جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هي فرع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، تأسست في مارس/آذار 2017 نتيجة اندماج فصائل متمركزة في مالي ، من بينها أنصار الدين وكتيبة ماسينا.
وتعتمد الجماعة نهجا يجمع بين العمل المسلح ومظاهر الحكم المحلي من خلال إنشاء محاكم شرعية وفرض الجبايات والرسوم على الطرق، مما يتيح لها ترسيخ وجودها في المناطق الريفية التي تفتقر إلى حضور الدولة، وتصنفها الحكومات الغربية تنظيما إرهابيا.
يتزعم الجماعة إياد أغ غالي، وهو شخصية طوارقية نافذة من شمال مالي، في حين يُعد قائد كتيبة ماسينا في وسط البلاد أمادو كوفا أبرز مساعديه.
ويخضع كلا القائدين لعقوبات فرضتها الأمم المتحدة .
وفي يونيو/حزيران 2024 كشفت المحكمة الجنائية الدولية عن مذكرة توقيف بحق إياد تتعلق بارتكاب انتهاكات خلال فترة سيطرة الجماعات المسلحة على تمبكتو بين عامي 2012 و2013، في خطوة تعكس امتداد مسار الجماعة من التمرد المحلي إلى الحملة الإقليمية الراهنة.
تشير التقديرات المستندة إلى مصادر مفتوحة إلى أن عدد مقاتلي الجماعة يبلغ بضعة آلاف، في حين تُجمع التحليلات والتقارير الميدانية على أنها تُعد القوة المسلحة الأشد فاعلية في منطقة الساحل، متقدمة على قدرات الدول والجماعات الجهادية المنافسة في بعض مناطق مالي وبوركينا فاسو.
وتنعكس قدرتها القتالية في هجماتها واسعة النطاق كما حدث في أبريل/نيسان 2025 حين أعلنت حكومة بنين مقتل 54 جنديا قرب مجمع متنزهات دبليو-أرلي-بنجاري في هجوم تبنته الجماعة.
رغم أن احتمال محاصرة أو شن هجوم مباشر على باماكو لا يبدو واردا، فإن الجماعة أثبتت قدرتها على خنق العاصمة بأساليب غير تقليدية.
فمنذ سبتمبر/أيلول الماضي استهدفت قوافل الوقود القادمة من السنغال ، وأحرقت عشرات الصهاريج قرب مدينة كاييس، مما تسبب في أزمة حادة بالإمدادات داخل باماكو.
وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي اضطرت الحكومة إلى إغلاق المدارس والجامعات لتقليص استهلاك الوقود، في حين امتدت طوابير الانتظار أمام المحطات في أنحاء المدينة.
وتسعى الجماعة من خلال هذا النهج إلى إنهاك الحياة اليومية وتقويض الثقة في السلطة الحاكمة ودفعها نحو التراجع.
ويعتبر هذا الأسلوب تهديدا وجوديا لباماكو حتى دون الحاجة إلى اقتحامها عسكريا.
تتمركز أنشطة الجماعة في مالي وبوركينا فاسو، مع استمرار عملياتها في جنوب غرب النيجر .
ومنذ عام 2022 بدأت بالتوسع نحو شمال بنين، وامتدت تحركاتها الاستطلاعية إلى توغو وكوت ديفوار.
ويعكس إعلانها الأخير عن تنفيذ هجوم داخل نيجيريا تصاعدا في اختراق الحدود الرخوة والمناطق المحمية التي تُستخدم ممرات ومخابئ من قبل المسلحين.
وفي مواجهة هذا التمدد عززت حكومات دول الساحل إجراءاتها الأمنية على الحدود، ووجهت دورياتها نحو المتنزهات بعد سلسلة من الهجمات الدامية.
تُظهر الجماعة قدرة عالية على التكيف الميداني، إذ تعتمد تكتيكات متنوعة تشمل نصب الكمائن المعقدة واقتحام القواعد وزرع العبوات الناسفة على طرق الإمداد، إلى جانب فرض "الزكاة" على التجار والرعاة، وفرض قيود على الحركة بهدف التحكم في الطرق.
وخلال هذا العام صعّدت الجماعة أدواتها الاقتصادية عبر فرض حصار على الوقود، مما انعكس سلبا على قطاعات التعليم والنقل وأسعار المواد الغذائية.
كما توظف تقنيات تجارية متاحة، مثل تطبيقات المراسلة والطائرات المسيّرة الصغيرة لأغراض الاستطلاع، إضافة إلى استخدام الإنترنت الفضائي عند تعطل الشبكات الخلوية.
ورغم صعوبة تحديد الجهة التي تستخدم كل نوع من هذه المعدات فإن نمط تبني التكنولوجيا بين الفاعلين المسلحين في الساحل بات واضحا ومتسارعا.
تعتمد الجماعة على مصادر تمويل محلية متعددة تشمل جباية الضرائب على الطرق، والحصول على فدى مقابل الرهائن، ونهب الماشية، واقتطاع حصص من أنشطة استخراج الذهب الحرفي.
وتسهم شبكات التهريب العابرة للحدود ونظم تحويل الأموال غير الرسمية في إبقاء التدفقات المالية نشطة حتى في ظل القيود المفروضة على القنوات المصرفية بفعل العقوبات.
وتمنح هذه الآليات الجماعة قدرة أكبر على التكيف والصمود مقارنة بالتنظيمات التي تعتمد على تمويل مركزي.
تخوض الجماعة منافسة مستمرة تتخللها مواجهات متفرقة مع فرعي تنظيم الدولة في الساحل وغرب أفريقيا .
وفي المناطق التي يتقاطع فيها نفوذ الطرفين يتسابقان على استقطاب المجندين والسيطرة على مناطق الجباية والتحكم في المسارات الحيوية، في حين تشهد مناطق أخرى حالة من التعايش المتوازي دون تنسيق أو تعاون.
اجتماع لقادة من المتمردين الطوارق في تنزواتين شمالي مالي (رويترز)وتسهم المنافسة بين الفصائل المسلحة في إعادة تشكيل خريطة العنف، إذ تدفع كل جماعة باتجاه فرض نفوذها، مما يؤدي إلى اضطرابات حادة تطال المجتمعات المحلية.
ويعود انخراط بعض هذه المجتمعات مع الجماعة إلى مزيج من الضغوط والمصالح، ففي البيئات التي تغيب فيها الدولة أو يُنظر إليها كطرف استغلالي تملأ الجماعة الفراغ بتقديم حلول للنزاعات وفرض عقوبات انتقائية على الخارجين عن النظام وضمان استمرار النشاط التجاري مقابل فرض جبايات.
ويعزز هذا النمط من "الحكم الموازي" إلى جانب تجاوزات السلطات الرسمية والانقسامات الاجتماعية قدرة الجماعة على استقطاب المجندين، خصوصا بين الفئات الشابة المهمشة.
ويمثل هذا الأسلوب المحلي امتدادا لنهج القاعدة التدريجي في التغلغل والتأثير داخل المجتمعات.
في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2025 أعلنت الجماعة تنفيذ أول هجوم لها داخل نيجيريا، مؤكدة أنها قتلت جنديا في ولاية كوارا قرب الحدود مع بنين.
عناصر أمنية في شوارع مدينة مانغو بولاية بلاتو بنيجيريا (رويترز)وتواجه أبوجا أصلا تهديدات من جماعة بوكو حرام وفرع تنظيم الدولة في غرب أفريقيا، ويُعد دخول طرف ثالث مرتبط بالقاعدة وذو خبرة في العمليات العابرة للحدود عاملا يزيد احتمالات نشوء خطوط صراع جديدة على امتداد الأحزمة الحدودية ومسارات التهريب التي تربط بنين والنيجر ونيجيريا.
ويكشف هذا الإعلان عن بعدين في إستراتيجية الجماعة وهما الانتهازية، إذ تسعى إلى استغلال الثغرات في المناطق الحدودية والمناطق الطبيعية الوعرة التي تفتقر إلى وجود أمني فعال، وتختبرها بهجمات منخفضة التكلفة.
والبعد الثاني هو الرسائل، إذ يشكل هذا الإعلان إشارة موجهة إلى أنصارها وخصومها على حد سواء لإبراز مدى انتشارها.
ويبقى ما إذا كانت الجماعة ستتمكن من ترسيخ وجود دائم داخل نيجيريا مرهونا بعوامل لوجستية، وتوافر ملاذات آمنة في بنين والنيجر، ومدى قدرة القوات النيجيرية المنهكة أصلا في الشمال والوسط على التصدي لهذا التمدد.
أبدت نيجيريا استعدادها لتلقي الدعم الخارجي شريطة احترام سيادتها، في حين اتجهت بنين نحو تعزيز التنسيق الإقليمي عقب خسائر أبريل/نيسان الماضي.
قوات من الجيش المالي في منطقة ديورا (رويترز)أما مالي فسارعت إلى البحث عن مصادر بديلة للوقود، ويُعتقد أنها أبرمت اتفاقا مع روسيا لتوريد النفط، وتسعى إلى فك الحصار عبر تأمين القوافل بمرافقة عسكرية.
ومع ذلك، تبقى هذه التحركات حلولا ظرفية لا تعالج جذور الأزمة المتمثلة في ضعف الحوكمة، وهي الثغرة التي تستغلها الجماعة لتوسيع نفوذها.
في ظل التطورات الأخيرة تبرز مؤشرات تصعيد محتملة قد تعزز إستراتيجية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في خنق العاصمة باماكو تدريجيا من خلال استهداف القوافل واستمرار حصار الوقود والغذاء في محيط كاييس وممر السنغال.
كما أن تصاعد الهجمات قرب منطقة دبليو-أرلي-بنجاري الطبيعية يرفع احتمالات تمدد الجماعة نحو نيجيريا وتوغو وغانا، في وقت تشير فيه تقارير موثوقة إلى ضبط طائرات مسيّرة وأجهزة اتصال فضائي بحوزة وحدات تابعة لها، مما يعكس تطورا في قدراتها الميدانية.
وتُعد البيانات الصادرة عن إياد أغ غالي أو أمادو كوفا إذا تناولت نيجيريا أو مدن الساحل مؤشرا على نوايا تتجاوز الاستطلاع نحو ترسيخ النفوذ الإقليمي.
وعلى ضوء هذه المعطيات تبدو الجماعة قد انتقلت من تمرد محلي في مالي إلى فاعل إقليمي يجمع بين العنف والإكراه الاقتصادي وأشكال من الحكم الموازي.
ويُعد إعلان الهجوم داخل نيجيريا خطوة محدودة من حيث الحجم، لكنها تحمل دلالات إستراتيجية كبيرة، وتُذكّر بأن الحدود الجغرافية لا تشكل عائقا أمام جماعات تتغذى على هشاشتها.
وفي باماكو، لم يعد السؤال ما إذا كانت الجماعة ستقتحم العاصمة، بل ما إذا كانت ستواصل خنقها عبر استهداف الوقود وقطع الطرق وزعزعة الثقة العامة، وهي حملة تمضي قدما بالفعل.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة