آخر الأخبار

مصور فاز بجائزة الرئاسة التركية وثّق الإبادة التي طالت أسرته في غزة

شارك

غزة- عندما تلقى المصور الصحفي الفلسطيني علي جاد الله، اتصالا من مكتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبلغه بفوزه بـ"الجائزة الكبرى للثقافة والفنون"، كأول فلسطيني يُكرّم بهذا الوسام الرفيع، شعر بالفخر الممزوج بالحزن.

فرِح جاد الله بهذا الإنجاز واعتبره تقديرا لمعاناة الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه. ولكنه شعر بالأسى في الوقت ذاته لأنه تلقى النبأ وحيدا، فقد كان يتمنى أن تشاركه عائلته التي قتل الاحتلال جزءا منها، وتسبب في تشريد الجزء الباقي خارج القطاع، فرحة هذه المناسبة.

وتعرّض منزل أسرته لقصف إسرائيلي بداية الحرب، ما أسفر عن استشهاد والده و3 من أشقائه، وإصابة والدته بجراح خطيرة. أما زوجته وأطفاله، فقد فضّل إجلاءهم من القطاع برفقة والدته التي غادرت للعلاج، حفاظا على حياتهم.

قرار البقاء

منذ بداية الحرب، قررت وسائل الإعلام الدولية إجلاء مراسليها من غزة بالتزامن مع قرار الاحتلال منع دخول الصحافة الأجنبية. لكن جاد الله الذي يعمل مصورا صحفيا في وكالة الأناضول للأنباء التركية، رفض المغادرة وقرر البقاء في القطاع.

ويقول في حديثه للجزيرة نت "بقائي كان قرارا شخصيا والتزاما إنسانيا لأني شعرت أن العالم بحاجة لرؤية الحقيقة مباشرة من غزة". وهو يشعر بالرضا تجاه نجاح الصحفيين الفلسطينيين في "فضح جرائم الاحتلال، رغم محاولات التعتيم الإسرائيلية".

ويؤكد "هذه إبادة تم توثيقها بسواعد الصحفيين الغزيين الذين عاشوا الموت والفقد والنزوح والمجاعة والخوف وقلة الإمكانيات وغيرها".

مصدر الصورة عدسة جاد الله نجحت في التقاط صور عدة كشفت هول جرائم الاحتلال (الجزيرة)

ويعتبر جاد الله أن مسؤولية نقل الجرائم وتوثيقها بعد مغادرة زملائه، وعدم السماح بدخول الصحفيين الأجانب بمثابة "عبء كبير جدا"، مضيفا "شعرتُ بمسؤولية مضاعفة، حيث أصبح عليّ توثيق كل ما يمكن قبل أن يفوتنا الوقت، مع الحفاظ على سلامتي".

إعلان

ويتابع "اليوم أعتقد أنني كنت على حق في اختياري البقاء في غزة، حيث أعتقد أنني خدمت وطني وأبناءه، ونفسي بشكل مناسب، وأشعر حياله بالرضا".

كانت تغطية الحرب بالنسبة لجاد الله تجربة مزدوجة، لأنه لم يكن فقط صحفيا ينقل الأحداث، بل كان جزءا من الضحايا بعد قتل الاحتلال لوالده وأشقائه الثلاثة، وإصابة والدته بجراح خطيرة، وهدم منزله الخاص.

مصدر الصورة قائمة صور جاد الله تضم مشاهد مؤلمة رسمت صورة صادقة لعذابات غزة (الجزيرة)

بُعد شخصي

ويشرح مشاعره تجاه تأثير ما تعرض له على عمله المهني، ويقول "استهداف أسرتي وتدمير بيتي أضاف بُعدا شخصيا للتغطية، وجعل كل صورة ومشهد أكثر ألما وصدقا، الوجع كان دافعا إضافيا لمواصلة العمل، لكنه كان أيضا تحديا للحفاظ على الحيادية المهنية".

على مدار عامين، نجحت عدسة جاد الله في التقاط الكثير من الصور التي كشفت هول جرائم الاحتلال في قطاع غزة، وتناقلتها كبرى وسائل الإعلام. ولم تكن لقطات عابرة، بل شهادات حية على الإبادة.

إحدى أشهر صوره خلال الحرب، كانت لسيدة تهرب من انفجار صاروخ إسرائيلي حاملة طفلتها، بينما تحاول أن تستر نفسها ببطانية صفراء. وتحوّلت إلى أيقونة لحرب الإبادة على غزة، حيث تناقلتها وسائل الإعلام حول العالم.

وحول ملابساتها، يوضح جاد الله: "التقطتها في لحظة حاسمة حين كانت السيدة تهرب من القصف حاملة طفلتها، حاولتْ تغطية نفسها بأي قطعة قماش والهروب من تحت القصف للمجهول، كانت اللحظة مليئة بالخوف والألم".

مصدر الصورة جاد الله يقول إن لحظة التقاط هذه الصورة كانت مليئة بالخوف والألم (الجزيرة)

كما تضم قائمة صوره مشاهد مؤلمة لأمهات يودّعن أطفالهن، ولأحياء مدمرة، ولرجال إسعاف يحاولون يائسين إنقاذ جرحى، ولمشاهد نزوح جماعي، ولضحايا سياسة التجويع الإسرائيلية. وكلها رسمت صورة صادقة لعذابات غزة.

يحاول جاد الله التركيز على البُعد الإنساني في الصورة، "لكي تنقل الألم والمعاناة بطريقة يفهمها الجميع". ويضيف "الصورة أحيانا تتجاوز الكلمات، حاولتُ أن تكون كل واحدة وثيقة حية، وألا يكون أصحابها فقط أرقاما، كنت أبحث عن لحظة إنسانية داخل الموت والجحيم".

يبدأ تحضيره لالتقاط الصورة من المعرفة العميقة للميدان، ومتابعة التطورات، وتجهيز المعدات، والتنبؤ بالمواقع الأكثر خطورة، والاستعداد النفسي والجسدي، مع القدرة على التصرف بسرعة عند أي حدث غير متوقع. ويستدرك "كل هذه الاستعدادات لا تعني شيئا أمام صاروخ من الطائرات الحربية".

مصدر الصورة لم تكن صور جاد الله لقطات عابرة، بل شهادات حية على الإبادة (الجزيرة)

احترام الحقيقة

وعن طريقة تعامل هذا المصور الفلسطيني مع مختلف الأحداث، يقول "الأحداث المتوقعة تحتاج تخطيطا مسبقا، أما غير المتوقعة فتتطلب يقظة وحساسية عالية وسرعة استجابة للحفاظ على السلامة ونقل الحدث بدقة".

ويكشف سرّ قدرته على الوصول السريع لمكان الأحداث والتقاط صور فوتوغرافية حيّة لما يجري، وقال "غزة صغيرة بالنسبة لي، أعرفها جيدا وأحفظ كل شارع فيها، وبالتالي الخبرة والمعرفة بالميدان لها دور بارز في ملاحقة الحدث ومتابعة المعلومات أولا بأول، تساعد على الوصول قبل الآخرين أحيانا. لكن دائما مع مراعاة السلامة وفق المستطاع".

إعلان

ويسعى المصور الشاب إلى نقل المشهد بطريقة مؤثرة تجعل المشاهد يشعر بالمكان والحدث، مع احترام الحقيقة، فـ"الإبداع لا يعني السعي إلى تجميل الصورة". ويكمل "لذلك ركزتُ على نقل الحقيقة بدون فلتر كما هي على أرض الواقع، لا متسع للإبداع بين الأشلاء، وبالتالي هنا الابداع في التقاط الصورة بسرعة وأنسنتها كما هي".

مصدر الصورة جاد الله نقل مأساة النزوح التي عاشها هو أيضا (الجزيرة)

وكغيره من الصحفيين في غزة، تعرض جاد الله لخطر الموت مرات عديدة، وقال "الاحتلال يحاول أحيانا استهداف الصحفيين لتقييد التغطية، وقد واجهت ذلك بشكل مباشر في بعض اللحظات".

وأسوة بأبناء شعبه، عانى الويلات خلال الحرب، فقد اضطر في بعض الليالي إلى النوم في الشارع وعلى قارعة الطريق، والعيش في الخيام.

كما واجه صعوبات كبيرة في الحصول على إمدادات الكهرباء والإنترنت اللازم لعمله. وتعد تجارب النزوح من أصعب ما مر به. ويقول "النزوح هو انتزاع للروح عن الجسد، أن تترك بيتك ومكانك وحيّك لمكان تشعر فيه أنك غريب، سيئ أن تحمل بيتك في حقيبة ظهر".

جاد الله يركز على البعد الإنساني في الصورة لتنقل الألم والمعاناة بطريقة يفهمها الجميع (الجزيرة)

تحتفظ ذاكرة جاد الله بالكثير من الأحداث التي لا تنسى؛ كمشاهد الأطفال والمنازل المدمرة، واللحظات الأخيرة قبل القصف. ويقول "لا يمكن أن تنسى نظرات طفل مصاب وهو يناجي الأطباء أن ينقذوه حتى لا يموت"، كاشفا أنه امتنع عن التقاط الكثير من الصور، نظرا لصعوبة الأمر على نفسه.

ويتمنى أن تكون جائزة الثقافة والفنون، التي حصل عليها من الرئاسة التركية، فرصة إضافية للعالم كي ينظر مجددا إلى ما يجري في قطاع غزة من "إبادة جماعية ممنهجة".

وختم حديثه بتوجيه رسالة للعالم تؤكد أن "الإنسانية فوق كل الاعتبارات، والصوت الفلسطيني يجب أن يُسمع، ويجب الوقوف مع العدالة والحق، حتى نرى جميعا فلسطين حرة".

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا