واشنطن – في وقت يبدو أنه استجابة لمناشدة مجموعة من القادة المسيحيين الإنجيليين الأميركيين، حذّر الرئيس دونالد ترامب حكومة نيجيريا من استمرار ما سمّاه "السماح بقتل المسيحيين في البلاد"، مؤكدا أن بلاده ستوقف فورا جميع المساعدات والأنشطة الإغاثية ل أبوجا إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
ورغم نفي الحكومة النيجيرية من جانبها مرارا وتكرارا هذه الاتهامات، قال ترامب في منشوره على منصة "تروث سوشيال" إن بلاده قد تتخذ إجراءات عسكرية ضد "الإرهابيين الإسلاميين" المسؤولين عن تلك الاعتداءات. وأضاف أنه طلب من وزارة الحرب الأميركية الاستعداد لمواجهة محتملة.
قبل شهرين، ناشدت مجموعة من الأساقفة الإنجيليين الرئيس ترامب بالعمل لوقف ما اعتبروه "اضطهادا فظيعا" للمسيحيين في نيجيريا، نتج عنه مقتل أكثر من 7 آلاف شخص في الأشهر السبعة الأولى فقط من هذا العام، طبقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك بوست".
وتدّعي الجماعات الإنجيلية الأميركية، أنه ومنذ عام 2009، وقع 18 ألف هجوم على كنائس نيجيريا، وقُتل أكثر من 50 ألف مسيحي، ودفع ما يقرب من 5 ملايين للنزوح من أراضيهم.
وفي الوقت الذي تبنّى فيه ترامب مبدأ "عدم التدخل" في الشؤون الداخلية والعمل كشرطة دولية، يرى بعض أنصار الرئيس ترامب أنه يمكن له "على الأقل إدانة هذه الفظائع المستمرة".
وفي حديث للجزيرة نت، استغرب ديفيد شين، السفير الأميركي السابق في إثيوبيا وبوركينا فاسو، ونائب رئيس البعثة السابقة في السفارة الأميركية بالسودان، والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، من تصريحات ترامب.
وقال شين "ليس لدي أي فكرة من أين يأتي ترامب بهذه الأفكار، ومَن يقترحها عليه. لا أستطيع أن أتخيل أن المسؤولين الجادين في واشنطن سيوافقون على مهاجمة نيجيريا على أساس الوضع القائم هناك على الأرض اليوم".
وعلى النقيض، يرى كاميرون هدسون، خبير الشؤون الأفريقية في "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" (CSIS) والمسؤول السابق في إدارة الرئيس باراك أوباما، أن "تعليقات ترامب عن نيجيريا مدفوعة بقاعدة " ماغا " "MAGA اليمينية، وترتبط بتلبية مطالب دائرته الانتخابية المحلية أكثر من أيّ رغبة جديدة في مكافحة الإرهاب".
#عاجل | وزير الحرب الأمريكي:
– إما أن تحمي نيجيريا المسيحيين أو سنقضي على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون الفظائع
– يجب أن يتوقف قتل المسيحيين الأبرياء في نيجيريا وفي أي مكان فورا pic.twitter.com/2QCkp9DLZw— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 1, 2025
حصد ترامب في الدورات الانتخابية الثلاث، التي خاضها أغلبية كبيرة من أصوات الناخبين الإنجيليين الأميركيين الذين وجدوا في سياساته المتشددة تجاه الإجهاض والهويات الجنسية والهجرة ما ينسجم مع مواقفهم المحافظة.
وقد برّر العديد من قادة الإنجيليين دعمهم له بالإشارة إلى جذوره البروتستانتية، معتبرين أن انتماءه لهذا الإرث الديني يشكل عاملا إضافيا لتأييدهم.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن التيارات الإنجيلية المحافظة عزّزت نفوذها في البيت الأبيض خلال ولايته الأولى والثانية؛ حيث كان بعض ممثليها يعقدون جلسات دورية لأداء الصلاة المسيحية مع الرئيس داخل أروقة البيت الأبيض.
ومن التيارات الصاعدة وسط الكنائس الإنجيلية الأميركية تتمتع الكنائس النيجيرية بنفوذ كبير في الحركة الأنجليكانية الأميركية المحافظة، ومن أهمها الكنيسة الأنجليكانية في أميركا الشمالية (ACNA)، وبعثة كنيسة نيجيريا في أميركا الشمالية (CONNAM). وينبع هذا التأثير من حجمها الكبير عدديا، وقربها من كنائس الأميركيين الأفارقة السود.
ويبلغ عدد سكان نيجيريا نحو 237 مليون نسمة، مقسّمين تقريبا بين المسلمين والمسيحيين. وتُعد الجالية النيجيرية في الولايات المتحدة أكبر جالية أفريقية، وأغلبها مسيحيون، ويقدّر عددهم ما يقارب من نصف مليون شخص.
وتعد الكنيسة النيجيرية قائدة كنائس الجنوب العالمي عدديا، ويمنحها ذلك نفوذا كبيرا داخل الحركة الأنجليكانية العالمية. ولطالما كان الأساقفة النيجيريون من أشد المنتقدين للاتجاهات الليبرالية في الكنائس الأوروبية، وهو ما منحهم صوتا قويا يصدّق على موقف نظرائهم الأميركيين الإنجيليين.
خلال فترة حكمه الأولى، واعتمادا على قانون الحريات الدينية الدولية، صنّف ترامب نيجيريا دولةً تشارك في "انتهاكات خطرة خاصة الحرية الدينية"، وهو ما أدرجها في قائمة الدول التي "تثير قلقا خاصا". وهذا هو التصنيف الذي تستخدمه وزارة الخارجية الأميركية وينص على فرض عقوبات على الدول "المتورطة في انتهاكات جسيمة للحرية الدينية".
لكن في عام 2021، عكست وزارة الخارجية في عهد الرئيس السابق جو بايدن هذا التصنيف، واعتبرت أن العنف لا يخص الاضطهاد الديني، ولكن بتأثير تغيّر المناخ .
ومع انتشار مزاعم وقوع مجازر ضد مسيحيي نيجيريا في الأسابيع والأشهر الأخيرة في بعض الأوساط اليمينية الأميركية، قالت جماعات تراقب العنف، إنه لا يوجد دليل يشير إلى أن المسيحيين يُقتَلون أكثر من المسلمين في نيجيريا التي تنقسم بالتساوي تقريبا بين أتباع الديانتين.
وكانت جماعة " بوكو حرام " قد اختطفت 276 تلميذة من بلدة تشيبوك بولاية بورنو شمالي نيجيريا في عام 2014، أغلبهن مسيحيات، و اشترطت مقابل الإفراج عنهن، إطلاق سراح سجناء الجماعة المعتقلين.
وتهدف "بوكو حرام" أساسا إلى إنشاء دولة جديدة بنظام إسلامي، وتحاول الحركة تعزيز سيطرتها بالقوة في الشمال ذي الأغلبية المسلمة.
وقدّمت الولايات المتحدة تدريبات عسكرية، وباعت للحكومة النيجيرية أنظمة أسلحة متقدمة في السنوات الأخيرة لتحسين قدراتها في القتال ضد بوكو حرام. كما قدّمت نحو 550 مليون دولار مساعدات خارجية لنيجيريا، هذا العام، مقارنة بنحو 880 مليون دولار في العام السابق وفقا لبيانات الحكومة الأميركية.
وفي العام الماضي، انسحب نحو 1000 جندي أميركي من النيجر المجاورة، وأنهى ذلك شراكة استمرت قرابة عقد من الزمن كانت حجر الزاوية في عمليات "مكافحة الإرهاب" الأميركية في المنطقة.
تهديد #ترامب دولة #نيجيريا 🇳🇬 بالتدخل العسكري و توجيه إتهامات للسلطات هناك بأنها مشاركة في ما يصفه ب "مذبحة المسيحيين" لا يجب حصر أهدافها الخفية فقط على أن #أمريكا 🇺🇲 تطمع في نفط و غاز أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان ، بل كذلك بعوامل جيوستراتيجية و إعادة التموضع !! pic.twitter.com/1KdNKj3IO6
— قناة المعرفة — Military Dz (@MilitaryDz) November 2, 2025
عقب اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك قبل أسابيع، كثّف الرئيس ترامب محاولاته ليتحول من كونه مجرد زعيم سياسي جمهوري شعبوي إلى كونه زعيم تيار مسيحي يميني عالمي يتخطى معها حدود الدولة الأميركية.
وفي أول خطاب له، في فترة حكمه الثانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تبوّأ الرئيس ترامب، بصورة رمزية غير رسمية، زعامة اليمين المسيحي الغربي بخطاب ركّز فيه على ما اعتبره "مظالم" تتعرض لها المسيحية في العالم، ووبخ الأمم المتحدة "عن فشلها في لعب دور في حماية حرية العقيدة"، خاصة المسيحية في العالم.
ودعا ترامب قادة العالم للعمل على "حماية المسيحية"، وأضاف "دعونا نحمي الحرية الدينية، أكثر الأديان اضطهادا على هذا الكوكب اليوم.. إنها تسمى المسيحية".
كما قام ترامب بحملة انتخابية للرئاسة العام الماضي بناء على وعد بمكافحة ما وصفه بـ"التحيز ضد المسيحية"، وأنشأ هذا العام لجنة لهذا الغرض، وأصدر أوامر تنفيذية تهدف إلى حماية الحرية الدينية.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الخبير هادسون، إنه لا يستبعد أن يشن البيت الأبيض ضربات أميركية محدودة لإثبات وجهة نظره وجديته، أو لمغازلة الجمهور المحلي، "لكن لا يمكنني أن أرى إدارة ترامب تتبع إستراتيجية فعلية طويلة الأجل لإضعاف حركة بوكو حرام بأي طريقة ذات مغزى. كل ما يثار في هذا الشأن للاستعراض".
المصدر:
الجزيرة