في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
سمنغان – تغطي أكوام الركام منازل وأحياء كاملة، في وقت تعالت أصوات الأطفال والنساء من تحت الخيام الصغيرة استغاثة بطلب الماء والطعام، في حين تواصل فرق الإنقاذ جهودها بشق الأنفس للوصول إلى المنكوبين وسط طرق مدمرة وانزلاقات أرضية تعيق حركتها.
وكان زلزال قوي بلغت قوته 6.3 درجات، قد ضرب فجر الأحد شمال أفغانستان ، حدد مركزه في ولايتي سمنغان وبلخ والمناطق المجاورة، وأسفر عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، وشُردت آلاف الأسر في قرى جبلية نائية تعاني من برد قارس هذه الأيام.
وتسلط هذه الكارثة الضوء من جديد على هشاشة البنية التحتية في شمال أفغانستان، وضعف قدرات السلطات على مواجهة الكوارث، في بلد يتعرض بشكل متكرر لزلازل مدمرة، أبرزها زلزال هرات عام 2023 الذي أودى بحياة أكثر من 1480 شخصا، وزلزال كونر في سبتمبر/أيلول 2025 الذي خلف أكثر من 1400 قتيل وآلاف المصابين.
وتؤكد الزلازل المتكررة أن السكان يواجهون مأساة مستمرة مع كل هزة أرضية، مع محدودية الدعم المحلي والدولي، ونقص المعدات الأساسية، ما يجعل كل كارثة اختبارا جديدا لقدرة الحكومة على إدارة الأزمات الإنسانية.
وأفادت الإدارة الوطنية لمواجهة الكوارث الطبيعية، أن حصيلة ضحايا الزلزال الذي ضرب شمال أفغانستان ارتفعت إلى 21 قتيلا، و25 مصابا حالاتهم حرجة، إضافة إلى 792 جريحا إصاباتهم طفيفة، كما أوضحت أن الزلزال تسبب في تدمير 170 منزلا تدميرا كاملا و342 منزلا جزئيا، مشيرة إلى أن الأضرار شملت ولايات سمنغان وبلخ وسربل وکندز وجوزجان.
وقال حافظ محمد يوسف حماد، المتحدث باسم الهيئة الوطنية للاستعداد لمواجهة الكوارث -للجزيرة نت- إن السلطات قدمت مساعدات نقدية بقيمة 20 ألف أفغاني (300 دولار)، لكل أسرة فقدت أحد أفرادها و10 آلاف أفغاني لكل جريح في ولايتي سمنغان وبلخ، ضمن جهودها لدعم المتضررين في الساعات الأولى بعد الكارثة.
وعلى أطراف مديرية طاشقرغان، لا تزال أكوام الركام تحجب معالم القرى التي سويت بالأرض، ويقول الحاج عبد الغفور (65 عاما) "فقدت ابني وحفيدتي، لم نسمع سوى هدير الأرض وهي تهتز، ولم نتمكن من إنقاذ أحد، ليضيف في حديثه للجزيرة نت، "كل شيء ضاع في ثوان، وحتى الملابس والفرش أصبحنا بلا شيء".
وفي مديرية خُلم المجاورة، تحكي أمينة عزيزي، أم لخمسة أطفال، "لم يتبق لنا سوى خيمة صغيرة، وأطفالي لا يملكون سوى ملابسهم الممزقة، ولا يوجد ماء نظيف، والطعام يكاد ينفد، والبرد يقتلنا كل يوم.
وتقول في حديثها للجزيرة نت، "نحن بحاجة إلى كل شيء، من مأوى إلى دواء وأمل"، في حين يؤكد محمد أشرف، شاب متطوع في مديرية خُلم "نحاول إنقاذ من بقي تحت الركام، لكن الطرق متكسرة والوقت يمر سريعا"، ويضيف في حديثه للجزيرة نت، "الأطفال يبكون طوال الليل، والكبار في حالة صدمة، وكل ساعة تمر تزيد معاناة الناس، ونحن نفعل ما نستطيع بقدرات بسيطة".
وقال شرافت زمان، المتحدث باسم وزارة الصحة العامة الأفغانية "الوزارة أرسلت فرقا طبية متنقلة إلى المناطق المتضررة، ونُقل عشرات المصابين إلى مستشفيات مزار الشريف و كابل "، ليضيف مستدركا، في حديثه للجزيرة نت، أن الكوادر الطبية تعمل بإمكانات محدودة نتيجة نقص الأدوية والمستلزمات.
وقال محمد آصف روحاني، مسؤول فرق الإنقاذ في الهلال الأحمر الأفغاني بولاية سمنغان "الزلزال خلّف خسائر بشرية كبيرة وأضرارا واسعة في المنازل الطينية والمنشآت العامة".
وأضاف -للجزيرة نت- أن فرق الهلال الأحمر باشرت عمليات الإنقاذ فور وقوع الهزة بالتعاون مع وزارة الصحة، حيث نقلت عشرات الجرحى إلى المستشفيات المحلية، ووزعت خياما ومواد غذائية ومياه شرب على الأسر التي فقدت منازلها، لكن الإمكانيات المتاحة محدودة جدا مقارنة بحجم الكارثة، داعيا المنظمات الدولية إلى تقديم دعم عاجل لمساعدة المتضررين في القرى الجبلية النائية.
وأكد حاجي عطا الله زيد، المتحدث باسم حاكم ولاية بلخ، أن السلطات المحلية أنشأت لجنة طوارئ لتقييم الأضرار وتقديم المساعدات الأولية، مضيفا في حديثه للجزيرة نت، أن عمليات البحث والإنقاذ مستمرة رغم صعوبة الوصول إلى بعض القرى الجبلية بسبب الانزلاقات الأرضية.
وفي مستشفى أيبك المركزي في ولاية سمنغان، قالت إدارة المستشفى للجزيرة نت إنهم استقبلوا، حتى الآن، أكثر من 200 مصاب، أغلبهم من النساء والأطفال، وأن "الطواقم الطبية تعمل على مدار الساعة وسط ضغط شديد ونقص في الأدوية".
وسارعت بعض الدول إلى إرسال مساعدات عاجلة، إذ أعلنت وزارة الخارجية الهندية تقديم 21 طنا من المواد الإغاثية تضمنت خياما وبطانيات ومستلزمات طبية وغذائية لمساعدة الأسر التي فقدت منازلها في ولايتي بلخ وسمنغان.
وأكد وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار أن بلاده "تتابع باهتمام أوضاع المتضررين وتعمل على ضمان وصول الدعم إلى المستحقين في أسرع وقت"، مشيرا إلى أن دفعات جديدة من الإمدادات الطبية ستصل قريبا.
وأعربت ستيفاني لوس، رئيسة برنامج الإسكان البشري للأمم المتحدة في أفغانستان عن قلقها البالغ إزاء الزلزال الأخير، مؤكدة في حديثها للجزيرة نت أن المتضررين بحاجة ماسة إلى مأوى عاجل، بعد تدمير منازلهم مع اقتراب فصل الشتاء، مطالبة بضرورة تدريب السكان على استخدام المواد المحلية بشكل أفضل في البناء وضمان عدم عيشهم في ظروف غير مناسبة أو مناطق عالية الخطورة.
ورغم سرعة التحرك المحلي والدولي، إلا أن آلية التوزيع تواجه تحديات لوجيستية كبيرة، ويشير المحلل الاقتصادي آصف ستانكزي إلى أن "توزيع المساعدات النقدية والغذائية والخيام على القرى الجبلية النائية يتطلب تنسيقا دقيقا مع السلطات المحلية والمنظمات الدولية، وإلا فإن بعض الأسر الأكثر هشاشة قد لا تصلها المساعدات في الوقت المناسب".
ويضيف في حديثه للجزيرة نت، أن الفرصة تكمن في استغلال التكنولوجيا والخرائط الرقمية لتحديد القرى الأكثر تضررا، ما يضمن وصول الدعم بسرعة أكبر ويقلل من ازدواجية الجهود، مؤكدا أن هذه التجربة يمكن أن تصبح نموذجا لإدارة الكوارث الطبيعية مستقبلا.
عاجل | مراسل الجزيرة عن مسؤولين أفغان: مقتل 270 شخصا على الأقل في زلزال بقوة 6 درجات ضرب شرقي أفغانستان
— الجزيرة مباشر الآن (@ajmurgent) September 1, 2025
وتزامن وقوع الزلزال مع انقطاع التيار الكهربائي المستورد من أوزبكستان و طاجيكستان ، ما فاقم معاناة السكان في المناطق الجبلية الباردة -حسب إعلان لشركة الكهرباء الحكومية- وأوضحت الشركة لاحقا أن التيار أُعيد إلى عدد من المناطق، في وقت تواصل فرق الطوارئ جهودها لإصلاح الشبكة بالكامل.
وتقع أفغانستان على ملتقى الصفائح التكتونية الآسيوية والهندية، ما يجعلها من أكثر مناطق العالم عرضة للنشاط الزلزالي، إذ تشهد سنويا هزات قوية ومدمرة، وتؤكد هذه الكوارث المتكررة مدى تعرض البلاد المستمر للمخاطر الطبيعية، وتكشف هشاشة بنيتها التحتية وضعف قدرات السلطات في مواجهة الأزمات، وسط نقص التمويل واستمرار العقوبات الدولية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة