في عالم باتت فيه الخوارزميات تتحدث بلغة البشر، يقترب أحد أعمق التشوّهات في النظام الرأسمالي الحديث من نهايته، عدم تماثل المعلومات بين البائعين والمستهلكين.
ف الذكاء الاصطناعي ، الذي صار في جيب كل مستهلك تقريبا، بدأ يبدّد الغموض الذي طالما استغلّته الشركات في العقود والتسعير والخدمات.
وترى مجلة إيكونوميست أن التطور السريع في أدوات الذكاء الاصطناعي حوّل علاقة المستهلك بالبائع إلى علاقة أكثر توازنا ومعرفة، فالمستهلك الذي كان يجهل سابقا تفاصيل السلع أو الخدمات التي يشتريها، أصبح قادرا الآن على تحليل العقود، واكتشاف العيوب، وحتى التفاوض الذكي عبر منصات مثل "تشات جي بي تي".
وتوضح المجلة أن "اقتصاد الاحتيال" -حيث تستفيد الشركات من تعقيد المعلومات وغموضها- يواجه خصما غير مسبوق، المساعد الذكي.
فبدءا من مراجعة عقود السيارات وتأجير المنازل، وصولا إلى استشارات الطب والقانون، يُظهر الذكاء الاصطناعي كفاءة في الحد من استغلال جهل المستهلك.
ووفقا لبيانات "إيكونوميست" المستندة إلى مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي، انخفضت نسبة إنفاق المستهلكين الأميركيين على السلع والخدمات ذات التفاوت المعلوماتي الحاد إلى نحو 25% من إجمالي الإنفاق، بعد أن بلغت ذروتها عند نحو 31% مطلع الألفية الجديدة.
ويشمل هذا النوع من الإنفاق قطاعات مثل التأمين الصحي، والإيجارات السكنية، والخدمات المهنية التي يملك فيها البائع معرفة أكبر من المشتري حول الجودة والسعر.
وتوضح المجلة أن هذا التراجع هو الأكبر منذ 6 عقود، مما يعكس التحول الهيكلي في قدرة المستهلكين على الوصول إلى المعلومات بفضل الإنترنت والذكاء الاصطناعي.
أما في بريطانيا، فالأرقام لا تقل دلالة، فقد أظهرت بيانات "المركز الوطني للأبحاث الاجتماعية" التي أوردتها إيكونوميست أن الخسائر الناتجة عن ضعف الشفافية بلغت ما يعادل 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من أبريل/نيسان 2023 حتى مايو/أيار 2024.
وكانت عمليات شراء المنازل على رأس الخسائر بمتوسط كلفة تجاوز 750 جنيها إسترلينيا للفرد (نحو 975 دولارا)، تلتها السيارات المستعملة التي شكّلت ثاني أكبر مصدر للإضرار المالي.
وتوزعت باقي الأضرار على قطاعات النقل الجوي، والخدمات القانونية، وصيانة المنازل، وتأجير السيارات، والرعاية المنزلية، مما يبرز حجم الأعباء التي يتحملها المستهلك بسبب ضعف المنافسة والمعلومات.
وتستعيد إيكونوميست ما قدّمه الاقتصادي الأميركي الحائز على "نوبل" جورج أكيرلوف في ورقته الشهيرة عام 1970 حول سوق السيارات المستعملة، حيث بيّن أن غياب المعلومات الدقيقة يؤدي إلى خروج البائعين الصادقين من السوق، وترك المستهلك في مواجهة السلع المعيبة.
لكن المجلة تشير إلى أن عصر الإنترنت، ومن بعده الذكاء الاصطناعي، بدأ يقلب المعادلة، فقد أصبح من الصعب على السائقين استغلال الركاب بطرق أطول، أو على المحامين والأطباء تقديم خدمات باهظة بلا مبرر.
كما تنقل المجلة عن دراسات حديثة أن المستهلكين الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في التفاوض أو صياغة الشكاوى يحققون نتائج أفضل بنسبة تقارب 9% مقارنة بغيرهم، وفق تحليل أجرته جامعة هونغ كونغ على أكثر من مليون شكوى مقدمة إلى مكتب حماية المستهلك الأميركي.
تخلص إيكونوميست إلى أن مستقبل الأسواق سيقوم على توازن جديد بين الذكاء الاصطناعي للمستهلكين ونظرائه لدى الشركات. فبينما تمكّن المستهلك من الحصول على "مستشار رقمي" يحميه من الغش، تعمل الشركات بدورها على تطوير أنظمة "تحسين مولّدات المحتوى" التي تقدم روايات تسويقية مصممة لإقناع الزبائن بالمنتجات نفسها.
وترى المجلة أن هذا "السباق الخوارزمي" قد يفرض في المستقبل القريب وسطاء محايدين من الذكاء الاصطناعي للفصل بين الطرفين، في ظل تلاشي عهد المستهلك "الذي لا يعرف شيئا".
 المصدر:
        
             الجزيرة
    
    
        المصدر:
        
             الجزيرة
        
    
 مصدر الصورة
 
   مصدر الصورة 
   مصدر الصورة
 
   مصدر الصورة