شهدت العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية في الآونة الأخيرة نشاطاً دبلوماسياً لافتاً، يتمثل في سلسلة من الزيارات المتبادلة على مستوى رفيع، ما أثار تساؤلات حول خلفيات هذه التحركات المكثفة وأهدافها حالياً ومستقبلاً.
فقد زار إسرائيل خلال الأيام الماضية، فضلا عن الرئيس دونالد ترامب، عدد من أبرز الشخصيات في الإدارة الأمريكية، أبرزهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو ومبعوثا الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنير.
ومن المقرر أن تتوجه إلى إسرائيل يوم الأحد القادم، مورغان أورتيغوس، نائب المبعوث ستيف ويتكوف، في استكمال لسلسلة اللقاءات والمباحثات رفيعة المستوى التي تجمع الطرفين.
هذه الزيارات المتتابعة تعكس بوضوح اهتمام واشنطن بتثبيت وقف إطلاق النار وتعزيز قنوات التواصل المباشر مع إسرائيل، في مرحلة حساسة تشهد فيها المنطقة تحولات سياسية وأمنية متسارعة.
هذا الحراك الأمريكي الكثيف تجاه إسرائيل يثير تساؤلات عديدة في الأوساط السياسية والإعلامية حول ما تطلبه أمريكا من إسرائيل بشأن غزة والمنطقة وما تسعى لمتابعة تنفيذه بدقة عبر كبار مسؤوليها، في مشهد يوصل رسالة أنه "لا مجال للخطأ أو التصرف الفردي غير المنسق".
يقول رئيس مركز القدس للشؤون الأمنية والخارجية دان ديكر لبي بي سي، إن تكثيف الزيارات الأمريكية رفيعة المستوى إلى إسرائيل في الفترة الأخيرة يعكس التعقيدات العميقة والتحديات الكبيرة التي تواجه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وحركة حماس على حد سواء.
وأضاف أن هذه الزيارات، التي وصفها بـ "غير المسبوقة"، تعكس الاهتمام الأمريكي المباشر بمسار تنفيذ خطة الرئيس ترامب المكونة من 20 نقطة للأمن والدبلوماسية في غزة.
أشار ديكر إلى أن الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، تطلب من إسرائيل التحلي بالصبر الاستراتيجي ومواصلة التعاون مع الشركاء الدوليين ضمن إطار خطة 20 نقطة، في حين تواصل إسرائيل التعاون، لكنها "قلقة من الانتهاكات المستمرة من قبل حماس".
وبالرغم من أن بعض التقارير الإسرائيلية أشارت إلى تقليص صلاحيات إسرائيل الأمنية على الأرض، لكن ديكر اعتبر أن هذا لا يعكس توترا أو خلافا جوهريا بين البلدين، بل يأتي ضمن تقييم دقيق لكيفية الحفاظ على الأمن دون تفكيك الاتفاق.
وكان نائب الرئيس الأمريكي فانس قد طالب إسرائيل بأن تمنح الفرصة لتثبيت وقف إطلاق النار.
وبخصوص الوضع في الضفة الغربية، قال ديكر لبي بي سي، إن المنطقة تواجه تحديات متزايدة، ليس فقط بسبب نشاطات حماس، بل أيضاً بسبب خلايا تعمل لصالح النظام الإيراني، الأمر الذي يزيد من خطورة انتشار الأسلحة في أيدي جماعات مسلحة متعددة، على حد تعبيره.
وأضاف: "الضفة الغربية قد تنفجر في أي وقت، وحماس والجهاد مستوحون مما حدث في السابع من أكتوبر".
وكان الرئيس الأمريكي قد صرح في أعقاب تصويت أولي للكنيست الإسرائيلي بضم الضفة الغربية بأنه هذا (الضم) لن يحدث، وهو ما كرره وزير الخارجية ونائب الرئيس في إسرائيل، وأوضح ترامب أنه "تعهد للدول العربية بعدم ضم الضفة الغربية".
أما عن غزة، فتوقع ديكر أن تظل ساحة حرب منخفضة إلى متوسطة الشدة، نظرا لارتباط حماس بالجهاد وعدم قدرتها على التخلي عن السلاح. وأكد أن الغرب بحاجة لفهم الهوية الدينية والأيديولوجية والاستراتيجية لحماس لتحقيق أي نجاح في التعامل معها.
أما يوحانان تسوريف، وهو كبير الباحثين في معهد البحوث الأمنية والقومية في مدينة تل أبيب، يقول إن الزيارات الأمريكية الرفيعة المستوى لإسرائيل في هذه الفترة تعكس إدراك واشنطن أن إنهاء الحرب يتطلب قوة إقليمية ودولية كبيرة، وربما حتى دعم من العالم الإسلامي.
ويضيف أن الإدارة الأمريكية الحالية، وفق تحليله، تسعى لدفع الحرب والصراع نحو نهايتهما، سواء نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها أم لا، معتبرا أن ذلك يعكس فهما أمريكيا لطبيعة الوضع الراهن الذي لا يمكن حله دون تدخل دولي.
ويشير إلى أن القصف الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة أدى إلى توضيح محدودية قدرة إسرائيل على التخلي عن أمنها الوطني، بينما تحرص الولايات المتحدة على عدم الدخول في دعم مباشر يمكن أن يعقد الصورة السياسية.
ويصف تسوريف هذه الديناميكية بأنها "محاولة أمريكية للاستفادة من الوضع كفرصة لإيجاد حل شامل".
فيما يخص طبيعة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة في هذه المرحلة، يرى تسوريف أن واشنطن تسعى إلى أن تتجنب إسرائيل أي خطوات قد تعقد السياسة الأمريكية، مثل توسيع الأراضي أو شن عمليات عسكرية مباشرة في قطاع غزة، بالمقابل، تتوقع إسرائيل من الولايات المتحدة دعماً في تفكيك سلاح حماس وحزب الله في لبنان، لما لذلك من أهمية كبيرة للأمن الإقليمي.
يوضح تسوريف أن واشنطن لا تسعى للسيطرة على الأراضي أو التوسع على حساب سيادة إسرائيل، واصفا ذلك بأنه "نوع من التوازن بين ضمان نهاية الحرب والمحافظة على قدرات إسرائيل الأمنية"، مؤكدا أن أي تقليص محتمل للصلاحيات مرتبط بطبيعة الصراع الحالي وليس بانتهاك السيادة الإسرائيلية.
ويشير إلى مثال ضم الضفة الغربية، حيث رغبت إسرائيل في المضي قدماً بمشروع الضم، لكن واشنطن تدخلت ووقفت ضده، مما يوضح سعي الإدارة الأمريكية لضبط أي خطوات قد تؤثر على التوازن السياسي والأمني، دون أن يعني ذلك التدخل الكامل في سيادة إسرائيل.
ويخلص تسوريف إلى أن السياسة الأمريكية الحالية تجاه إسرائيل تهدف إلى ضمان تحقيق الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل، مع الحفاظ على مصالح إسرائيل الأمنية، ولكن ضمن حدود التنسيق الأمريكي، معتبرا أن هذه المرحلة حساسة وتتطلب تفهما دقيقا للتوازنات بين الاستقلالية الإسرائيلية والدور الأمريكي الفاعل في المنطقة.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة