تعيش جمهورية مالي منذ سنوات أزمة مركّبة تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد، وتنعكس آثارها على حياة المواطنين في العاصمة والمناطق الريفية، وسط مواقف إقليمية ودولية متباينة.
منذ الانقلاب العسكري في أغسطس/آب 2020، دخلت مالي مرحلة انتقالية مضطربة تخللتها انقلابات متكررة وتغييرات في القيادة.
وفي مايو/أيار 2025، أعلن المجلس العسكري الحاكم حل جميع الأحزاب السياسية، في خطوة اعتبرها مراقبون تكريسا للحكم الأحادي.
وتعاني البلاد من تدهور أمني متواصل، خاصة في الشمال والوسط، حيث تنشط جماعات مسلحة مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ، مما أدى إلى نزوح آلاف المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، أصدر العقيد أسيمي غويتا مرسوما بعزل 11 ضابطا، بينهم جنرالات بارزون، بتهمة محاولة زعزعة استقرار الدولة.
ورغم وصف السلطات للخطوة بأنها "تأديبية"، فقد أثارت جدلا سياسيا واسعا، خاصة أن 8 منهم اعتُقلوا سابقا بتهمة التخطيط لإسقاط المؤسسات، بينهم الجنرال عباس ديمبلي والجنرال نيما ساغارا.
تواجه مالي أزمة اقتصادية خانقة نتيجة تداخل عوامل أمنية وسياسية وإقليمية.
فقد أدى حصار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لطرق إمداد الوقود إلى شلل شبه كامل في شبكة الكهرباء والنقل، مما تسبب في ارتفاع الأسعار وانكماش النشاط التجاري.
وزاد الوضع تعقيدا انسحاب مالي من مجموعة الإيكواس ، التي جمدت التعاملات المالية وأغلقت الحدود لفترات طويلة، مما حرم البلاد من امتيازات جمركية وتسهيلات تجارية كانت تخفف من وطأة العزلة.
كما ساهمت الانقلابات العسكرية المتكررة، وآخرها تولي العقيد غويتا السلطة، في تقويض ثقة المستثمرين والداعمين الدوليين، وأضعفت المؤسسات الاقتصادية.
وتُتهم السلطات العسكرية بتأجيج الأزمة عبر قرارات أحادية، مثل تمديد المرحلة الانتقالية وتعديل الدستور، مما فاقم التوتر الداخلي وقلّص فرص التعافي.
وبينما تتصاعد المطالب الشعبية بتحسين الأوضاع، تظل البلاد رهينة لمعادلة معقدة تجمع بين التهديدات المسلحة والعزلة الإقليمية والجمود السياسي.
أثّرت الأزمة الاقتصادية بشكل مباشر على الحياة اليومية في العاصمة باماكو، حيث تسبب نقص الوقود في توقف حركة النقل العام، وامتدت الطوابير أمام المحطات لمسافات طويلة.
كما أدت الانقطاعات الكهربائية المتكررة إلى شلل في الخدمات الأساسية، وتعطيل الأعمال التجارية، وإغلاق المدارس والجامعات، وتراجع الخدمات الصحية.
ووفق تقارير محلية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، مما دفع السكان إلى اللجوء للسوق السوداء.
أما في المناطق الداخلية، فقد فاقم حصار الجماعات المسلحة من عزلة المدن الريفية، التي تعاني من نقص حاد في الإمدادات وتوقف الأنشطة الزراعية، وسط غياب شبه تام للدعم الحكومي.
هذا الواقع المعيشي المتدهور يعكس عمق الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ انسحابها من مجموعة الإيكواس وتصاعد الهجمات المسلحة.
في خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة، تبنّت الحكومة العسكرية خطابا يحمّل المسؤولية لقوى خارجية وجماعات مسلحة.
فقد صرحت السلطات بأن ما يحدث هو نتيجة "مخطط خارجي لزعزعة استقرار البلاد"، في إشارة إلى الحصار الذي تفرضه جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على طرق إمداد الوقود، والذي أدى إلى شلل في العاصمة وارتفاع الأسعار.
كما دافعت الحكومة عن قرارها بالانسحاب من مجموعة الإيكواس، معتبرة أنه "خيار سيادي" جاء ردا على ما وصفته بـ"الضغوط السياسية والاقتصادية" التي تمارسها المنظمة على الدول التي شهدت انقلابات عسكرية.
وأكدت أنها لن تعود إلى المجموعة ما لم تُحترم خياراتها الوطنية.
وتواصل السلطات التأكيد على "قدرتها على الصمود" و"رفضها لأي تدخل خارجي في الشأن المالي"، مما يعكس تمسكها بخطاب السيادة رغم تصاعد المعاناة الشعبية.
أثارت الأزمة الاقتصادية والأمنية في مالي ردود فعل دولية وإقليمية متباينة، إذ دعت دول غربية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وأستراليا رعاياها إلى مغادرة البلاد فورا، محذّرة من تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، خاصة في ظل أزمة الوقود التي شلّت العاصمة باماكو.
في المقابل، نفت السفارة الروسية إصدار تحذير مماثل، ووصفت الأنباء المتداولة بأنها "معلومات زائفة"، مما يظهر تباينا في المواقف الدولية.
وعلى المستوى الإقليمي، ساد الصمت الرسمي في مجموعة الإيكواس بعد انسحاب مالي منها، رغم ما تسببه الأزمة من اضطراب في سلاسل الإمداد الإقليمية.
أما الدول المجاورة مثل السنغال وساحل العاج، فتتابع الوضع بقلق متزايد، خاصة مع استهداف الجماعات المسلحة لقوافل الوقود العابرة للحدود.
وحذّر باحثون، من بينهم التركي فاتح داغ، من أن الأزمة قد تتحول إلى تهديد إقليمي واسع إذا استمر الحصار والانهيار الاقتصادي دون تدخل فعال.
    
    
        المصدر:
        
             الجزيرة
        
    
 
   مصدر الصورة 
  
 
   مصدر الصورة 
  
 
   مصدر الصورة 
  
 
   مصدر الصورة 
  
 
   مصدر الصورة