في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
سراييفو- في خطوة مفاجئة، أزالت وزارة الخزانة الأميركية ، الأسبوع الماضي، عقوباتها عن رئيس جمهورية صرب البوسنة المعزول، ميلوراد دوديك ، أحد أبرز حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوروبا.
ورفع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة العقوبات عن دوديك وعن 47 شخصا وشركة مرتبطة به، بعدما كانت الولايات المتحدة فرضتها في السابق لاتهامه بتقويض " اتفاقية دايتون " التي أنهت الحرب في البوسنة عام 1995.
ولم تبد الوزارة أو أي مسؤول في الإدارة الأميركية أي توضيحات حول القرار، بينما أشاد دوديك في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"تصحيح الظلم الذي ارتكبته إدارتا الرئيسين الأميركيين السابقين باراك أوباما و جو بايدن ".
وحول الأسباب الكامنة خلف القرار الأميركي، يقول عميد كلية العلوم السياسية في جامعة سراييفو، سعد تورتشالو، إن الإجابة عن هذا السؤال تصعب دون معلومات وافية عن مضمون الاتفاق الأميركي مع حكومة دوديك.
ويستدرك في حديث للجزيرة نت "السياق يشير إلى أن هذه خطوة إستراتيجية تهدف إلى تهدئة الأزمة السياسية في البوسنة والهرسك، وقد أبدى ممثلو دوديك، سرا، استعدادهم لعلاقات تعاونية أكثر مع واشنطن ".
وكانت الجمعية الوطنية في جمهورية صرب البوسنة قد ألغت، الشهر الماضي، سلسلة من القوانين والقرارات الانفصالية المخالفة لاتفاق "دايتون"، وعيّن أعضاؤها رئيسا مؤقتا بدلا من دوديك، وكان ذلك أول اعتراف رسمي بتنحيه عن منصبه بعد أن قضت المحكمة الدستورية البوسنية باستبعاده قانونيا من الحياة السياسية.
لكن ورغم هذه الخطوات الاستباقية، يشدد تورتشالو على أهمية ما قام به دوديك داخل أميركا، حيث قاد حملة ضغط مكثفة عبر شخصيات نافذة مقربة من دائرة الرئيس دونالد ترامب ، كانت مهمتها صراحة رفع العقوبات عن دوديك وعائلته، وإقامة حوار بين جمهورية صرب البوسنة وإدارة ترامب.
وفي السياق، كانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قد كشفت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن حملة وظّفها دوديك للضغط على الإدارة الأميركية، تشمل رودولف جولياني، المحامي الشخصي للرئيس ترامب خلال ولايته الأولى، والمحامي الأميركي الإسرائيلي مارك زيل، ومايكل فلين، الفريق المتقاعد الذي عمل لفترة وجيزة مستشارا للأمن القومي في البيت الأبيض في فترة رئاسة ترامب الأولى، والناشطة اليمينية المتطرفة، لورا لومر.
إلى جانب الحاكم السابق لولاية إيلينوي، رود بلاغوفيتش والذي عفا عنه ترامب في فبراير/شباط الماضي قبل أن يوقع عقدا مع حكومة صرب البوسنة في الشهر التالي مقابل مبلغ لم يتم الكشف عنه.
ويوضح الأكاديمي تورتشالو أن لهذا التطور "عواقب غامضة على المصير الشخصي والسياسي لدوديك؛ فمن ناحية صاغ رفع اسمه من (القائمة السوداء) على أنه انتصار شخصي وإعادة تأهيل، وهذا من شأنه تعزيز مكانته بين مؤيديه".
لكن الجانب الآخر من الصورة يظهر أن دوديك اضطر للتراجع تحت الضغط، مما يثير تساؤلات حول سلطته على المدى البعيد. فهو لا يتولى الرئاسة، ما يُمثّل ضربة لسلطته المباشرة، بحسب تورتشالو. ويؤكد أن دوديك، ورغم كل ما جرى، يبقى أقوى سياسي في جمهورية صرب البوسنة، وسيواصل بلا شك إدارة دفة السلطة من الخفاء.
ويوافق وزير الطاقة السابق، رؤوف بايروفيتش، والذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس التحالف الأميركي-الأوروبي في العاصمة واشنطن، هذا الرأي، بل ويعتبر أن دوديك يتمتع بأفضل وضع دبلوماسي خلال الـ20 سنة الماضية.
ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن موافقة دوديك على التخلي عن منصبه ما هو إلا "خلط غير ذي أهمية في أوراق السلطة السياسية التي لا يزال دوديك يسيطر عليها. فهو يستمد قوته من قبضته المُحكمة على حزبه السياسي، وليس من مناصبه السياسية الرسمية".
ويرى تورتشالو أن انسحاب دوديك الفعلي من قيادة جمهورية صرب البوسنة -ولو مؤقتا- يشكل استراحة مهمة في الصراع بين الكيان والدولة، ولا سيما أن الكيان الصربي أقر ضمنيا قرار القضاء باستبعاد دوديك، ولهذا الاحترام ثقل رمزي إذ إنه يظهر، حتى في أكثر الكيانات اضطرابا، احترام التسلسل الهرمي لدستور "دايتون".
ويعتبر قبول دوديك بما جرى "أقرب إلى هدنة سياسية منها إلى سلام سياسي دائم"، فعلى الرغم من أن هذا الاتفاق يبدو نتاجا لحلقة من الأزمة، فإنه من السابق لأوانه الادعاء بأن الأزمة السياسية طويلة الأمد في البوسنة والهرسك قد انتهت.
بل على العكس -يواصل تورتشالو- ربما يكون بمثابة استراحة في الصراع الطويل على النظام الدستوري وتوزيع السلطة، ويضيف "تم تجميد الأزمة في الوقت الحالي، لكنها لم تُحل بعد، لم يتكيف اللاعبون إلا مؤقتا مع توازن القوى الجديد".
ويعتقد تورتشالو أن هذا الحدث يتناسب مع تطور الإستراتيجية الأميركية في غرب البلقان ، فمنذ أواخر التسعينيات وحتى اليوم، كانت السياسة الأميركية تهدف للحفاظ على وحدة أراضي البوسنة والهرسك، واحترام "اتفاقية دايتون"، وردع الجهات الفاعلة المحلية عن المغامرات الانفصالية والعدوانية، وكانت العقوبات والضغط الدبلوماسي ووجود البعثات الدولية أدوات للحفاظ على التوازن.
لكن إدارة ترامب أدخلت نبرة جديدة على سياستها، من خلال التحوّل نحو نهج عملي قائم على المعاملات، ويمكن تفسير هذا على أنه تحول من "الموقف المبدئي" إلى "سياسة المساومة"، حيث يتحقق الاستقرار من خلال "تهدئة" القادة المزعجين من خلال التنازلات بدلا من معاقبتهم، بحسب تورتشالو.
وبسياسة رفع العقوبات وتقديم الإغراءات هذه، قد تُفسد الولايات المتحدة -وفق تحليله- حسابات الكرملين ، فلدى دوديك الآن سبب للتعاون مع الغرب، إذ رأى أنه قد يحصل على مزايا كالشرعية والمزايا الاقتصادية إذا لعب بطريقة بناءة أكثر.
من جهته، يرى الوزير بايروفيتش أن البوسنة الآن في خضم العاصفة السياسية، موضحا "للبوسنة تاريخ مؤسف كأداة للمساومة في اتفاقيات القوى الكبرى في أعوام 1878 و1908 و1918 و1941 و1992".
ويضيف "في كل مرة، كان البوسنيون يكتشفون القرارات التي اتخذت بشأنهم بعد أن اتخذت دون مشاركتهم. سنرى قريبا ما إذا كان سيتم عقد هذه الصفقة مجددا بشأن البوسنة دون مشاركة البوسنيين".
ويستغرب بايروفيتش من غياب العالم الإسلامي عما يجري في البوسنة، "فاللاعبون الرئيسيون في العالم الإسلامي متفقون جميعا على البوسنة، ومع ذلك، فهم غير حاضرين دبلوماسيا في خضم التطورات المتسارعة".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة