آخر الأخبار

التهدئة بين أنقرة والعمال الكردستاني.. هل تنتهي بسلام دائم؟

شارك
مقاتلو العمال الكردستاني يحرقون أسلحتهم في العراق.. أرشيفية

أثار إعلان حزب العمال الكردستاني عن سحب مقاتليه من الأراضي التركية إلى شمال العراق، ردود فعل متباينة بين السلطات التركية والمراقبين السياسيين.

ورغم وصف الحكومة التركية لهذه الخطوة بأنها "تطور تاريخي" ومؤشر على نجاح خريطة الطريق الحكومية تحت شعار تركيا بلا إرهاب، أشار الباحث في العلاقات الدولية مهند حافظ أوغلو خلال حديثه إلى برنامج "ستوديو وان مع فضيلة" على "سكاي نيوز عربية"، إلى أن هذه الخطوة تمثل بداية مرحلة أولية، لا تؤكد نهاية التهديد الأمني أو تخلي الحزب عن السلاح بالكامل.

أوجلان بين القانون والرمزية

أكد أوغلو أن مسألة الإفراج عن زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، مرهونة بأمرين رئيسيين: الوضع القانوني والقضائي، والوضع الأمني الميداني للحزب.

ورغم أن أوجلان يعتبر رمزا للحزب، إلا أنه فقد السيطرة الفعلية على قادة الحزب في الميدان، والذين يمثلون القوة الفعلية وصناع القرار.

وأوضح أوغلو أن أوجلان، حتى في حال أُفرج عنه، سيبقى تحت حماية الدولة التركية خشية اغتياله، مؤكدا أن دوره حاليا رمزي أكثر من كونه قوة ميدانية، وأن القادة الميدانيين للحزب هم من يحددون سرعة العملية ونجاحها من عدمه.

التحديات الداخلية التركية

أشار أوغلو إلى أن الداخل التركي يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بعملية السلام، مضيفا أن "نحو 50 بالمئة من المجتمع التركي لا يدعم هذه الخطوة بسبب (الأثمان الثقيلة) التي دفعتها البلاد على مدى أربعة عقود من مواجهات مع الحزب".

وأوضح أوغلو أن حقوق الضحايا والقضايا القانونية "ستظل في صلب أي مسار سلام"، وأن "الأمن القومي التركي لن يطمئن إلا بعد التخلص من كافة الأسلحة الثقيلة والعناصر المسلحة داخل تركيا وخارجها"، مؤكدا أن العملية "ستتطلب وقتا طويلا للتحقق من تخلّي الحزب عن السلاح وحلّ نفسه بالكامل".

الأبعاد العراقية والتهديد المحتمل في سوريا

يفتح انتقال مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى شمال العراق ملفا معقدا على المستوى الإقليمي، وهو ما أشار إليه أوغلو قائلا إن القرار "كان داخليا للحزب نفسه، وليس بتوجيه من تركيا"، موضحا أن هذا الانتقال "يثير جدلا بين بغداد وأربيل حول الأمن والسيادة".

ولفت أوغلو إلى أن "الانقسامات السياسية داخل العراق، بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم شمال العراق، تعيق تحقيق تفاهمات أمنية واستراتيجية، مما يجعل تنفيذ أي اتفاقات محتملة معقدا".

وتابع أوغلو قائلا إن "تجربة شمال العراق تظهر أن الحزب قد يبقي أذرعا في العراق وسوريا وإيران، حتى بعد مغادرته الأراضي التركية، مما يزيد من التعقيد الإقليمي للعملية".

وحذر أوغلو من أن تصريحات أوجلان الأخيرة، حول دعم قوات سوريا الديمقراطية في سوريا والسعي نحو حكم ذاتي "قد تمثل خطرا جديدا على الأمن التركي".

وبيّن أن "أي تحرك لدعم الحكم الذاتي في سوريا سيعيد القضية الكردية إلى دائرة النزاع الإقليمي، مع تأثير مباشر على الأمن والاستقرار في تركيا، خاصة مع وجود دعم خارجي من فرنسا وأميركا وإيران، وما يزال الحزب يمتلك أسلحة ثقيلة وقيادات ميدانية فعالة".

المعوقات القانونية والسياسية

حسبما قال أوغلو فإن "مسألة الإفراج عن عناصر الحزب وقياداته تخضع لاعتبارات قضائية وأمنية معقدة"، مشيرا إلى أن الحكومة التركية "تؤكد في كل مرة على ضرورة تحقيق العدالة لضحايا الإرهاب الكردي، وأن أي عملية سلام يجب أن تراعي تلك الاعتبارات القانونية والحقوقية".

كما أشار إلى أن "أي تقييم لنجاح المرحلة الحالية يعتمد على سرعة تحرك الحزب الميداني، وما إذا كان سيقبل بتسليم أسلحته الثقيلة بالكامل أو الانخراط في عملية سياسية سلمية. وفي حال استمرار وجود عناصر مسلحة أو قيادات ميدانية، فإن الأمن التركي لن يطمئن، وستظل العملية معرضة للفشل".

الواقع الكردي والتحولات الداخلية

تناول أوغلو أيضا في حديثه التطورات داخل المجتمع الكردي، مشيرا إلى أن "المكون الكردي في تركيا شهد نضجا سياسيا خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد 2015، وأصبح أكثر إدراكا لأهمية التفاهم مع الدولة التركية في إطار المواطنة".

وشدد على أن المواطنة "يجب أن تكون السقف الذي تتظل تحته جميع المكونات التركية، بما فيها العرب والأكراد، وأن أي محاولة لاستغلال المظلومية التاريخية للكرد لإعادة النزاع إلى العراق وسوريا ستكون معقدة ومركبة، ولن تحقق الاستقرار المنشود".

الانعكاسات الإقليمية

اعتبر أوغلو في حديثه أن العملية الحالية مرتبطة بتفاعلات إقليمية واسعة، خصوصا على المستوى العراقي والسوري، موضحا أن "الانقسامات بين بغداد وأربيل، والخلافات بشأن إدارة المناطق الحدودية، تعرقل إمكانية الشراكة الأمنية والاستراتيجية".

واسترسل قائلا إن "أي تجربة مشابهة لتجربة شمال العراق في سوريا مرفوضة من الجانب التركي، ويجب ألا تتكرر، لضمان عدم تصعيد النزاع الكردي على الأراضي السورية".

كذلك لفت أوغلو إلى أن "وصف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية سيظل قائما، سواء في تركيا أو في العراق أو على المستوى الدولي، بغض النظر عن التحركات الأخيرة أو أي تغييرات محتملة في تموضع الحزب".

على الرغم من الخطوة الرمزية الهامة التي أعلنها حزب العمال الكردستاني بسحب مقاتليه من تركيا، يبقى الطريق نحو سلام مستدام طويلا ومعقدا.

وتظل العملية مرهونة بتحرك حقيقي وسريع من قادة الحزب الميدانيين، وبالضمانات القانونية والأمنية التركية، وبالتوازنات الإقليمية في العراق وسوريا.

ويبقى السؤال الأكبر: هل سيستطيع الطرفان بناء ثقة حقيقية، أم أن المرحلة الحالية ستظل خطوة أولى رمزية تحتاج إلى سنوات طويلة لترجمتها إلى واقع ملموس؟

الواقع يشير إلى أن الأمن والاستقرار في تركيا مرتبط بشكل مباشر بمدى استعداد حزب العمال الكردستاني للتخلي عن أسلحته وقياداته الميدانية، وموافقة الأطراف الإقليمية على تعزيز الاستقرار.

وبالتالي، يمكن القول إن مرحلة السلام المحتملة بدأت، لكنها لا تزال هشة، وتحتاج إلى متابعة دقيقة على المستويين الداخلي والإقليمي، قبل أن تتحول إلى إنجاز حقيقي على الأرض.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا