يناقش تسفي برئيل، محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عناصر القوة التي تمتلكها تركيا والتي تؤهلها لممارسة أدوار فاعلة في المنطقة وفي قطاع غزة .
ويشكك برئيل في قدرة حكومة بنيامين نتنياهو على منع تركيا من أن تكون جزءا من القوة متعددة الجنسيات التي يُفترض أن تدخل قطاع غزة بعد وقف الحرب، ويؤكد أن أنقرة باتت مميزة في ظل العلاقات الوثيقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب ، والدور الذي لعبته في إقناع حركة حماس بقبول خطة ترامب لإنهاء الحرب.
ويقول برئيل إن تركيا تمضي بخطى ثابتة نحو توسيع نفوذها الإقليمي عبر بوابة غزة، في وقت تبدو فيه إسرائيل عاجزة عن الحد من هذا التمدد، رغم خطابها المتشدد ضد أي دور لها في غزة ما بعد الحرب.
ويقول برئيل: في كلمته الأخيرة، أكد نتنياهو أن إسرائيل "تسيطر على أمنها"، وأنها ستقرر من هي الدول المقبولة للمشاركة في القوة الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة. وقال "هذا بالطبع متفق عليه مع الولايات المتحدة، كما عبّر عنه كبار ممثلي الإدارة الأميركية في الأيام الأخيرة".
لكن برئيل يرى أن هذا الخطاب، الذي يبدو حازما، يخفي تناقضا داخليا واضحا، فكيف يمكن الحديث عن "السيطرة على الأمن" في غزة في الوقت نفسه الذي يجري فيه نقل المسؤولية إلى قوة دولية؟
وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قد صرّح بأن القوة الدولية "يجب أن تأتي من الدول التي تشعر إسرائيل بالارتياح تجاهها"، لكن هذه الصيغة، بحسب هآرتس، لا تمنح إسرائيل بالضرورة حقّ النقض الكامل على هوية المشاركين، خصوصا إذا كان لترامب رأي آخر.
ويسلط الكاتب الضوء على دور تركيا المتنامي في المنطقة، وهو الذي يعزز الصراع بين أنقرة وتل أبيب على النفوذ في الشرق الأوسط.
وحسب الكاتب، فإن تركيا التي تحاول إسرائيل استبعادها من أي دور في غزة، نجحت خلال العقد الماضي في تثبيت نفسها كقوة إقليمية تمتد أذرعها إلى ليبيا وقطر والصومال، والعراق، وسوريا وأذربيجان .
ويقول إن هذه "الدبلوماسية العسكرية" التركية لم تعد مجرد أداة نفوذ، بل تحوّلت إلى وسيلة لإعادة رسم موازين القوى في المنطقة.
في المقابل، تتعامل إسرائيل مع تركيا كخصم إستراتيجي جديد، بل تعتبرها تهديدا أخطر من إيران، رغم أن تركيا كانت في وقت سابق لاعبا رئيسيا في إضعاف النظام السوري وإخراج إيران وحزب الله من مناطق واسعة في سوريا. وهذه المفارقة، كما يقول برئيل، توضح عمق التحول في العلاقات بين البلدين.
ويستمر برئيل في شرح تطور النفوذ التركي، حيث تحتفظ بعشرات القواعد العسكرية في الخارج، وتشارك في عمليات حفظ سلام دولية، بينها قواتها العاملة ضمن قوة " اليونيفيل " في لبنان. وفي الوقت نفسه، تحافظ على شبكة علاقات اقتصادية ودبلوماسية واسعة تمتد من الخليج إلى شمال إفريقيا، ومن روسيا إلى أوروبا.
ويضيف أن تركيا وبعد سنوات من القطيعة مع مصر والسعودية والإمارات، نجحت في ترميم علاقاتها مع هذه الدول، وانضمت كضيف دائم في مؤتمرات عربية ودولية.
ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض مجددا، ازدادت مكانة تركيا في واشنطن، إذ يُنظر إليها -بخلاف دول الخليج الغنية- على أنها تملك نفوذا سياسيا فعّالا وقدرة على التأثير في ملفات حساسة مثل حماس وسوريا وأوكرانيا.
ويشير برئيل إلى أن تركيا تمكنت من الجمع بين تناقضات حادة: فهي عضو في حلف الناتو ، لكنها اشترت منظومة الدفاع الروسية "إس-400″، وواجهت عقوبات أميركية واستُبعدت من مشروع طائرات "إف-35″، لكنها في المقابل أصبحت شريكا لا غنى عنه في إدارة الحرب الأوكرانية واتفاق تصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
ويؤكد الكاتب أن تاريخ علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي يؤشر على قدرتها على استغلال نفوذها بالشكل الأمثل، فبعد إخفاق مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد بسبب شروط تتعلق بالديمقراطية وحقوق الأكراد والإصلاح الاقتصادي، استغلت أنقرة ورقة اللاجئين السوريين لتفرض معادلة جديدة.
ففي عام 2016، وقّعت اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق اللاجئين مقابل 6 مليارات دولار وتسهيلات في منح التأشيرات. لكن أردوغان لم يتردد في التهديد بفتح الحدود مجددا عندما لم تُنفذ وعود الاتحاد، وقال حينها إنه قادر على إرسال ملايين اللاجئين إلى أوروبا ما لم تُدعَم خطته لإنشاء "منطقة آمنة" في شمال سوريا.
وبالفعل، وافق الرئيس الأميركي ترامب في ذلك الوقت على السماح لتركيا بإنشاء تلك المنطقة، التي وصفها أردوغان بأنها مشروع إنساني لإسكان اللاجئين.
ويرى برئيل أن فكرة ترامب بشأن "ريفييرا غزة" -أي تحويل القطاع إلى منطقة تنمية وإعمار تحت إشراف دولي- مستوحاة جزئيا من خطة أردوغان في سوريا.
فكما اقترح الرئيس التركي بناء منازل داخل الأراضي السورية لإعادة اللاجئين، يقدم نفسه اليوم راعيا لمشاريع إعادة الإعمار في غزة، وقادرا على إقناع حماس بالتعاون مع الخطة الأميركية.
ويضيف أن تركيا أصبحت بالفعل فاعلا ميدانيا في القطاع، سواء عبر منظماتها الإغاثية -مثل هيئة الإغاثة الإنسانية "آي إتش إتش" (IHH) التي تقود أعمال إزالة الأنقاض في غزة- أو من خلال تنسيقها غير المعلن مع قطر ومصر في ملفات الإعمار والمساعدات.
وفي حين تبدو إسرائيل مصممة على منع مشاركة تركيا في القوة متعددة الجنسيات، بدعوى أن ذلك يمسّ "السيادة الأمنية" الإسرائيلية، تعتبر واشنطن، بحسب مصادر هآرتس، أن وجود تركيا في القوة الدولية قد يكون مفتاحا لضمان التزام حماس بوقف إطلاق النار وتنفيذ خطة إعادة الإعمار.
ويقول برئيل إن "تركيا تُعتبر في واشنطن الدولة التي ساعدت حماس على تبنّي خطة الـ20 نقطة التي قدمها ترامب لوقف إطلاق النار في غزة"، مما منح أردوغان رصيدا سياسيا كبيرا لدى ترامب، الذي قد يرى في إشراك تركيا ضرورة لإنجاح مشروعه الدبلوماسي الجديد في غزة.
المصدر:
الجزيرة