في الوقت الذي كانت فيه أنظار العالم أمس متجهة إلى شاشات التلفزيون لمتابعة الافتتاح الذي وُصف بالتاريخي للمتحف المصري الكبير، الواقع بجوار الأهرامات بالجيزة، نظم المصريون احتفالًا موازيًا بطريقتهم الخاصة في الفضاء الإلكتروني.
وتصدر اسم المتحف الذي افتتح رسميا السبت بعد أكثر من عقدين على بدء العمل فيه وإرجاء افتتاحه مراراً، قوائم التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، واحتل المرتبة الأولى على منصة "إكس" بخمسة وسوم مختلفة.
عبر مستخدمون من مختلف دول العالم عن انبهارهم بالحدث، فيما امتلأت صفحات كثير من المصريين بعبارات الفخر الوطني والاعتزاز بالحضارة المصرية، ولكنها لم تخلُ من الانتقادات التي وُجهت للقائمين على إخراج حفل الافتتاح في صورته النهائية.
وشارك في الاحتفالية الضخمة عشرات الوفود الرسمية والرؤساء والملوك، والشخصيات البارزة من جميع أنحا العالم.
بدأ الحفل بعرض موسيقي عالمي بعنوان "العالم يعزف لحناً واحداً"، تبعه عرض "الليزر والمسيرات" الذي تناول علاقة بناء المتحف بالأهرامات وفقًا لنظرية حزام الجبار "أوريون".
أثار ارتباط العرض بنظرية "أوريون" انتقادات من البعض، خاصة أنها نظرية مثيرة للجدل تشير إلى محاذاة أهرامات الجيزة مع حزام كوكبة الجبار.
وتضمن العرض فقرة "رحلة سلام في أرض السلام"، استعرضت تطور العمارة المصرية من هرم زوسر إلى العصر الحديث، بمشاركة فنية تمزج بين الإنشاد الصوفي والألحان القبطية، قبل أن تختتم الفقرة بعبارة مضيئة في السماء: "الحضارات تزدهر وقت السلام."
وتفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تلك الفقرات بشكل واسع، بين من أشاد بفخامة العرض وتنوع الفقرات الفنية، ومن رأى أن الإخراج التلفزيوني لم يرتقِ إلى مستوى الحدث.
واعتبر البعض أن العمل افتقر إلى الوحدة والتناغم والرسالة المعبرة عن "جلال الحدث".
ورأت العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أن موكب المومياوات الملكية الذى نظم عام 2021، كان أكثر إبهارًا وتنظيمًا من حيث الإخراج والرسالة البصرية، مقارنة بحفل افتتاح المتحف المصري الكبير.
في المقابل، أثنى آخرون على الأداء الموسيقي وتنوع الفقرات، وتداولوا مقاطع من الفقرات الموسيقية، مؤكدين على إعجابهم بجودة العزف والأداء الأوركسترالي.
فيما انتقد البعض ظهور بعض الوجوه السياسية والاقتصادية البارزة التي ارتبطت بعهد الرئيس الراحل حسني مبارك.
و تداول المستخدمون صورًا ومقاطع تشيد بجمال الأزياء وتصميماتها وتنوعها.
أما الباحثة الاقتصادية سلمى حسين فقدمت قراءة متوازنة للحفل، ووصفت الحدث بأنه "مبهر ويخاطب جمهورًا عالميًا، وليس المصريين فقط".
وأشادت حسين برسالة التنوع الثقافي التي حملها العرض، ولا سيما حضور النوبة للمرة الأولى في احتفال رسمي، إلى جانب جمال الأزياء وتناسق تكوينات الألوان وحركة الكوريوجرافي.
لكنها رأت في المقابل أن ارتفاع مستوى الصوت في الموسيقى وغياب بعض التفاصيل التعريفية أضعفا من التجربة البصرية، كما أبدت تخوفها من عودة مشهد زواج المال بالسلطة إلى الواجهة الإعلامية.
ووصف الناقد الفني كريم عمر حفل افتتاح المتحف المصري الكبير بأنه "متوسط المستوى" رغم ما تضمنه من أفكار جيدة وتنوع ثقافي واضح في تقنيات العرض والإضاءة.
وأشاد بمشاركة النجوم والرياضيين الشباب، لكنه انتقد الموسيقى والإخراج التلفزيوني الذي رآه الأضعف.
يعرض المتحف كامل مقتنيات مقبرة الملك توت عنخ آمون للمرة الأولى مجتمعة منذ اكتشافها قبل أكثر من قرن، إضافة إلى 31 تابوتًا ملونًا من خبيئة العساسيف، وعدد من الحفائر الحديثة من سقارة.
يمتد المتحف على مساحة 500 ألف متر مربع، بتكلفة تجاوزت مليار دولار، ليصبح أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم.
وقد ساهمت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي في تمويل المشروع بقرضين تجاوزا 800 مليون دولار.
يُعد المتحف مدينة ثقافية كاملة، بحسب الدكتور جلال عبادة وعضو لجنة تحكيم المسابقة الدولية التي اختارت أحد المكاتب لتصميم المتحف. ويضم حدائق خارجية ومراكز للمؤتمرات والأبحاث، ومتحف للأطفال ومكتبة وصالات عرض، منطقة العرض المكشوف، منطقة التدريب والبحث العلمي، منطقة الصيانة مناطق الترفيه، المنطقة التجارية، مبني الإدارة، أماكن للعرض الدائم وأخرى للعرض المؤقت للمقتنيات ومكتبة متخصصة في علم المصريات، ومركز أبحاث ومعامل للترميم ومركز للمؤتمرات وسينما ثلاثية الأبعاد وخدمات الزائرين من مطاعم ومحال للهدايا.
وتميز التصميم بحسب عبادة، باستخدام المثلثات في الواجهة بتصميم مستوحى من عالم رياضيات شهير معروف باسم (مثلث سيربنسكي) ليكون مختلفاً عن المثلثات المستخدمة مثلا في العمارة الإسلامية. ويوحي هذا التصميم بالعد اللانهائي من المثلثات إلى الخلود والأبدية وشكل الأهرامات، وكل ذلك يرمز لأشكال وقيم مستوحاة من الحضارة المصرية القديمة، إضافة لاستخدام حجر الألباستر المستخدم في العديد من القطع الأثرية المصرية.
ومن المتوقع أن يستقبل المتحف بين 4 إلى 5 ملايين زائر سنويًا بعد افتتاحه للجمهور في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وفق التقديرات الرسمية، ليصبح مركزًا عالميًا للثقافة والسياحة.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة