في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تونس- قررت محكمة الاستئناف بالعاصمة تونس، اليوم الاثنين، تأجيل النظر فيما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة 1" إلى يوم 17 نوفمبر /تشرين الثاني المقبل، في واحدة من أكبر القضايا السياسية التي شهدتها البلاد منذ إعلان الرئيس قيس سعيد تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021.
وتشمل القضية عشرات المعارضين من قيادات أحزاب وشخصيات وطنية وحقوقيين، يواجهون أحكاما ابتدائية قاسية صدرت في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، تراوحت بين 4 و66 سنة سجنا.
ووسط حضور أمني كثيف، تجمعت عائلات الموقوفين أمام المحكمة رافعين صور أبنائهم ولافتات تطالب بالإفراج عنهم، فيما اكتفى بعض الأهالي بالجلوس على الأرصفة يراقبون بحيرة ما يجري داخل أسوار المحكمة، وقد بدت على وجوههم علامات الإرهاق والانتظار الطويل.
داخل المحكمة، خيّم توتر واضح على الجلسة التي انعقدت وسط إجراءات استثنائية، وحضر عدد من أعضاء هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين، إلى جانب عميد المحامين بوبكر بالثابت الذي تولّى الكلمة باسم الهياكل المهنية، معبّرا عن رفضه القطعي لمحاكمة المتهمين عن بعد، واحتجاجه على عدم إعلام المحامين ولا الموقوفين بموعد الجلسة.
وبعد مداولات قصيرة قررت المحكمة تأجيل النظر في الملف، وسط استياء هيئة الدفاع التي اعتبرت أن ظروف المحاكمة تكرّس جملة من الاختلالات الإجرائية، وتضرب معايير المحاكمة العادلة التي رافقت القضية منذ بدايتها.
وفي السياق، يقول عضو هيئة الدفاع عن المساجين السياسيين المحامي سمير ديلو للجزيرة نت إن "تحديد جلسة الاستئناف اليوم الاثنين تم بطريقة خلسة، قبل دقائق من غلق أبواب المحكمة الابتدائية (يوم الجمعة الماضي) ودون إعلام مسبق للمحامين أو للمتهمين".
ويضيف أن "ما جرى اليوم يؤكد نمطا من المخاتلة الإجرائية، يهدف إلى تعطيل دور الدفاع ومنع المتهمين من ممارسة حقهم في الحضور العلني، والرد على الاتهامات الموجهة إليهم" وفق تعبيره.
ويشير ديلو إلى أن أغلب المتهمين قاطعو الجلسة اليوم احتجاجا على إجراء المحاكمة عن بعد، وأن بعضهم تم اقتياده لحضورها، من بينهم القيادي في حركة النهضة سيّد الفرجاني الذي أعلن انسحابه من الجلسة ودخوله في إضراب عن الطعام، احتجاجا على ما وصفه بـ "المغالطة وضرب حق الدفاع".
ويضيف ديلو أن قرار التأجيل إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لا يغير من جوهر القضية، التي وصفها بـ "المسار السياسي المغلف قضائيا"، معتبرا أن التسرع في تحديد الجلسة دون إعلام المحامين والموقوفين والمتهمين بحالة سراح يعكس إصرار السلطة على محاكمة المعارضين بعيدا عن أعين الرأي العام.
ويؤكد ديلو أن الجلسة أعادت إلى الأذهان ظروف المحاكمة في الطور الابتدائي، التي شابتها خروقات إجرائية واعتداءات على حقوق الدفاع، وغياب لمبدأ المواجهة العادلة بين الخصوم.
ويضيف أن هيئة الدفاع لم تتقدم اليوم بأي طلبات، "لأن أساس الحق في الدفاع غير متاح في ظل هذه الظروف"، مشدّدا على أن المحامين متمسكون بدورهم في فضح ما اعتبروه "ملفا مفبركا يُستعمل لتصفية الخصوم السياسيين، وصرف أنظار الرأي العام عن الأزمة العامة في البلاد".
ويقول ديلو إن القضية رغم انتقالها إلى مرحلة الاستئناف "ما زالت تحمل الطابع السياسي نفسه الذي رافقها منذ انطلاقها"، مشيرا إلى أن المحامين سيواصلون الدفاع عن موكّليهم، وعن حق الشعب التونسي في معرفة الحقيقة، معتبرا أن "ما يجري ليس مجرد نزاع قضائي، بل صراع بين منطق الدولة القانونية ومنطق السلطة الفردية".
من جانبها تقول الناشطة السياسية شيماء عيسى، والمتهمة في القضية بحالة سراح وحكم عليها ابتدائيا بـ18 سنة سجنا، إن جلسة الاستئناف اليوم جاءت دون إعلام مسبق لها أو لمحاميها، ما جعلها تدرك حجم الضغط النفسي الذي يعيشه المتهمون في غياب ضمانات المحاكمة العادلة.
وتضيف شيماء عيسى للجزيرة نت أن "الهدف من هذه الإجراءات ليس التحقيق أو كشف الحقيقة، بل الترويع السياسي للمعارضين، وإرسال رسائل تهديد لكل من يعبر عن رفضه للإجراءات الاستثنائية للرئيس"، معتبرة أن ما يجري هو محاولة لترهيب المجتمع بأسره وإسكات الأصوات المنتقدة.
وتؤكد شيماء عيسى أنها على الرغم من كل الضغوط والمخاطر القانونية، تبقى مصممة على متابعة الدفاع عن حقوقها وحقوق زملائها المتهمين، منتقدة ما وصفته بغياب المحاكمة العادلة، ما يقوّض ثقة الشعب في العدالة.
وترى شيماء أن القضية تجاوزت حدود النزاع القضائي العادي، وأن الاستهداف السياسي الواضح لكل من يرفض سلطة الرئيس يشكل رسالة تحذير لكل من يفكر في المعارضة السلمية، معتبرة أن محاكمة اليوم تجسّد استمرار أسلوب الابتزاز القانوني والسياسي ضد النشطاء.
بدوره، يقول القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني للجزيرة نت إن "الأحكام الصادرة في الطور الابتدائي ضد عشرات المعارضين هي مؤشر على تصعيد قمع السلطة للمعارضة، وأن ما يجري اليوم هو استكمال لمسار مهزلة قضائية تم فيها تحريك ملفات فارغة بدون أي إثباتات".
ويضيف أن "مطالب المتهمين بعقد جلسة علنية ووجودهم أمام القضاء لم يتم الاستجابة لها"، مشيرا إلى أن غياب الشفافية والإجراءات السرية يعكس رغبة واضحة لدى السلطة في تجنب مواجهة الحقيقة أمام الرأي العام.
ويؤكد العجبوني أن "السلطة إذا كانت تمتلك قرائن أو إثباتات حقيقية، كان ينبغي أن تسعى لعرضها علنا، أما ما يحدث في الوقت الحالي فهو محاولة مستمرة لوأد الحقيقة وتصفية المعارضين"، معتبرا أن القضاة لم يعودوا مستقلين بل يأتمرون بتعليمات السلطة التنفيذية.
ويشير إلى أن هذه القضية تعد الأولى من نوعها بهذا الحجم في تونس، وأنها تشكل وصمة عار على السلطة القائمة، معتبرا أن الهدف من استمرار المحاكمات هو بث الرعب في المجتمع والسيطرة على أي صوت معارض.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة