آخر الأخبار

بين موسكو وبكين وبوكو حرام.. أفريقيا تعود إلى خريطة ترامب

شارك
عناصر من بوكو حرام (أرشيفية)

تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتدخل العسكري في نيجيريا "لحماية المسيحيين" أعاد إلى الواجهة سؤالاً إقليمياً واستراتيجياً بسيطاً ومزعجاً في آن: هل تعني لغة القوة الأميركية عودة فعلية لواشنطن إلى ساحات مكافحة الإرهاب في غرب ووسط أفريقيا، أم أنها مناورة سياسية داخلية تستغل أزمة إنسانية معقدة؟

الجواب لا يقلّ تعقيداً عن سبب المشكلة نفسها، فالساحة الأفريقية اليوم تختلف عن تلك التي عرفتها واشنطن في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، من حيث الفراغات الأمنية وتنّوع الفاعلين من جماعات جهادية إلى مرتزقة روس، وتحفُّظٌ متزايد لدى الدول المضيفة على وجود قوات أجنبية دائمة.

أزمة نيجيريا.. إرهاب ضد الجميع

تشهد نيجيريا صراعاً معقداً بين الإرهاب والانقسام الاجتماعي. ويبلغ عدد سكانها نحو 220 مليون نسمة، منقسمين تقريباً بين المسلمين والمسيحيين.

ويقول خبراء إن موجة العنف التي تقودها جماعات مثل بوكو حرام وتنظيم "داعش – ولاية غرب أفريقيا" لا تميز بين الضحايا على أساس ديني، بل تستهدف المدنيين من الطرفين. فبعض الهجمات ذات دوافع دينية، وأخرى ناجمة عن صراعات المزارعين والرعاة وشح الموارد والنزاعات القبلية والعرقية.

ووفق صحيفة وول ستريت جورنال، قدّرت تقارير أن بوكو حرام والجماعات المتحالفة معها مسؤولة عن مقتل نحو 43 ألف مسيحي بين عامي 2009 و2021، وتدمير آلاف الكنائس، لكن الصحيفة لفتت إلى أن العنف أوسع من مجرد استهدافٍ طائفي، إذ يمتد إلى مناطق ذات أغلبية مسلمة أيضاً.

في الوقت ذاته، أُدرجت نيجيريا عام 2020 على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول ذات "الاهتمام الخاص" بسبب "انتهاكات الحرية الدينية"، قبل أن تُرفع عنها عام 2023 — في خطوة رأى مراقبون أنها كانت "محاولة لتحسين العلاقات" قبيل زيارة وزير الخارجية الأميركي آنذاك أنتوني بلينكن.

ترامب يهدد بـ"التحرك الفوري"

في منشور على منصة تروث سوشال، كتب ترامب: "إذا واصلت الحكومة النيجيرية السماح بقتل المسيحيين، فإن الولايات المتحدة ستوقف فوراً جميع المساعدات، وقد نذهب إلى هناك بأسلحتنا مشتعلة، لنقضي تماماً على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع."

وأضاف أنه "وجّه وزارة الحرب لوضع خطة لهجوم محتمل، مؤكداً أن المسيحية “تواجه تهديداً وجودياً في نيجيريا”.

لكن المتحدث باسم الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو ردّ قائلاً إن “هذا التهديد العسكري يستند إلى تقارير مضللة”، واعتبر أن أسلوب ترامب “قائم على استخدام القوة لفرض الجلوس إلى طاولة حوار وبدء النقاش”.

بحسب نيويورك تايمز، يواجه تهديد ترامب بالعمل العسكري “عقبات كبيرة”، إذ انسحب نحو ألف جندي أميركي من النيجر العام الماضي، منهياً وجوداً استمر قرابة عقدٍ كان حجر الزاوية في عمليات مكافحة الإرهاب بالساحل.

اليوم، تبقى جيبوتي القاعدة الأميركية الدائمة الوحيدة في القارة، بينما تتسع مساحة المناورة أمام قوى منافسة كروسيا والصين.

رسالة انتخابية أم استراتيجية؟

يقول كاميرون هدسون، الزميل البارز في برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) ومدير الشؤون الأفريقية السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، في تصريحات لـ سكاي نيوز عربية: "من أجل حماية المسيحيين، سيكون على إدارة ترامب أن تواجه جماعة بوكو حرام بشكل جاد. لست متأكدًا من أن أيًا من أفراد إدارته يدرك تمامًا حجم الالتزام الذي يشيرون إليه عندما يتحدثون عن التحرك للدفاع عن المسيحيين في نيجيريا."

ويضيف هدسون: "أعتقد أنه يحاول أن يبدو قويًا أمام قاعدته من مؤيدي تيار ماغا، وهم في الغالب من المسيحيين الذين ظلوا يضغطون عليه للاعتراف بما يعتقدون أنه إبادة جماعية للمسيحيين في نيجيريا."

ويرى أن "هذا الأمر يتعلق بالسياسة الداخلية أكثر منه بالسياسة الخارجية".

أما بشأن احتمال إقامة موطئ قدم عسكري جديد في غرب أفريقيا، فيقول: "هذا لا يبدو جزءًا من النقاش الحالي المتعلق بنيجيريا، ولا يبدو أيضًا أنها إستراتيجية مدروسة بعناية."

ويحذر هدسون من محاولة واشنطن استغلال الفوضى الاستراتيجية الروسية: "في كل مرة يكون فيها خصمك يحفر حفرة لنفسه، لا تأخذ منه المجرفة.. فإذا كانت الولايات المتحدة سترتكب خطأً استراتيجيًا، فإن ذلك يفتح الباب أمام قوى أخرى للاستفادة من الموقف.”

القرار العسكري خطوة كبيرة

من جهته، يرى مايك ملروي، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق والضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في تصريحات لسكاي نيوز عربية، أن تهديد ترامب يجب أن يُقرأ بحذر.

يقول ملروي: "جماعة بوكو حرام وتنظيم داعش استهدفوا عمدًا المجتمعات المسيحية في نيجيريا، وينبغي على الولايات المتحدة أن تحمي الفئات السكانية الضعيفة من العنف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الأقليات العرقية أو الدينية."

لكنه يضيف محذراً: "قرار الانخراط عسكريًا يُعد خطوة كبيرة ومهمة... ومن خلال تصريحات الرئيس ترامب، ليس من الواضح ما إذا كان المقصود هو نشر قوات برية أم مجرد شن ضربات جوية، خاصة أن إرسال قوات برية سيُورط الولايات المتحدة في حرب خارجية جديدة — وهو أمر تعهد ترامب بعدم القيام به، وهو شيء يرغب خصومنا، بما في ذلك الصين وروسيا، في حدوثه."

نبرة جديدة

ترى الخبيرة الأميركية في الأمن والاستراتيجية إيرينا تسوكرمان في حديث لسكاي نيوز عربية أن تصريحات ترامب "تعكس تحولاً في النبرة"، وتضيف: تصريحات ترامب تُظهر تحولا في النبرة يجعل احتمال عودة الوجود الأجنبي لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا أكثر واقعية مما بدا عليه قبل بضعة أشهر فقط.”

وتوضح: "التحول الرئيسي لا يكمن فقط في التهديد بالتحرك، بل في تحديد الأدوات المحتملة، بما في ذلك استخدام القوة الجوية واحتمال نشر قوات برية. مثل هذا الخطاب ينقل النقاش من مستوى القلق النظري إلى مستوى الإمكانية العملياتية، ما يدفع حكومات المنطقة والمخططين الأميركيين إلى دراسة الخيارات العملية المحتملة."

لكنها تُحذّر من الخلط بين الخطاب والسياسة الفعلية: “الخطاب والسياسة ليسا شيئًا واحدًا؛ فعودة فعلية للولايات المتحدة ستتوقف على موافقة الدولة المضيفة، والإطار القانوني، وقواعد الاشتباك، وتصور سياسي مستدام للعمليات، خاصة أن نيجيريا دولة إقليمية كبرى تعتز بسيادتها... وبالتالي، من دون دعوة نيجيرية صريحة، فإن وجودًا عسكريًا أميركيًا كبيرًا يُعد أمرًا غير مرجح."

وترجح أن أي تدخل أميركي محتمل "سيأخذ في بدايته شكل ضربات من خارج الحدود أو دمج استخباراتي أو فرق استشارية صغيرة، لا انتشارًا بريًا واسعاً".

وتختم تسوكرمان بالقول: "تغير الجغرافيا الأمنية في غرب إفريقيا — من التمرد إلى القرصنة وقطع الطرق وصراع الرعاة والمزارعين — يفرض على أي عودة أجنبية أن تتكيف مع المشهد الجديد، عبر عمليات محدودة قائمة على المعلومات الاستخبارية وأنشطة للقوات الخاصة بالشراكة مع دول المنطقة، بدلاً من القواعد العسكرية الثقيلة."

عملياً، يبدو أن البيت الأبيض لا يمتلك حالياً خطة جاهزة للتدخل في نيجيريا، لكن تصريحات ترامب فتحت الباب أمام نقاش جديد داخل الأوساط الأمنية الأميركية حول مستقبل الانخراط في الساحل.

فالمشهد في المنطقة يتغير بسرعة: تراجع فرنسي بعد الانسحابات من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تصاعد نشاط روسيا عبر شركات أمنية، وصعود الجماعات الجهادية المحلية والإقليمية.

وبينما يصف دبلوماسي أميركي سابق الموقف بأنه "أزمة خطاب بلا إستراتيجية"، يرى آخرون أن "التلويح بالقوة في أفريقيا" قد يصبح أداة ضغط ضمن مفاوضات ترامب المقبلة مع الصين وروسيا أكثر من كونه سياسة ميدانية حقيقية.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا