آخر الأخبار

ما دلالات سحب قوات أميركية من شرق أوروبا؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

تجري هذه الأيام معارك طاحنة بين القوات الروسية والأكرانية، ويتركز القتال حاليا في مدينة بوكروفسك التي باتت تشكل تحديا للطرفين، فمصيرها يحدد بشكل كبير مصير ومستقبل المعركة كلها.

وبالتوازي مع هذه المعارك أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ ما كانت تلمح إليه من قبل، وسحبت بعض قواتها من شرق أوروبا، وتحديدا من رومانيا، وهو ما أثار جدلا كبيرا بشأن دلالات الخطوة وتوقيتها.

مصدر الصورة

طبيعة القرار

وحسب تقرير لأندرا تيمو من وكالة بلومبيرغ، فقد أعلن الجيش الأميركي في بيان له أن وحدة لواء المشاة الثانية القتالية التابعة للفرقة 101 المحمولة جوا -والتي كانت تتمركز في شرق أوروبا- لن تُستبدل بعد عودتها المقررة إلى مقرها الرئيسي في كنتاكي.

ولم يحدد بيان الجيش أعداد القوات المسحوبة، مع أن البنتاغون كان قد أوضح سابقا بأن الوحدة تضم 4200 جندي.

لكن تقريرا لمراسلة رويترز في بوخارست لويزا إيلي كشف أن ما بين ألف و1200 جندي أميركي قد غادروا رومانيا قبل شهر ولن يتم استبدالهم، وأن نحو ألف جندي أميركي فقط هم من بقوا فيها.

ونقلت مراسلة رويترز عن وزارة الدفاع الرومانية أن الولايات المتحدة تخطط لخفض عدد القوات الموجودة على الجناح الشرقي لأوروبا، بمن في ذلك الجنود الذين كان من المقرر أن يتمركزوا في قاعدة ميخائيل كوغالنيشينو الجوية الرومانية.

وقالت الوزارة إن القرار الأميركي يقضي بوقف تناوب لواء في أوروبا، وكان يضم عناصر موزعين على دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي ( ناتو )، وإن القرار لا يخص رومانيا وحدها، بل سيؤثر على بلغاريا وسلوفاكيا والمجر.

وأورد تقرير بلومبيرغ أن حلفاء واشنطن حثوا إدارة ترامب على تنسيق أي خطط لسحب الجنود الأميركيين المنتشرين في القارة لتجنب زعزعة استقرار دفاعات الناتو وتقويض القدرة على ردع العدوان الروسي في ظل غزو موسكو لأوكرانيا.

إعلان

وتشترك رومانيا العضوة في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بحدود برية بطول 650 كيلومترا مع أوكرانيا، وقد شهدت اختراق طائرات روسية مسيرة لمجالها الجوي أكثر من 20 مرة خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى زرع ألغام عائمة في البحر الأسود عبر طرق التجارة والطاقة الرئيسية.

وتفاقم هذه المعطيات المخاوف بشأن تداعيات تقليص الوجود الأميركي في المنطقة على الجناح الشرقي لحلف الناتو، في وقت تصعّد فيه روسيا حربها في أوكرانيا.

هل تنكمش الولايات المتحدة على نفسها؟

بعد عودته إلى السلطة في يناير/كانون الثاني الماضي أبلغت إدارة ترامب حلفاء واشنطن الأوروبيين بضرورة تحمّلهم مسؤولية أكبر عن أمنهم، مع تركيز الولايات المتحدة على حدودها وعلى منطقة المحيطين الهندي والهادي.

وحذر ترامب وفريقه أوروبا أكثر من مرة من أن الولايات المتحدة لن تستمر في تحمّل مسؤولية الدفاع عنها، مما أثار مخاوف من أنه قد يسعى إلى سحب عدد كبير من القوات الأميركية من القارة.

ونقل تقرير بلومبيرغ عن عدد من القادة والسياسيين الأوروبيين قلقهم إزاء التخفيض المحتمل، حيث يتوقع العديد من المسؤولين في المنطقة تراجع الوجود الأميركي في أوروبا بنحو 20 ألف جندي على الأقل مقارنة بما كان عليه الحال في عهد الرئيس السابق جو بايدن .

وصرح وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو لشبكة سكاي الإخبارية بأن عملية تحويل الولايات المتحدة تركيزها عن أوروبا قد بدأت منذ مدة، مضيفا أن "الولايات المتحدة قلقة بشأن المنافسة مع الصين، وعلى أوروبا ضمان دفاعها بنفسها".

وانتقد العديد من السياسيين والمحللين الأوروبيين قرار تقليص القوات الأميركية، معتبرين أنه يعطي إشارات خاطئة ومتناقضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين .

فبالإضافة إلى أن القرار يرسل إشارة باحتمال إنهاء الالتزام الأميركي بالدعم العسكري لأوروبا فهو ينم عن عدم جدية من ترامب في ما يعلنه من إجراءات للضغط على بوتين وجره نحو طاولة التفاوض لوقف الحرب في أوكرانيا.

لكن بيان الجيش الأميركي -وفق تقرير بلومبيرغ- أوضح أنه لا ينبغي اعتبار القرار "انسحابا من أوروبا أو إشارة إلى تراجع الالتزام تجاه الناتو أو تجاه بند الدفاع المشترك للحلف".

واعتبر البيان أن قرار التقليص "علامة إيجابية على زيادة القدرة والمسؤولية الأوروبية، ولن يؤثر على البيئة الأمنية في أوروبا".

وأكد الجيش الأميركي أن قرار السحب سيقتصر على عدد محدود من القوات الأميركية البالغ عددها نحو 85 ألف جندي متمركزين في أوروبا.

وعلى ما يبدو لم تقنع تبريرات الجيش الأميركي الكثيرين، فلم يقتصر انتقاد القرار على الساسة الأوروبيين، بل لاقى انتقادات واسعة في الداخل الأميركي ومن قادة حزب ترامب نفسه.

وقد أصدر رئيسا لجنتي القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ الجمهوريان السيناتور روجر ويكر من ولاية مسيسيبي والنائب مايك روجرز من ولاية ألاباما بيانا مشتركا ينتقد القرار.

وقال المشرعان "إن سحب القوات الأميركية من الجناح الشرقي لحلف الناتو قبل الآوان وبعد أسابيع فقط من انتهاك طائرات روسية مسيرة المجال الجوي الروماني يقوض الردع ويهدد بإفساح المجال للمزيد من العدوان الروسي".

إعلان

كما طالب المسؤولان بضمانات بأن الولايات المتحدة ستحتفظ بلواءين في بولندا، و"ستحافظ على وجود دوري مستمر في بولندا ودول البلطيق ورومانيا".

ودعَوَا البنتاغون إلى توضيح كيفية اعتزام الولايات المتحدة التخفيف من آثار الانسحاب، وما إذا كان المسؤولون قد نسقوا القرار مع الحلفاء.

مصدر الصورة الفرقة 101 المحمولة جوا التابعة للجيش الأميركي ولواء القتال الثاني التابع لها في قاعدة ميخائيل كوغالنيشينو الجوية برومانيا عام 2022 (الفرنسية)

على أوروبا تقليص "أمركة الناتو"

وفي هذا السياق، نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مقالا مشتركا لـ3 باحثين سياسيين أوروبيين هم رافائيل لوس وليوني هابيدانك وكاترين ويستغارد تحت عنوان "كيف نحقق حلف شمال أطلسي بقيادة أوروبية؟".

ويعتبر المقال -الذي نُشر الخميس الماضي- أن التراجع التدريجي لأميركا عن الأمن الأوروبي في ظل إدارة ترامب الحالية يتطلب إعادة تشكيل مركز ثقل حلف شمال الأطلسي، فمن أجل الحفاظ على مصداقية الحلف ووحدته لا يحتاج الأوروبيون فقط إلى زيادة الإنفاق، بل يحتاجون أيضا إلى تولي القيادة.

ويوضح المقال أن القادة الأوروبيين سارعوا منذ وصول ترامب إلى السلطة إلى عقد العديد من القمم واحدة تلو الأخرى، وربما أدركوا أن ما سيتخذونه من قرارات من هنا وحتى عام 2029 (الذكرى الـ80 لتأسيس حلف الناتو) قد يحدد ما إذا كان الحلف سيتجاوز ثلاثينيات القرن الـ21 بسلام أم لا.

واعتبر الباحثون الأوروبيون أن موقف إدارة ترامب بشأن أوكرانيا لا يزال متذبذبا، وقد اتخذ منعطفا جديدا بعد المكالمة الهاتفية الأخيرة بين ترامب وبوتين.

ويؤكد البدء في عملية سحب القوات الأميركية من أوروبا أن ترامب ماض -وبثبات ملحوظ- في تخفيف عبء قيادة الولايات المتحدة لحلف الناتو.

ورأى الباحثون أن إضاعة الأوروبيين للسنوات الأربع المقبلة على أمل أن يتلاشى انعطاف أميركا عن أوروبا من خلال تغيير قد تحدثه الانتخابات الأميركية في 2028، أو على أمل أن تتراجع روسيا عن مخططاتها للقارة وتتخلى عن رغبتها في إعادة رسم الحدود بالقوة سيدمر الأمن الجماعي لأوروبا بالكامل تقريبا.

فأجهزة الاستخبارات الأوروبية تحذر من أنه بحلول عام 2029 قد تكون روسيا في وضع يسمح لها بشن هجوم مسلح آخر على أوروبا، فهي تكثف بالفعل حملتها في المنطقة الرمادية.

ويعتبر المقال أنه يجب على الأوروبيين استغلال السنوات الأربع المقبلة لجعل حلف الناتو -بهياكله وقواته- أوروبيا في معظمه، فالأوروبيون لا يستطيعون بعد الآن الاستمرار في الاعتماد في دفاعهم على أميركا.

ويرى الباحثون أنه للقيام بذلك يتعين على الأوروبيين معالجة النقص المستمر في الأفراد والقوة النارية والقدرات العسكرية والتمكينية.

وفي هذا الصدد، طرح المقال فكرة إعادة تطبيق التجنيد الإلزامي، كما طرح ضرورة إعداد انتقال تدريجي لسلطة القيادة في حلف الناتو من الجنرالات والضباط الأميركيين إلى الأوروبيين في المقرات العسكرية الرئيسية.

وحسب المقال، فإن الضباط الأميركيين يتولون حاليا 4 مكونات رئيسية في حلف الناتو، بما في ذلك القيادة العليا لحلف الناتو في أوروبا، وقيادات المكونات الجوية والبرية لحلف الناتو، بالإضافة إلى قيادة القوات المشتركة المتحالفة في نابولي.

وهكذا، يرى الباحثون أنه من الضروري العمل خلال السنوات الأربع المقبلة على إضفاء طابع أوروبي على هيكل قيادة حلف الناتو، وتعيين ضباط أوروبيين لقيادة القيادات الجوية والبرية والبحرية لحلف الناتو تمهيدا للقيادة العليا، على أن يكون الضباط الأميركيون نوابا لهم لضمان استمرار التكامل.

وخلص المقال إلى أنه بدلا من الاستمرار في حالة الشك والارتباك والاضطراب داخل الحلف ينبغي العمل على تقوية تماسك حلف الناتو تحت قيادة أوروبية مع حضور أميركي أقل، ليكون الحلف قادرا ومستعدا للتصدي لأي حرب يشنها الكرملين على أوروبا.

مصدر الصورة الضباط الأميركيون يتولون حاليا 4 مكونات رئيسية في حلف الناتو (الأناضول)

مرحلة مفصلية في حرب أوكرانيا

ويأتي القرار الأميركي بسحب بعض القوات الأميركية من شرق أوروبا في وقت تدخل فيه حرب أوكرانيا مرحلة مفصلية، حيث يشهد شرق البلاد معارك كسر عظم بين القوات الروسية والأوكرانية ستكون نتائجها -حسب المراقبين- محددة لشكل الحل المستقبلي للأزمة.

إعلان

وفي هذا الصدد، تشكل مدينة بوكروفسك تحديا للطرفين، فهي بالنسبة للأوكرانيين رمز للمقاومة وآخر المعاقل الدفاعية في شرق البلاد، كما تعني السيطرة عليها بالنسبة لروسيا أن الطريق إلى وسط أوكرانيا وغربها بات مفتوحا، وأن إقليم دونيتسك -الذي يصر الكرملين على الحصول عليه في أي تسوية مستقبلية- بات روسيا بحكم الأمر الواقع.

وبعبارة أخرى، فإن المراقبين يعتبرون أن السيطرة الروسية على المدينة ستجعل روسيا تفاوض تقريبا من موقع المنتصر، وستصبح أوكرانيا في موقع المنهزم إلى حد كبير.

وحسب مقال لصحيفة نيوزويك بعنوان "معركة بوكروفسك.. ما يعنيه استيلاء روسيا على مدينة رئيسية للحرب؟" فقد صعّدت القوات الروسية هجومها على مدينة بوكروفسك شرق أوكرانيا، وتمكنت من التسلل إلى داخلها، وأصبحت المدينة تشهد حرب شوارع بين الطرفين.

وحسب إحاطة للجيش الأوكراني خلال الأسبوع الماضي، فقد تمكن نحو 200 جندي روسي من دخول المدينة، ويجري العمل على منع القوات الروسية من التمركز في المناطق الحضرية.

ولاحقا، اعترف الجيش الأوكراني أن الوضع "صعب" في بوكروفسك، حيث تكثف روسيا جهودها الهجومية بعدد من الجنود يفوق ما تستطيع أوكرانيا نشره في المدينة ومحيطها.

وصرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للصحفيين بأن عدد الجنود الروس يفوق عدد القوات الأوكرانية بنسبة 80 إلى 1 في بوكروفسك، مؤكدا أن "اهتماما خاصا منصب على بوكروفسك"، حيث وضعت روسيا "قوتها الضاربة الرئيسية".

بدورها، ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن فاليري غيراسيموف -وهو أعلى جنرال في روسيا- أبلغ الرئيس بوتين أن موسكو حاصرت نحو 5500 جندي أوكراني في بوكروفسك.

وأوردت وكالة أنباء تاس الروسية أن الرئيس بوتين أعلن استعداده للسماح لوسائل الإعلام الغربية بدخول المناطق التي تم فيها حصار القوات الأوكرانية.

ونقلت الوكالة عن المحلل العسكري والسياسي الروسي ألكسندر ميخائيلوف أن بوتين يعطي فرصة أخيرة لإنقاذ الجنود الأوكرانيين المحاصرين، وعلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي اتخاذ قراره بأسرع وقت.

أهمية بوكروفسك

لُقبت بوكروفسك بالمدينة "الحصينة"، فقد ظلت القاعدة الرئيسية للخطوط الدفاعية الأوكرانية في الشرق، وبدأت روسيا محاولاتها للسيطرة عليها منذ صيف عام 2024.

وحسب تقرير "نيوزويك"، فقد اتبعت القوات الروسية في الفترة الأخيرة خطة جديدة للسيطرة على المدينة من خلال تطويقها وقطع وصول القوات الأوكرانية إليها بدلا من محاولة اقتحامها مباشرة.

وحسب "نيوزويك"، فإن سيطرة روسيا على مدينة بوكروفسك ستمكنها من شن عمليات باتجاه غرب البلاد بسهولة أكبر، كما سيشكل سقوط المدينة ضربة موجعة للمعنويات الأوكرانية.

ونقلت "نيوزويك" عن مدونين عسكريين أوكرانيين أن معركة بوكروفسك في "مرحلتها الحاسمة" و"النهائية".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا