الرباط- كانت أمس الجمعة أنظار المغاربة من الرباط وطنجة إلى الداخلة مشدودة نحو واشنطن، ترقبا لصدور القرار المنتظر. وما إن أنهى مجلس الأمن التصويت معلنا دعمه لل مبادرة المغربية للحكم الذاتي في إقليم الصحراء، حتى خرجت أفواج من المواطنين إلى الشوارع للاحتفال في مختلف أنحاء البلاد.
وشهدت العاصمة الرباط على امتداد شارع محمد الخامس وقرب مقر البرلمان احتفالات المئات بالقرار، مرددين الأناشيد الوطنية وأهازيج الفرح، في حين علت أصوات الزغاريد وأبواق السيارات، وتزينت السماء بالألعاب النارية.
المشهد ذاته تكرر في مدن عدة، بينها الدار البيضاء وطنجة وتطوان وأكادير، كما لم تتخلف مدن الأقاليم الجنوبية عن هذه اللحظة التي اعتبرها المغاربة "يوما تاريخيا"، وهو ما عبّر عنه العاهل المغربي محمد السادس في خطابه أمس بالقول "ما قبل 31 أكتوبر (تشرين الأول) ليس هو ما بعده".
وقد اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2797 بعد تصويت 11 دولة لصالحه من بين الدول الـ15 الأعضاء فيه، مع امتناع روسيا والصين وباكستان، وعدم مشاركة الجزائر في التصويت.
واحتشد المواطنون في الساحات العمومية بكل من العيون والداخلة والسمارة، مرتدين اللباس الصحراوي التقليدي، ورافعين الأعلام الوطنية احتفالا بالقرار الذي يدعم مقاربة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء.
في خضم أجواء الفرح التي عمّت المدن المغربية، تنوعت ردود فعل المواطنين بين مشاعر الفخر والاعتزاز، والتأكيد على أن الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي يمثل إنجازا دبلوماسيا، بدون أن يغيب التطلع إلى أن تكون هذه اللحظة لبنة من لبنات بناء المغرب الديمقراطي.
وعبّرت طالبة الطب نرجس الهلالي عن اعتزازها وفخرها كمغربية بعد هذا القرار الأممي، معتبرة أنه "انتصار لقضية الصحراء المغربية وعدالتها". وقالت للجزيرة نت إن المبادرة المغربية تمثل حلا سياسيا واقعيا وجادا يعكس إرادة المغرب في طي صفحة هذا النزاع بشكل نهائي ومستدام.
وأوضحت أن استمرار النزاع لم يكن عبئا على المغرب فقط، بل أعاق التنمية في المنطقة الأفريقية والمغاربية كلها، مشيرة إلى أن تكلفة هذا الوضع كانت كبيرة على حساب قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والتنمية البشرية، وأن إنهاء النزاع من شأنه فتح المجال لإعادة توجيه الميزانيات نحو هذه القطاعات.
وشددت الهلالي على أن الموقف المغربي بقيادة الملك محمد السادس "اتسم بالحكمة والثبات، وظل مؤمنا بالحوار والتفاهم رغم كل التحديات". ورأت في القرار الأممي اعترافا من المجتمع الدولي "برصانة الدبلوماسية المغربية"، لافتة إلى أنه يدفع الشباب المغربي إلى "مزيد من الفخر والإيمان بمستقبل مشرق لوطنهم ووحدته الترابية".
من جانبه، يرى الصحافي صلاح الدين المعيزي أن قرار مجلس الأمن يمثل انتصارا واضحا للدبلوماسية المغربية ولجهود الدولة في هذا الملف المعقد، موضحا أن "هذا الإنجاز تحقق بفضل عمل دبلوماسي مكثف ومكلف، لإقناع دول بتغيير مواقفها داخل المجلس، ما أدى إلى تعديل موازين القوى لصالح المغرب".
وأضاف المعيزي للجزيرة نت أن اللافت في هذا القرار هو تغير مواقف عدد من الدول الأوروبية مثل ليتوانيا وسلوفينيا والدانمارك التي كانت في السابق أقرب إلى أطروحة جبهة البوليساريو بسبب مقاربتها الحقوقية، "وهو ما يعكس حجم الجهد الدبلوماسي المغربي خلال السنوات الأخيرة".
ووفقا له، فإن التحدي الحقيقي اليوم هو إقناع سكان أقاليم الصحراء، أو من يُعرفون بالشعب الصحراوي، بأن مشروع الحكم الذاتي قادر على تأسيس مغرب جديد ديمقراطي فدرالي يضمن العدالة والمساواة بين جميع المكونات، من صحراويين وأمازيغ وعرب وشماليين.
وشدد على أن الحكم الذاتي لا يعني مجرد تغيير إداري أو شكلي، بل إعادة هيكلة الدولة نفسها، والانتقال من نموذج مركزي تقليدي إلى دولة فدرالية مع وجود إقليم يتمتع بحكم ذاتي.
وقال إن موقفه ينسجم مع مواقف رجال في الحركة الوطنية المغربية حول "التأسيس لدولة وطنية موحدة، تتطلع لبناء المنطقة المغاربية بما يوحد جميع شعوبها".
مجلس الأمن الدولي يصوت بمبادرة من الولايات المتحدة لصالح دعم خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية التي قدّمتها الرباط عام 2007، معتبرًا أنها "الحل الأكثر واقعية" للإقليم المتنازع عليه رغم معارضة الجزائر، وذلك في قرار أُقرّ بـ11 صوتًا مؤيدًا من دون معارضة، مقابل امتناع 3… pic.twitter.com/uGICCRSyZ1
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 31, 2025
بدوره، قال فاضيل منصر، وهو رجل تعليم، للجزيرة نت، إن القرار الأخير الصادر عن الأمم المتحدة والذي يدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في الصحراء "بلا شك أفتخر به كمواطن مغربي".
وأشار إلى التحول في مواقف دول كانت حتى وقت قريب تعارض المقترح المغربي، أصبحت اليوم تعلن تأييدها له، من الولايات المتحدة إلى فرنسا وإسبانيا وغيرها من القوى الكبرى.
وبحسب منصر، فإن دولا مثل روسيا والصين، المعروفة بمعارضتها التقليدية وامتلاكها لحق النقض ( الفيتو ) في مجلس الأمن، لم تستخدم هذا الحق هذه المرة لعرقلة القرار، وهو ما يعني ضمنيا "دعما للقرار بطريقة غير مباشرة".
وختم، قائلا "نعم، نحن فرحون بالقرار، لكنه فرح حذر". وأعرب عن أمله في أن ينعكس القرار إيجابا على المواطن المغربي في إقليم الصحراء وباقي مناطق البلاد، وأن يُترجم إلى مكاسب تنموية حقيقية تعود بالنفع على المواطنين، وليس على المستثمرين ورجال الأعمال فقط.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة