آخر الأخبار

ترامب وسحب السلطة من نتنياهو

شارك

لأول مرة في تاريخها، تنفق إدارة ترامب، قدرا هائلا من رأس المال السياسي لإجبار، وقف إطلاق النار الذي بدأ بغزة في 10 أكتوبر/تشرين الأول، على الصمود في أسابيعه الأولى، بعد عامين كاملين من البلطجة الإسرائيلية المنفلتة من أي عقاب، على المدنيين العزل في قطاع غزة.

وفي خطوة لم تحدث من قبل، يؤسس البيت الأبيض، سلطة إدارية موازية بالقدس، لا تبعد كثيرا عن محل إقامة نتنياهو. شكلت من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، وجنرالات أميركيين كبار، وظيفتها ـ في الظاهر ـ " تنسيق العمليات في غزة"، ولكنها في واقع الحال، تمارس رقابة صارمة، على سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتأكد من عدم تجاوزه قيود وقف إطلاق النار.

تأتي الخطوة الأميركية، خالية من أي شكل من أشكال الإتيكيت السياسي الناعم، كتعبير صريح وفظّ عن فقدان الثقة، في نوايا نتنياهو الذي يرغب ـ حال تُرك بدون سلطة إذعان أعلى تسيطر على نزواته العسكرية ـ في مواصلة الحرب لسنوات، كما قال الرئيس ترامب في أحد تصريحاته.

كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أعربت عن قلقها من أن يعرّض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مع حركة المقاومة الفلسطينية حماس، للخطر، وفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

وأفادت الصحيفة، نقلا عن عدة مسؤولين أميركيين لم تسمهم، أن قلق الإدارة من احتمال عرقلة نتنياهو الاتفاق، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، دفع واشنطن إلى بذل جهود دبلوماسية منسقة؛ للحفاظ على الهدنة، ومنع العودة إلى حرب شاملة.

وبرزت هشاشة الوضع، من خلال الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، على عدة مناطق في قطاع غزة، بما في ذلك مدينة رفح الجنوبية، والتي أسفرت عن مقتل العشرات من الفلسطينيين.

لم يستبعد المراقبون وقوع خروقات، متفاوتة في حدتها، فكما يوجد اليمين المتطرف والفاشي في الجانب الإسرائيلي، فربما توجد ـ أيضًا ـ جماعات مسلحة أو قوى وتيارات فلسطينية لا تريد لاتفاق وقف إطلاق النار أن ينجح، ولكل في نفسه حاجة يريد قضاءها، وذلك بحسب تقديرات غير مؤكدة.

إعلان

بيد أن المتطرفين في الجانب الإسرائيلي، جزءٌ أساسي من صناعة القرار الأمني والدبلوماسي والسياسي في تل أبيب. ما يجعلهم التهديد الأخطر والأكبر على الاتفاق من جهة وعلى تصورات ترامب لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، من جهة أخرى.

وهذا لا يحول دون منح نتنياهو مساحة "مناسبة" من التحرك بالتنسيق مع واشنطن حال تعرضت القوات الإسرائيلية لما يعتبره "خروقات". وهذا ما حدث تقريبا حرفيا في استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول، بالتزامن مع تصريحات أميركية رسمية "تبرر" العدوان بوصفه "دفاعًا عن النفس"، ولكن الاتفاق لن "يتضرر منه".

غير أن هذا "التبرير" لا يخفي نبرة القلق الأميركي من نتنياهو، سواء قبل استئناف "الرد الإسرائيلي" أو خلاله، فلا أحد له مصلحة في العودة إلى الحرب غير رئيس الوزراء الإسرائيلي وله أسبابه السياسية والعائلية، وكذلك حاضنته اليمينية المتطرفة ولها أسبابها الدينية التوراتية.

وبلغ القلق الأميركي حد الإصرار، على انتزاع القرار الأمني الإسرائيلي، من نتنياهو ليكون لأول مرة، وبشكل صريح، بيد الرقيب السياسي والعسكري الأميركي، الموجود في القدس والمفوض مباشرة من البيت الأبيض.

لم يعبأ الأميركيون بإحساس الإسرائيليين بالمرارة، بسبب ما يعتبرونه مصادرة سيادتهم على استخدام القوة، وحصرها في واشنطن وحدها.

يقول عاموس هاريل، كبير المحللين العسكريين في صحيفة هآرتس، لشبكة سي إن إن : " تُكتب قواعد اللعبة ونحن نتحدث، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة هي من تدير الأمور، وإسرائيل تلتزم بقواعدها".

وأضاف: "لن يعترف نتنياهو بذلك أبدا، ولكن إلى حد كبير، رهنت إسرائيل جزءا من استقلالها، حيث سيطر الجنرالات الأميركيون على مجريات الأمور".

واللافت ـ هنا ـ أن ترامب كان قد انتظم تدريجيا، في اتخاذ حزمة من الإجراءات، التي تعكس قلقه من "نزق" نتنياهو، ومغامراته التي بدت ـ بالتواتر ـ لا تعبأ إلا بإطالة الحروب في المنطقة، لتحصين مستقبله السياسي وأمنه العائلي.

وتجلت هذه الديناميكية، في تدخلات إدارة ترامب المتكررة، في القرارات الإستراتيجية الإسرائيلية على مدار الأشهر القليلة الماضية: ففي يونيو/حزيران، أمر ترامب سلاح الجو الإسرائيلي بسحب طائراته المتجهة لتنفيذ عمليات ضد أهداف إيرانية.

وفي سبتمبر/أيلول، أَمر نتنياهو بالاعتذار لقطر بعد غارة فاشلة استهدفت قادة حماس في الدوحة، وبعد أيام، أصدر تعليمات علنية لإسرائيل بوقف العمليات الجوية في غزة.

وشرع قطاع ليس بالقليل من السياسيين الإسرائيليين، في التعبير عن قلقهم من اتساع مساحة التدخل الأميركي، في صوغ القرارات السيادية الكبرى في تل أبيب، وعلى رأسها سيادتها في استخدام القوة، واتهم زعيم المعارضة يائير لبيد في وقت سابق، نتنياهو بأنه "حول إسرائيل بمفرده إلى محمية تقبل الإملاءات المتعلقة بأمنها".

وقال رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوت، لإذاعة كان الإسرائيلية : "تدار هذه العملية من قِبل جهة خارجية، هي الولايات المتحدة، وهذه مسألة إشكالية للغاية". وأضاف: "مع تقدمنا في تطبيق الاتفاق، سيَدخل المزيد من القوات الدولية، وهذا سيقيد جيش الدفاع الإسرائيلي".

إعلان

يدرك ترامب أن نتنياهو، أطال أمد الحرب لأسباب سياسية، تتلخص في أنه تحت رحمة ائتلاف يميني متطرف للغاية، ولا يسيطر عليه، وأنه بحاجة إلى بقاء الائتلاف في السلطة ليكون رئيسا للوزراء، وأن الحرب كانت بمثابة تشتيت وتأخير لقضية الفساد المطولة المرفوعة ضده، والتي ندد بها نتنياهو ووصفها بأنها حملة مضادة للآمال، منكرا باستمرار وبشدة أيّ مخالفات.

ولذا، شاء ترامب ـ في زيارته الأخيرة تل أبيب وخطابه في الكنيست ـ أن يحصِن مخططه لوقف الحرب من الفشل، بتحييد مخاوف نتنياهو ـ المتوثب دائما نحو الحرب ـ من المحاكمة، حين طالب الرئيس الإسرائيلي، بالعفو عن نتنياهو، إذ يعتقد ترامب أن محاكمته، ستدفعه نحو عدم التخلي عن مواصلة القتال في غزة، وإفشال أي جهود سلمية تنهي المأساة.

وقد تحايل نتنياهو مرارا على إجراءات محاكمته، والتهرب منها بزعم انشغاله، في إدارة الحرب على سبع جبهات كما يدعي، معلنا عن سخريته من جرجرته إلى المحاكم قائلا: "أنا رئيس الوزراء، أدير دولة، أدير حربا. أنا لا أشغل نفسي بمستقبلي، بل بمستقبل دولة إسرائيل".

وقد سعى، في بعض الأحيان منذ ذلك الوقت، إلى التأجيل والتمديد، مشيرا إلى جدول أعماله والتطورات الدبلوماسية.

ويحاكم نتنياهو ـ منذ عام 2020 ـ بتهمة الفساد، في ثلاث قضايا منفصلة، ولكنها مترابطة: تلقي السيجار والشمبانيا والأساور والحقائب والملابس الفاخرة؛ وتعطيل الإجراءات التحقيقية والقضائية؛ والمطالبة بتغطية إعلامية متملقة من قبل وسيلتين إخباريتين إسرائيليتين رائدتين.

وسبق لترامب أن انتقد قضية نتنياهو بشدة، ففي يونيو/حزيران، نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أن المحاكمة ستعيق المفاوضات بشأن إنهاء الحرب مع حماس، وكتب: "دعوا بيبي يرحل، لديه مهمة كبيرة!".

لكن العائق السياسي أمام أحلام وأشواق ترامب، كما يقول تال شاليف، لا يزال قائما: كيفية التوفيق بين المطالبة بمسار قابل للتطبيق لدولة فلسطينية، وائتلاف نتنياهو المتشدد.

ولعل ذلك ما حمل كلا من ترامب ونتنياهو، على أن يعلنا مرارا وتكرارا، عزمهما دفع الشرق الأوسط، إلى ما هو أبعد من إدارة الصراع، نحو توسيع متجدد لاتفاقيات أبراهام، وهي الجزرة التي لوح بها ترامب أمام نتنياهو، ويبذل البيت الأبيض قصارى جهده لإرسائها.

هنا، قد تصب الرعاية الأميركية في مصلحة نتنياهو؛ إذ يمكن لضغط ترامب، أن يوفر له غطاء سياسيا محليا وذريعة لتقديم تنازلات لن يقبلها ائتلافه لولا ذلك.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا