آخر الأخبار

تحذيرات تركيا ورحيل القوات التركية من قبرص

شارك

رغم أنها دولة لا تحظى بالاعتراف الدولي سوى من تركيا، فإن الانتخابات الرئاسية التي شهدتها جمهورية شمال قبرص التركية، فرضت نفسها على الرأي العام؛ متابعة لوقائعها وتحليلا لنتائجها.

إذ لم تكن المعركة الانتخابية بين مرشحين اثنين رئيسيين، وآخرين ترشحوا بجوارهما، بقدر ما كانت تنافسا شرسا بين مشروعين متضادين، يحددان مصير الجزء الشمالي من جزيرة قبرص للفترة المقبلة.

فالرئيس المنتهية ولايته، أرسين تتار، المقرب من أنقرة، كان يتبنى بطبيعة الحال، حل الدولتين حلا وحيدا للخروج من أزمة الجزيرة.

فيما أتى منافسه، مرشح الحزب الجمهوري، طوفان إرهورمان، من تكتل سياسي يرى أن الحل هو الفدرالية، وإعادة الاندماج مع القبارصة اليونانيين.

نتيجة الانتخابات جاءت على غير هوى أنقرة، إذ فاز إرهورمان بنسبة تجاوزت 60%، فيما عده البعض ضربة سياسية لتركيا، التي تسيطر على الجزء الشمالي من الجزيرة سيطرة تامة وتتحكم في مفاصله وأجزائه، ورغم ذلك سمحت بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة أتت برئيس ليس على توافق- ولو ظاهريا- مع سياساتها وتوجهاتها الإستراتيجية بالنسبة لجمهورية شمال قبرص، وللجزيرة كلها بشكل عام.

من هنا كان الجدل الذي شهدته تركيا في الساعات الأولى التي أعقبت إعلان النتائج الأولى. فيما امتد الجدل -تحليلا وتعقيبا على المشهد- إلى مستقبل القوات التركية في الجزيرة، حيث عده البعض زلزالا إستراتيجيا في منطقة شرق المتوسط.

جدل تركي داخلي

أثار فوز إرهورمان جدلا داخل تركيا ما بين مرحب بما أسفرت عنه صناديق الاقتراع، وبين مطالب بإلغاء تلك النتائج.

فالسلطة الرسمية أعلنت، وعلى الفور، ترحيبها بنتائج الانتخابات، إذ كتب الرئيس، رجب طيب أردوغان، على حسابه على منصة "إكس"، مهنئا إرهورمان بالفوز، ومؤكدا أن هذه الانتخابات: "تثبت مرة أخرى النضوج الديمقراطي للجمهورية التركية لشمال قبرص، وتعكس إرادة القبارصة الأتراك في صناديق الاقتراع".

إعلان

ولم يفت أردوغان التأكيد على أن بلاده ستواصل "الدفاع عن الحقوق والمصالح السيادية للجمهورية التركية لشمال قبرص جنبا إلى جنب مع القبارصة الأتراك على كل منصة".

في موازاة ذلك، رفض رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، الشريك في التحالف الحاكم النتائج، داعيا البرلمان (الذي تسيطر عليه أغلبية داعمة لحل الدولتين) إلى عدم الاعتداد بما أفرزته الصناديق وإلغاء النتائج، إضافة إلى إصدار قرار فوري بالاندماج مع تركيا، وأن تتحول قبرص الشمالية إلى الولاية رقم 82.

لكن بهتشلي عاد وكأنه يتراجع عن كلامه السابق وقال: "قبل الانتخابات، دارت نقاشات كثيرة على القنوات التلفزيونية حول الفدرالية أو حل الدولتين. ولهذا السبب أصدرتُ بيانا فورا، لأنني اعتقدتُ أن شرارة الفدرالية الضئيلة لا ينبغي أن تتحول إلى نار مشتعلة عند فوز مرشح يدعو إلى فكرة الفدرالية".

وأضاف أن القبول بحل الدولة الواحدة في قبرص، سيحفز " القوى في سوريا التي تسعى إلى إقامة اتحاد فدرالي".

سياسات الرئيس المنتخب

سلوك الرئيس المنتخب، إرهورمان، أضفى حالة من الطمأنينة في أنقرة، ففي أول تصريح له عقب إعلان النتائج الأولية قال: "سأقوم بمهامي في السياسة الخارجية بالتشاور الوثيق مع جمهورية تركيا. لا داعي للقلق أو الشك. جميع شؤون السياسة الخارجية ستُدار، بطبيعة الحال، بالتعاون مع تركيا".

هذه المسارعة من جانبه، أراد بها أن يقطع قول كل متشكك، وعدم ترك الساحة للقيل والقال، بما يسمح بتعكير العلاقة بينه وبين أنقرة، إذ يدرك -وهو الرئيس السابق لمجلس الوزراء- أن مفاتيح حياة القبارصة الأتراك هي بيد تركيا فعلا، فالأمر لا يقتصر على شؤون الأمن والدفاع، بل يمتد إلى الغذاء والماء والتعليم …إلخ، فتركيا هي الرئة التي يتنفس بها القبارصة الأتراك.

فعلى سبيل المثال، وفي إطار "البرنامج السنوي الرئاسي 2025" الذي أعدته وزارة الخزانة والمالية التركية، تم الإعلان عن تخصيص 8.5 مليارات ليرة تركية لجمهورية شمال قبرص التركية، مع تخصيص 4 مليارات ليرة تركية إضافية للقروض الممنوحة.

من أجل هذا أعاد إرهورمان التأكيد -خلال حفلة التسليم والتسلم الرئاسية- على ثوابت سياسته وأهمها التالي:


* التأكيد على أن الشعب القبرصي التركي هو أحد الشريكين المؤسسين المتساويَين في هذه الجزيرة، وشريك في كل ما هو موجود على الجزيرة وما حولها.
* شدد على أنه من غير الممكن اتخاذ القرارات في الجزيرة دون إرادة الشعب القبرصي التركي، في مجالات مثل الأمن، والطاقة، والهيدروكربونات، والمسائل البحرية، وطرق التجارة، ومواطنة الاتحاد الأوروبي.
* قال إنه من غير الممكن التوصل إلى حل وسلام دائم واستقرار في الجزيرة من خلال تجاهل القبارصة الأتراك، وتركيا، الدولة الضامنة في المنطقة، وانتهاك حقوقهم وسلطاتهم.
* أكد أن الجمهورية التركية هي الداعم الأهم للقبارصة الأتراك في نضالهم لحماية الحقوق السيادية.
* أعاد التذكير باستمرار التشاور مع تركيا، كما كان يحدث مع الرئاسة السابقة في عهد أرسين تتار.

حرص إرهورمان على التذكير بهذه النقاط وغيرها، في حضور نائب الرئيس التركي، جودت يلماز، الذي كان مشاركا في الحفل، بما يعد رسالة طمأنة واضحة وصريحة لتركيا، وخاصة التحالف الحاكم، وفي مقدمته حزبا العدالة والتنمية، والحركة القومية.

إعلان

كما أنها رسالة للداخل القبرصي التركي، خاصة الأصوات شديدة العداء لتركيا، التي طالبت خلال الأشهر الماضية بطرد السفير التركي، ورحيل القوات التركية!

قبرص.. بؤرة صراع

كل الدلائل تشير إلى أن الجزيرة القبرصية بشقيها التركي واليوناني، هي بؤرة صراع تتشكل في شرق المتوسط، حيث ظهرت أهميتها الجيوستراتيجية بوضوح خلال العدوان الإسرائيلي على مدار عامين على قطاع غزة، وما ارتبط به من عمليات عسكرية ضد لبنان، وإيران

فالجزء الجنوبي من الجزيرة "اليوناني" تحول إلى قاعدة دعم لوجيستي مهم للقوات الإسرائيلية، من خلال مطاراته وقواعده، التي فتحها للقوات الأميركية والأوروبية المساندة، أو من خلال القواعد البريطانية الموجودة في الجزيرة.

حيث تحتفظ بريطانيا "بمناطق سيادية" خاضعة لسيطرتها بشكل كامل، عقب استقلال قبرص عنها عام 1960. وتغطي هذه المناطق مساحة تبلغ 256 كيلومترا مربعا بما يعادل نحو 3% من مساحة الجزيرة، وتضم منطقتين منفصلتين في جنوبي البلاد، هما: "ديكيليا" و"أكروتيري".

كما فتح الشطر الجنوبي من الجزيرة موانئه لاستقبال السفن الفرنسية والألمانية. هذا الحشد العسكري الأميركي الأوروبي، تم توظيفه لتقديم الخدمات الاستخباراتية والعسكرية لتل أبيب.

لكن إسرائيل لم تكتفِ بذلك، بل عمدت إلى تعزيز وجودها العسكري في الجزيرة، حيث سلمت إدارة القبارصة اليونانيين في الجزء الجنوبي، نظام الدفاع الجوي "باراك إم إكس"، والذي يمكنه اعتراض الطائرات المسيرة والمقاتلة، إضافة إلى الصواريخ المجنحة ضمن نطاق 150 كيلومترا، أي بما يغطي جنوب تركيا.

هذه التطورات لم تكن أنقرة غائبة عنها، إذ عمدت هي الأخرى إلى تعزيز وجودها العسكري في الجزيرة.

ففي أغسطس/آب الماضي، تم ترفيع اللواء صباح الدين كلينتش، قائد القوات التركية في شمال قبرص، من رتبة لواء إلى رتبة فريق، وذلك في سابقة غير معهودة، إذ جرت العادة منذ عام 2019 أن يكون قائد القوات برتبة لواء.

وقيل في تفسير الأسباب إنه تمهيد لتحويل قوات "حفظ السلام" الموجودة في الجزيرة إلى جيش متكامل، حيث من المتوقع زيادة عدد القوات التركية العاملة في الجزيرة من 50 ألفا إلى 100 ألف جندي.

كما تواصل وزارة الدفاع، تحديث القوات التركية الموجودة في شمال قبرص، والتي كانت تتكون في السابق من عدد محدود من ألوية المدفعية ووحدات الدفاع الجوي والكتائب الهندسية، فصارت تضم الآن عدة فيالق، إلى جانب العناصر البرية والجوية والبحرية، واللوجيستية والهندسية، والحرب الإلكترونية، وتشكيلات أخرى .

في موازاة ذلك، بدأت أعمال التوسع في القاعدة البحرية في مرمريس-أكساز (داخل تركيا)، التي ستمثل دعما للقوات الموجودة في شمال قبرص، التي يتم بناء قاعدة بحرية جديدة فيها.

رحيل القوات التركية

هذا العرض السابق للتعزيزات العسكرية المتبادلة في شطري الجزيرة التركي واليوناني، يجعل الحديث عن إمكانية تأثير انتخاب إرهورمان على استمرار وجود القوات التركية، ضربا من الخيال.

فالتقديرات الإستراتيجية في أنقرة تولي التحركات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية في الجزء اليوناني من الجزيرة أهمية قصوى، وتصنفها ضمن المخاطر عالية الدرجة التي يجب الاستعداد لها، والتعامل معها بجدية.

ففي حوار متلفز مع إحدى القنوات التركية، حذر وزير الخارجية، هاكان فيدان، القبارصة اليونانيين من تكديس السلاح، والذي قد يغريهم بمهاجمة القوات التركية في الجزيرة، وقال: "إذا ارتكبوا أي فعل جنوني، فالأسلحة شأننا. هؤلاء لم يخوضوا حربا قط. لا ينبغي لهم حتى التفكير في هذه الأمور".

إذن، سيبقى الوضع في الجزيرة على ما هو عليه حتى إشعار آخر، والدول الثلاث الضامنة: (تركيا-بريطانيا- اليونان) تعزز وجودها العسكري بشكل غير مسبوق، كما أن الموقع الجيوستراتيجي الذي تحتله الجزيرة القبرصية شرق المتوسط، لا يحمل أي قوات موجودة فيها على الرحيل، بل يدفعها إلى التشبث بالبقاء مهما كان الثمن.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل أمريكا حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا