في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يتساءل خبراء ومحللون عما إذا كان الاتفاق الذي توصلت إليه أفغانستان و باكستان في الدوحة قادرا على معالجة الجذور التاريخية العميقة للنزاع بين البلدين، أم أنه مجرد هدنة مؤقتة ستتبعها جولات جديدة من التصعيد، في ظل وجود "فاعلين مسلحين" من غير الدول وخلافات حدودية وسياسية ممتدة منذ حقبة الاستعمار البريطاني.
جاء هذا الاتفاق التاريخي بعد مواجهات دامية استمرت أياما وخلفت عشرات القتلى والجرحى، ووصلت ارتداداتها إلى العاصمة الأفغانية كابل ، حيث وقعت انفجارات عنيفة.
وشهدت الدوحة -اليوم الأحد- اختراقا لافتا في هذا الملف، بعد أن دخل البلدان في سلسلة مواجهات عسكرية حادة على الحدود المشتركة، ووصلا إلى هدنة مؤقتة الأربعاء الماضي، لكن الحاجة كانت ماسة لاتفاق أكثر ديمومة وشمولية.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية القطرية -في بيان رسمي- اتفاق الجانبين الباكستاني والأفغاني خلال المحادثات على وقف فوري لإطلاق النار وإنشاء آليات تعنى بترسيخ السلام والاستقرار الدائمين بين البلدين، معربة عن أملها في أن يشكل الاتفاق أساسا متينا لسلام مستدام.
ولضمان فعالية هذا الاتفاق، توافق الطرفان -حسب البيان- على عقد اجتماعات متابعة خلال الأيام القليلة المقبلة للتحقق من تنفيذه بطريقة موثوقة ومستدامة، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في البلدين.
وعلى صعيد ردود الفعل الرسمية، أكد وزير الدفاع الأفغاني الملا محمد يعقوب مجاهد -في تصريحات للجزيرة- التزام حكومته الكامل بالاتفاق مع باكستان، مشددا على أن كابل تريد حل كل المشاكل بالحوار، محذرا من أن عدم الالتزام بنصوص الاتفاق وقيام كل طرف بما يحلو له لن يؤدي إلى حل المشكلات، بل ستكبر وسيتسع نطاقها.
من الجانب الباكستاني، أشار وزير الدفاع خواجة محمد آصف إلى اتفاق الجانبين الأفغاني والباكستاني على ضرورة وقف الإرهاب وبذل جهود مشتركة للتخلص منه.
واعتبر الوزير الباكستاني -في مقابلة مع الجزيرة- أن وجود قطر و تركيا ونياتهما الحسنة في التوصل إلى الاتفاق يشكل ضمانة حقيقية لوقف الأعمال الإرهابية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
أولا، يبدو الكاتب والمحلل السياسي محب الله الشريف مستغربا من سرعة التوصل للاتفاق خلال مفاوضات الدوحة، مؤكدا أن أفغانستان وباكستان ليستا جاهزتين لتحمل ضغوط كبيرة بسبب المشاكل التي تواجه كل بلد على حدة.
وفي الإطار نفسه، اعتبر الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية سميع رضا أن المساعي الحميدة لقطر وتركيا جاءت في مقدمة العناصر التي ساعدت على التقريب بين موقفي الدولتين، مشددا على أن كلتا الدولتين لم تريد التصعيد، لكن الأمور خرجت عن نطاق السيطرة.
أما عن المصالح الباكستانية من الاتفاق، فيلفت رضا إلى أن إسلام آباد تريد حدودا غربية آمنة، "وهذا هو الهدف الأهم للحكومة والدولة الباكستانية".
غير أنه أشار إلى تعقيد مهم للصورة يتمثل في وجود "فاعلين من غير الدول" في منطقة الحدود لا يخضعون لسيطرة أي من الحكومتين، موضحا أن هؤلاء الفاعلين يشملون منظمات مسلحة تشن هجمات على أجهزة الأمن الباكستانية داخل باكستان وحتى على المدنيين، وهم غير مقبولين رسميا من حكومتي الطرفين.
من جانبه، ذهب كبير الباحثين في المجلس الأطلسي لشؤون أفغانستان وباكستان عمر صمد إلى تسليط الضوء على الجذور التاريخية للأزمة، موضحا أنها تعود إلى مرحلة الاستعمار البريطاني وتقسيم الهند وعقود من المشكلات التي لم يتم التعامل معها على نحو صحيح، مشددا على مسؤولية البلدين الجارين بتضافر جهودهما للتوصل إلى حل يرضيهما.
وطلب من كلا البلدين الجارين الاستناد إلى الوقائع والأدلة، بدلا من تبادل الاتهامات التي لا يمكن التحقق منها، محذرا من أن تبادل الاتهامات فقط لن يؤدي إلى حلول في نهاية المطاف.
كما دعا إلى وجود تدابير وإجراءات مقبولة لدى الطرفين سواء تمثل ذلك في المراقبة أو تقييم الوضع أو إجراءات بناء الثقة أو إحضار خبراء من بلدان -مثل قطر وتركيا- تلعب دورا مهما.
أما عن التحدي الأكبر المتمثل في التنفيذ الميداني، فقد رأى المحللون أن نجاح الاتفاق يعتمد على آليات التنفيذ على الأرض.
وفي هذا الصدد، أشار الشريف إلى أن أهم جزء سيكون المراحل التنفيذية للاتفاق التي تتطلب وفودا مهنية من الطرفين تدرس الموضوع وتبحث القضايا بصورة جذرية وبكل صراحة وإخلاص، مضيفا أن هذا الاتفاق يفتح المجال للحديث عن القضايا الجذرية بين الجانبين، سواء كان الأمر يتعلق بالأمور الأمنية والاستخباراتية والسياسية.
ومن الناحية الإجرائية والعملية، أوضح رضا أن الآليات التي يتم الحديث عنها تتعلق بإجراءات الرصد والمراقبة الأولية للحوادث التي تقع في منطقة الحدود الدولية بين البلدين، مع الحاجة لإجراءات بناء الثقة التي تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة بدلا من أن تعزز.
وعلى مستوى البيئة الإقليمية المحيطة، أشار رضا إلى أن البلدان الإقليمية -خاصة إيران وبلدان آسيا الوسطى- سيكون لها مصلحة في تحقيق السلام في هذه المنطقة، معتبرا أن أي تصعيد لن يكون لصالح أي من البلدان، في ظل الحروب التي تلوح في الأفق في كل المنطقة حتى الشرق الأوسط .