمودهم في هذه الأحياء الفلسطينية التاريخية وفي البلدة القديمة هو الرد على سياسات التهويد.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة