في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في تطور سياسي لافت، دعا زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، في رسالة نُشرت، الثلاثاء، الأطراف المشاركة في عملية السلام في تركيا إلى بذل جهود حقيقية لضمان نجاحها، مؤكداً ضرورة دمج القضية الكردية بجميع أبعادها في الإطار القانوني للدولة التركية والانخراط في عملية انتقال راسخة.
تزامن نشر الرسالة مع دعوة أطلقها زعيم حزب الحركة القومية دولت باهجلي، حليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإطلاق سراح الزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش، ما أثار تساؤلات واسعة حول دلالات هذا التوقيت والرسائل السياسية التي يحملها.
الرسالة تؤذن بمرحلة جديدة
الكاتب والباحث السياسي الكردي شيرزاد اليزيدي، وخلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، اعتبر أن الرسالة الأخيرة لعبد الله أوجلان تعبّر عن وصول عملية السلام إلى "مرحلة جديدة"، خاصة بعد أشهر من الخطوات المتتابعة من الجانب الكردي، سواء من أوجلان نفسه أو من حزب العمال الكردستاني.
وأشار اليزيدي إلى أن مضمون الرسالة واضح، فهي بمثابة انتقال من مرحلة بناء الثقة إلى مرحلة التأسيس الفعلي للعملية السياسية، مضيفاً أن "الكرة الآن في الملعب التركي"، لأن الرسالة ليست موجهة إلى الشعب الكردي فقط، بل إلى "تركيا بكل شعوبها"، وبالدرجة الأولى إلى الحكومة والدولة التركيتين، إذ إن "عملية السلام بقدر ما تحقق مصالح الأكراد، فإنها أيضاً تصب في مصلحة الأتراك لبناء دولة ديمقراطية تعددية يتعايش ويتشارك فيها الجميع".
وأكد أن أهمية الرسالة تنبع من إشارة أوجلان الصريحة إلى ضرورة "التأسيس لعملية انتقال سياسي وقانوني"، وإدراج القضية الكردية في مكانها "الطبيعي والصحيح" داخل المنظومة الدستورية التركية، من منطلق أن الحل لا يمكن أن يكون جزئياً أو مؤقتاً، بل يجب أن يكون شاملاً يطال الأبعاد الحقوقية والقانونية والسياسية والدستورية كافة.
من بناء الثقة إلى الإصلاح الدستوري
وأوضح اليزيدي أن المرحلة الأولى من عملية السلام ركزت على بناء الثقة وإنهاء مناخات الحرب والعنف بين الطرفين، لكن الرسالة الجديدة تشير بوضوح إلى ضرورة "ولوج العملية بشكل دستوري وقانوني"، عبر البدء بإصلاحات عميقة تكرس مبدأ المواطنة والمساواة وتضمن للأكراد حقوقهم ضمن الدولة التركية.
وقال إن "هذه الرسالة تعني أن الوقت قد حان لوضع النقاط على الحروف، فالمرحلة المقبلة لا يجب أن تقتصر على النوايا السياسية، بل ينبغي أن تتجسد في خطوات دستورية واضحة"، مشدداً على أن نجاح المسار مرهون بمدى جدية الحكومة التركية في ترجمة هذه الدعوة إلى إجراءات عملية.
تبدل في الخطاب التركي
واعتبر الباحث أن الموقف الذي أعلنه زعيم حزب الحركة القومية يمثل تطوراً إيجابياً مهماً، خاصة وأنه يُعرف تاريخياً بتشدده وعدائه للقضية الكردية، وقال: "حين يتحدث باهجلي اليوم بهذا النفس الجديد، فهذا تطور يستحق الترحيب والبناء عليه، لأن دعوته لإطلاق سراح صلاح الدين دميرطاش تمثل بادرة حسن نية قد تمهد لإطلاق سراح عبد الله أوجلان نفسه، وهو أمر لا يمكن تجاوزه إذا كانت أنقرة جادة في عملية السلام".
وأضاف أن استمرار احتجاز أوجلان في ظل الحديث عن استئناف المفاوضات "يتناقض مع مبدأ التبادل السياسي"، مشيراً إلى أن إطلاق سراحه سيكون تتويجاً طبيعياً لأي اتفاق نهائي شامل، لأن "السلام لا يمكن أن يتم بينما يبقى أحد رموزه التاريخيين خلف القضبان".
السلام مصلحة تركية أولاً
وشدد اليزيدي على أن عملية السلام ليست مطلباً كردياً فقط، بل هي مصلحة تركية في المقام الأول، موضحاً أن "تركيا دولة إقليمية مهمة ذات وزن ونفوذ، لكنها لن تستطيع الحفاظ على استقرارها ونموها ما لم تعالج قضيتها الداخلية مع الأكراد بشكل جذري".
وأشار إلى أن استمرار أنقرة في "هستيريا الفوبيا من الأكراد"، سواء داخل حدودها أو في دول الجوار، سيجعلها تدور في دوامة الأزمات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والتحولات العميقة التي تشهدها المنطقة.
رمزية إحراق السلاح
وفي حديثه عن خطوة حزب العمال الكردستاني بإحراق السلاح، أوضح اليزيدي أن هذه الخطوة تحمل "رمزية بالغة الدلالة"، إذ إنها أقوى من مجرد تسليم السلاح، لأنها تعني "رفض ثقافة العنف بشكل نهائي"، والتأكيد على أن السلاح لم يُستخدم حباً بالقتال أو الدم، بل دفاعاً عن الوجود في مواجهة القمع والحرمان من الحقوق.
وأضاف أن "الجانب الكردي طرح منذ عام 1993 فكرة الحل الديمقراطي ضمن حدود تركيا، وتخلى عن مطلب الدولة الكردية المستقلة"، مشيراً إلى أن هذا الموقف لم يتغير، وأن الأكراد في تركيا وسوريا والعراق وإيران لا يطالبون بالانفصال، بل بحقوق المواطنة والاعتراف بهويتهم التاريخية والقومية.
وختم اليزيدي حديثه بالتأكيد على أن "عملية السلام إذا مضت قدماً ستخدم المنطقة بأسرها، وستنعكس إيجاباً على الأمن الإقليمي، وستعزز فرص الاستقرار بين شعوب المنطقة".
المصدر:
سكاي نيوز