آخر الأخبار

الحرب مستمرة في الأذهان بعد تزايد محاولات انتحار الجنود الإسرائيليين

شارك

أضرم ضابط شرطة سابق، خدم أثناء الحرب في القوات الاحتياطية، النار في نفسه أمام منزل مسؤول كبير في دائرة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية في محاولة جديدة للانتحار. وحسب تقديرات جمعية المصابين بصدمات الحرب، فإن الحرب قد تكون توقفت في ميادين المعارك، لكنها مستمرة في أذهان من عانوا ويلاتها.

ويطلق إضرام النار هذا في الضابط ابن الأربعين عاما جرس الإنذار تجاه حالة يعيشها عشرات ألوف خريجي الحرب، ما استدعى إحدى لجان الكنيست لبحث الأمر وإعداد تقرير مفصل. وبحسب تقرير هذه اللجنة فإن 279 جنديًا حاولوا الانتحار خلال العام والنصف الماضيين، بزيادة بنسبة 56% في عدد الجنود الذين انتحروا عما كان قبل الحرب. ووفق معطيات الجيش فإن 78% من الجنود الذين انتحروا في عام 2024 كانوا مقاتلين.

وأشار التقرير الصادر في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025 عن مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست إلى تسجيل زيادة حادة في عدد جنود الجيش الإسرائيلي الذين يحاولون الانتحار خلال الحرب، وأن نسبتهم بين المقاتلين أعلى من نسبتهم في صفوف الجيش. وبحسب التقرير المستند إلى معطيات رسمية من الجيش، انتحر 124 جنديًا بين عامي 2017 ويوليو 2025.

ولكن منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، ازداد عدد حالات الانتحار في الجيش بنسبة 56%، حيث انتحر نحو 18 جنديًا في المتوسط سنويًا في الأعوام 2023 و2024 و2025. ووفقًا للبيانات المنشورة في الكنيست، تحدث نحو 220 حالة انتحار في المتوسط بين عامة السكان سنويًا.

ووفق تبريرات وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن زيادة عدد حالات الانتحار مرتبطة بزيادة عدد الجنود المشاركين في الحرب. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية تحذيرات من خبراء الصحة النفسية تفيد، أن الخطر الأكبر في هذا المجال سيظهر قريبًا مع نهاية الحرب.

يشير رقمٌ مُقلق آخر وارد في التقرير إلى خطورة مشكلة الانتحار خاصة بين المقاتلين. فبين عامي 2017 و2022، تراوحت نسبة المقاتلين الذين انتحروا بين 42% و45% من إجمالي الجنود المنتحرين. لكنها في عام 2024، وصلت إلى 78%، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة المقاتلين في الجيش الإسرائيلي.

مفاعيل الضائقة النفسية

مصدر الصورة خبراء الصحة النفسية يحذرون من مخاطر ستظهر مع انتهاء الحرب (غيتي)

وبحسب التقرير فإنه منذ عام 2017، كان 68% من المنتحرين من المجندين، و21% من جنود الاحتياط، و11% من الجنود النظاميين. ومنذ بداية الحرب، ارتفعت نسبة جنود الاحتياط الذين انتحروا بشكلٍ حاد، تزامنا مع زيادةٍ كبيرةٍ في العدد الإجمالي لهم. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن التقرير لا يشمل سوى جنود الاحتياط الذين انتحروا أثناء خدمتهم الفعلية، في حين أن حالاتٍ أخرى قد تكون حدثت بعد أو قبل انتهاء خدمتهم، بسبب الضائقة النفسية المرتبطة بها. بالإضافة إلى ذلك، كان 91% من المنتحرين رجالا.

إعلان

ويوضح التقرير عدد محاولات الانتحار خلال الحرب: بين يناير 2024 ويوليو 2025، حاول 279 جنديًا الانتحار. ووفقًا للبيانات الواردة في التقرير، مقابل كل جندي أنهى حياته، سُجلت سبع محاولات انتحار أخرى لم تنته بالموت. تجدر الإشارة إلى أن البيانات تتعلق فقط بالجنود الذين كانوا في الخدمة الفعلية وقت الانتحار (نظامي، دائم، أو احتياطي)، ولا تشمل من انتحروا بعد انتهاء خدمتهم، حتى لو وقع الحادث بعد فترة وجيزة.

صنّف الجيش الإسرائيلي 33 منهم على أنهم حالات كان من الممكن أن تؤدي إلى وفاة شخص أو إصابة بالغة. قبل عام 2024، لم يجمع الجيش بيانات عن محاولات الانتحار. وكانت أقلية ضئيلة (17%) من المنتحرين قد تلقّوا علاجًا سابقًا من مسؤول الصحة النفسية في جيش الدفاع الإسرائيلي.

وبحسب "يديعوت" فإن من المُحير أن بيانات محاولات الانتحار لم تُجمع في الجيش الإسرائيلي إلا منذ عام 2024، عندما بدأ الجيش بجمعها بشكل منهجي لأغراض "التحقيق الداخلي والتعلم". أما بالنسبة لـ 279 محاولة انتحار وقعت بين يناير/كانون الثاني 2024 ويوليو/تموز 2025، فقد صُنفت 12% من المحاولات في التقرير السريري للهيئة الطبية على أنها "خطرة" -أي أفعال كان من الممكن أن تؤدي طريقة تنفيذها إلى وفاة الشخص أو إصابته بجروح بالغة. وصُنفت 88% من المحاولات على أنها "متوسطة" -أي أفعال انتحارية ذات احتمالية منخفضة للمخاطر. التهرب والمعلومات الجزئية من وزارة الدفاع.

قلق المؤسسات

وعرضت هذه البيانات لأول مرة منذ عام 2021، بعد أن تواصل مركز الأبحاث بوزارة الدفاع ثلاث مرات. ولكن لم تُجب وزارة الدفاع إلا جزئيًا على الطلب الأخير، وهو يتضمن إجابات جزئية على أسئلة عن الإجراءات المتخذة لمنع الانتحار. تم توفير الجزء الأكبر من البيانات الواردة في الوثيقة من مكتب مركز خدمات الصحة النفسية التابع للهيئة الطبية، إلى جانب البيانات التي جمعت من المناقشات التي عقدت في لجان الكنيست.

مصدر الصورة خبراء الكنيست تواصلوا بوزارة الدفاع 3 مرات للتثبت من أرقام المنتحرين وسط تكتم الأخيرة (مواقع التواصل)

تجدر الإشارة إلى أن تقرير الكنيست جاء عقب اتهامات للجيش بتجاهل الضائقة النفسية للجنود، خصوصا في ظل الحرب. ومعروف أن الانتحار أو محاولة الانتحار يعد حدثًا متطرفًا في حالات الضائقة النفسية الشديدة. وهناك في الجيش من يرون في ميول الانتحار تعبيرا عن ضعف لا ينبغي أن يوجد في صفوف مقاتلين يفترض أن يكونوا نوعا من "سوبر مان". ولذلك ركز المنتقدون على الحوادث التي لم يتصرف فيها قادة الجيش الإسرائيلي على النحو الأمثل في معالجة الضائقة النفسية لمرؤوسيهم.

من التقارير السنوية لمفوض قبول الجنود. على سبيل المثال، في تقرير نُشر في يناير/كانون الثاني 2025، وردت تقارير عن عدة حالات انتظر فيها الجنود اجتماعًا مع المفوض النفسي لعدة أشهر، وحالات لم يتبع فيها القادة "إجراءات الإشراف" في حالة الجنود الذين أعربوا عن رغبتهم في الانتحار.

كذلك وفي نقاش عن قضية حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي ، والذي عُقد في أغسطس/آب 2025 في اللجنة الفرعية التابعة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست المعنية بالموارد البشرية في الجيش، أفاد ممثلو الجيش بتعزيز الرعاية المقدمة للجنود الذين يخدمون في الخطوط الأمامية.

إعلان

كما أثار النقاش احتمال وجود فجوة بين الرعاية المقدمة للجنود الذين يخدمون في الخطوط الأمامية والجنود الذين لا يخدمون في الخطوط الأمامية ولكنهم يشاركون في مهام ذات آثار نفسية، مثل تحديد هوية أشلاء الضحايا أو تنظيم الجنازات.

وكان عضو الكنيست عوفر كاسيف من "حداش" هو من طالب بإعداد هذا التقرير، ولذلك فإنه بعد نشره دعا إلى حل المشكلة معلنا أن "لا قيمة أهم من حياة الإنسان، حياة كل إنسان. إن وباء الانتحار في الجيش، والذي من المرجح أن يزداد سوءًا الآن، مع انتهاء حرب الإبادة في غزة وعودة أعداد غفيرة من الجنود المصابين بصدمات نفسية، يتطلب إنشاء أنظمة دعم حقيقية للجنود، والأهم من ذلك، وضع حد للحروب، وتحقيق سلام حقيقي".

مناقشة عاجلة

عقب هذه البيانات المقلقة، دعا عضو الكنيست أوشر شيكاليم (من الليكود ) إلى مناقشة عاجلة في لجنة الخارجية والدفاع، وتقدم بطلب موافقة من رئاسة الكنيست: "تكشف البيانات عن واقع صعب ومقلق. مقابل كل جندي انتحر، كان هناك سبعة حاولوا الانتحار. وراء كل رقم جندي في محنة، لم يتلقَّ المساعدة دائمًا في الوقت المناسب.

تشير البيانات إلى أزمة نفسية مستمرة لدى المجندين، خاصة منذ أحداث 10 يوليو/تموز، وتتطلب اهتمامًا جادًا وعميقًا من النظامين العسكري والمدني. مع انتهاء القتال، من المتوقع ظهور أزمات وصدمات وصعوبات إضافية لم ندرك عمقها بعد. الآن هو الوقت المناسب للاستعداد مسبقًا ومنع الموجة التالية قبل فوات الأوان".

مصدر الصورة جندي إسرائيلي يبكي زميله أثناء دفنه في نهاريا عام 2014 (غيتي)

ويرى خبراء أن ما يجري في الجيش يعكس أيضا حالة تزداد تفاقما في المجتمع الإسرائيلي نفسه. ويقول هؤلاء إن أزمة الصحة النفسية في ذروتها، و"نحن في خضم موجة من الصعوبات النفسية". وحسب تاني غولدشتاين الذي يكتب لموقع "زمان إسرائيل" فإنه منذ نهاية شهر سبتمبر/أيلول تغرق عيادات الصحة النفسية بطلبات العلاج. ويفيد علماء النفس، أن حجم الإحالات والضغط النفسي الذي يعاني منه المتقدمون للرعاية خلال الأسابيع الماضية يُعد من أسوأ ما شهدوه على الإطلاق.

ويأتي هذا بعد عقد من النمو المطرد والهائل في عدد الأشخاص الذين يلتمسون الرعاية الصحية النفسية. وكتب أنه لا تتوافر لدى السلطات حاليًا بيانات مُحدثة عن حالة الصحة النفسية، وسيستغرق جمع المعلومات وتحليلها وقتًا، لا يعلم المختصون النفسيون الذين تحدثنا إليهم على وجه اليقين سبب ازدياد عدد الإحالات الآن، لكنهم يرجحون أن ذلك يعود إلى الضيق الذي تراكم خلال الحرب، والرفض الذي طرأ على الإحالات بعد الأعياد، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، الذين استقبلهم العديد من المرضى بفرح وارتياح، ولكن أيضًا بعاصفة من المشاعر الجياشة.

وتقول مختصة علم النفس السريري أنات سولد-أفيغادول، التي أجرت صحيفة "زمان إسرائيل" مقابلة معها، "لمدة عامين، كان الناس يقولون لأنفسهم: نحن في حالة حرب، علينا أن نكون أقوياء، وأن نعمل بكفاءة. والآن، تهتز هذه الأوضاع.

يشعر الناس بالحاجة إلى التأمل، والتأمل الداخلي، والعناية بأنفسهم. إنهم منهكون، ويشعر بعضهم بالتفكك. هذه ديناميكية شائعة ومألوفة في نهاية الحروب والأزمات. في هذه الحالة، تكمن المشكلة في أن الرعب لم ينتهِ تمامًا، وليس من الواضح حقًا ما سيحدث، وهذا يزيد الأمر صعوبة عليهم".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا