في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
اتفق محللان فلسطينيان على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى من وراء التصعيد الأخير في رفح إلى تحقيق هدفين متوازيين، أولهما شرعنة المليشيات التي شكّلها الاحتلال داخل قطاع غزة ، وثانيهما إجهاض الجهود الأميركية الرامية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ مراحله المتبقية.
يأتي ذلك بعد أن شهدت مدينة رفح جنوبي القطاع غارات إسرائيلية مكثفة قالت تل أبيب إنها جاءت ردا على خرق الهدنة، في حين نفت حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) الاتهامات الأميركية والإسرائيلية بوقوع أي هجوم من جانبها، مؤكدة أن الاحتلال هو من يواصل ارتكاب الخروقات اليومية.
وفي حديثه من خان يونس ، رأى الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطناني أن ما جرى عند رفح لا يزال غامضا في تفاصيله، لكنه أكد وجود حدث أمني ميداني قد يحمل أكثر من سيناريو، منها انفجار عبوة ناسفة معدة مسبقا أو عملية ميدانية محدودة لمجموعة مقطوع عنها الاتصال من المقاومة.
وأوضح الطناني أن المعلومات المتقاطعة تشير إلى أن ما حدث يتعلق بتحرك أمني لأجهزة الشرطة في غزة ضد مجموعات وصفها بأنها "إجرامية ومتعاونة مع الاحتلال"، مشيرا إلى أن تدخّل الجيش الإسرائيلي تم لحماية تلك المجموعات التي تعتبر -بحسب قوله- جزءا من الخطط الإسرائيلية المستقبلية لإرباك الأمن الداخلي في القطاع.
وأضاف أن التعامل الأمني الفلسطيني مع هذه المجموعات يحظى بتوافق وطني ومجتمعي، إذ ارتكبت تلك العناصر جرائم بحق الفلسطينيين وتعمل لحساب الاحتلال، مؤكدا أن أي تدخّل إسرائيلي لحمايتها يعني فرض وقائع عدوانية جديدة على الأرض تمهد لتفجير الوضع.
وأشار إلى أن فصائل المقاومة -وعلى رأسها حركة حماس- تلتزم بدرجة عالية من الانضباط تجاه اتفاق الهدنة رغم ما سماها "سلسلة طويلة من الخروقات الإسرائيلية" التي بلغت وفق المكتب الإعلامي الحكومي 47 خرقا موثقا منذ إعلان وقف الحرب وأسفرت عن أكثر من 40 شهيدا.
ولفت إلى أن الموقف الرسمي لحركة حماس يتمسك بالاتفاق رغم الضغوط، مؤكدا أن الحركة ترى فيه مصلحة وطنية وإنسانية تستدعي التمسك بها أمام محاولات إسرائيلية متكررة لتفجيره.
وفي السياق ذاته، اعتبر الطناني أن تدخّل نتنياهو الميداني في رفح يعكس رغبة في إعادة صياغة اتفاق وقف إطلاق النار بطريقة تجعل إسرائيل المستفيد الوحيد دون التزام فعلي تجاه البنود الإنسانية، من إدخال المساعدات وفتح معبر رفح إلى ضمان عودة النازحين.
وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول عبر هذا التصعيد التأثير على موقف الإدارة الأميركية بعدما وافق الرئيس دونالد ترامب على بعض التفاهمات الأمنية التي تراجعت واشنطن عنها لاحقا تحت ضغط الحكومة الإسرائيلية.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد إن رواية الإعلام الإسرائيلي بشأن ما جرى في رفح تحمل مؤشرات واضحة على "فبركة وتوظيف سياسي مقصود"، موضحا أن نشر الخبر أولا في القناة الـ14 المقربة من نتنياهو يعني أن العملية إعلاميا تم ترتيبها لتخدم مصلحة الحكومة الإسرائيلية.
وأضاف أن هذه المرة تختلف عن العمليات السابقة التي كانت تبدأ بتسريبات من حسابات غير رسمية قبل أن تقرها الجهات العسكرية، مشيرا إلى أن ظهور الخبر عبر القنوات الرسمية فورا يؤكد وجود نية مسبقة لاستغلال الحدث من جانب نتنياهو وحلفائه من وزراء اليمين المتطرف .
وأوضح شديد أن توقيت الحادثة جاء بعد ساعات من بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي تحدّث عن "هجوم وشيك لحماس" وقبيل وصول وفد أميركي رفيع بقيادة نائب الرئيس، مما يعني -بحسب تقديره- أن تل أبيب استثمرت هذه المزاعم لتقويض التحرك الأميركي نحو تثبيت الهدنة.
ورأى أن بنيامين نتنياهو لا يرغب في الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق التي تتضمن ترتيبات إنسانية وإعادة إعمار، بل يسعى إلى إبقاء الأمور عند حدود المرحلة الأولى، مما يتيح له هامش حركة عسكرية أوسع في القطاع.
وبيّن شديد أن الحكومة الإسرائيلية تحاول من خلال هذه الأحداث تمرير مشروع يقضي بإدخال المليشيات المحلية التي شكلتها –ومنها ما تُعرف بمجموعة أبو شباب- ضمن معادلة التهدئة، لتصبح طرفا معترفا به في المعادلة الأمنية، وهو ما يعني -وفق قوله- محاولة إضفاء الشرعية على هذه العصابات.
وأضاف أن الغارات الجوية التي استهدفت مناطق رفح وجباليا جاءت في هذا السياق، إذ تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية بوضوح عن أن الغارات تهدف إلى حماية مواقع تلك المليشيات التي تعمل بتنسيق مع الاحتلال في شمال وجنوب القطاع.
واعتبر الخبير الفلسطيني أن هذا التوجه يعكس مسعى إسرائيليا لتحويل الصراع الداخلي في غزة إلى اقتتال فلسطيني داخلي، مؤكدا أن نتنياهو يستخدم هذه الورقة لإرباك الساحة الداخلية الفلسطينية من جهة، وللتأثير في حسابات واشنطن من جهة أخرى.
وأشار إلى أن الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش سارعا إلى استغلال الحادثة للمطالبة بعودة الحرب الشاملة، في حين استخدم نتنياهو هذه الدعوات لتبرير تصعيده العسكري أمام الرأي العام الإسرائيلي.
وبينما تتواصل الغارات الإسرائيلية وتتصاعد الدعوات السياسية داخل إسرائيل لاستئناف القتال تواصل طواقم الدفاع المدني في غزة انتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض، وسط دمار واسع خلفته الحرب الأخيرة وصعوبات هائلة في إزالة الركام المقدر بأكثر من 55 مليون طن وفق الأمم المتحدة .
وفي ظل هذه الأوضاع، يرى محللون أن إسرائيل تحاول عبر خلق أزمات أمنية متتالية الإبقاء على التوتر داخل القطاع، وإفشال أي جهد دولي يقود إلى استقرار حقيقي أو إعادة إعمار جادة، في حين تحاول حماس الحفاظ على التهدئة لتفادي منح الاحتلال ذريعة للعودة إلى الحرب المفتوحة.