عادت معدلات القتل والبطالة في دولة جنوب أفريقيا إلى مستويات مرتفعة لم تُسجّل منذ نهاية نظام الفصل العنصري ، وقد اخترقت عصابات إجرامية عالمية مؤسسات الدولة، وفق تقرير نشره موقع "أفريكا ريبورت".
وحمّل التقرير القادة السياسيين والاقتصاديين مسؤولية هذا التدهور بسبب غياب القيادة، وتراجع أداء المؤسسات.
وقال الرئيس السابق كغاليما موتلانثي في ختام منتدى "النمو الشامل" الذي نظّمته مؤسسته في عطلة نهاية الأسبوع بضواحي جوهانسبرغ إن "اليأس ليس خيارا".
وموتلانثي سياسي جنوب أفريقي بارز، شغل منصب رئيس البلاد لفترة انتقالية بين سبتمبر/أيلول 2008 ومايو/أيار 2009، بعد استقالة الرئيس ثابو مبيكي.
وخلال المناقشات، صعد رجال أعمال وقادة سياسيون ومحللون وأكاديميون إلى المنصة واحدًا تلو الآخر للتعبير عن شعور بالإحباط من المسار الذي تسلكه البلاد، بعد 7 سنوات من تولّي الرئيس سيريل رامافوزا الحكم خلفًا لـ جاكوب زوما ، وتعهدّه بمكافحة الفساد واسع النطاق.
وقال القاضي المتقاعد إدوين كاميرون، الذي يشغل حاليًا منصب القاضي المراقب لخدمات السجون، إن معدل القتل في جنوب أفريقيا عاد إلى ما كان عليه "عام 1994، خلال الاضطرابات التي جلبت لنا الديمقراطية".
فبعد الانتقال إلى الديمقراطية، انخفض معدل القتل تدريجيًا ليصل إلى أدنى مستوياته عام 2011، لكنه يبلغ الآن نحو 27 ألف جريمة قتل سنويًا.
وأضاف كاميرون "إنها مشكلة يمكننا حلّها. نحن النخبة، خلقنا هذه المشكلة".
وأوضح أن ذلك حدث نتيجة الاعتقاد بأن العقوبات الإلزامية ستكون الحل السحري للحد من الجريمة، بينما يتطلب الأمر إصلاحًا شاملًا لمنظومة العدالة الجنائية لضمان محاسبة جميع الجناة.
أما وزير الشرطة فيروز كاشاليا، فقال إن الفساد البنيوي واختراق "مؤسسات السلطة السياسية والبيروقراطية والقطاعات الاقتصادية" بات يشكّل تهديدًا للأمن القومي في البلاد.
وأضاف "هذه ليست مجرد جرائم. لا يمكن فهم هذه الظواهر أو معالجتها على أنها أفعال إجرامية فردية فقط".
وشدّد على ضرورة تعزيز مؤسسات مكافحة الفساد في جنوب أفريقيا، معتبرًا أن الأمر "مشروع طويل الأمد لا حلول سريعة له".
ورغم مشاكل الشرطة، قال كاشاليا إنها لا تزال تحتفظ بقيادة كفؤة على مختلف المستويات، ولها حضور وطني واسع.
وكانت مزاعم قد أُثيرت باختراق عصابات إجرامية جهاز الشرطة بعد أن اتّهم الجنرال نهلانلا مخوانازي (مفوّض شرطة كوازولو ناتال) وزيرَ الشرطة السابق سينزو مكونو بالتدخّل في عمل الشرطة.
وقال كاشاليا أيضا إن التحقيقات القضائية والبرلمانية في هذه المزاعم "ستسلّط الضوء على منطقة مظلمة" وستساعد في "إعادة ضبط أجندة الأمن والسلامة".
وفي حديثه لمجلة "ذا أفريكا ريبورت" اعتبر أن هذه التحقيقات دليل على أن مؤسسات جنوب أفريقيا لا تزال تعمل.
وبشأن البطالة، قالت الخبيرة الإستراتيجية والاقتصادية والأكاديمية مريم ألتمان إن معدلات البطالة تراجعت أيضًا، مشيرة إلى أن النسبة الحالية أعلى مما كانت عليه عام 1990، حين بدأ الخبراء البحث عن حلول، وكانت البطالة وفق التعريف الضيّق تبلغ 30%.
وأضافت ألتمان التي استعانت بها الحكومة في التسعينيات لدراسة سبل تعزيز التوظيف "انخفضت البطالة إلى نحو 22% حتى عام 2008، لكنها الآن أعلى مما كانت عليه عند البداية".
وتبلغ نسبة البطالة حاليًا نحو 33% وفق التعريف الضيّق، و41% وفق التعريف الموسّع الذي يشمل الباحثين المحبطين عن العمل.
وأوضحت الخبيرة ألتمان أن تقليص البطالة كان ممكنًا في فترات قصيرة سابقًا، لكنها "تعود مجددًا" ربما بسبب ضعف التنمية الاقتصادية وأنظمة النقل العام على المدى الطويل.
وقالت "نحن في نقطة علينا فيها التفكير في كيفية التعامل مع الأمور، لأننا ندور في حلقة مفرغة، وهذا هو الركود. نحن لا نقف ساكنين، بل نتحرك كثيرًا، لكننا لا نتقدّم".
وشدّدت على أن تعزيز المؤسسات أمر جوهري في أوقات عدم اليقين مثل الوقت الراهن.
من جانبه، قال مسيبيسي جوناس رئيس مجلس إدارة شركة "إم تي إن" والمبعوث الخاص للولايات المتحدة إن العديد من هذه المشاكل يمكن حلّها عبر قيادة سياسية قوية، منتقدًا غيابها لدى الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي لا يزال عضوًا فيه.
وأضاف أن حكومة الوحدة الوطنية، الائتلاف الحاكم بين عدة أحزاب بعد انتخابات العام الماضي بقيادة رامافوزا، لم توحّد الشعب أو تحسّن الحوكمة كما كان مأمولًا.
رئيس جنوب أفريقيا رامافوزا في مؤتمر بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025 (الفرنسية)وقال جوناس أيضا "بل على العكس، تصاعدت حالة الاستقطاب الوطني. وتبدو حكومة الوحدة الوطنية مجرد غطاء لغياب السلطة المركزية".
وانتقد حزبه أيضًا، الذي شغل فيه مناصب قيادية ونائبًا لوزير المالية سابقًا، قائلًا "جزء من سبب عدم قدرة حكومة الوحدة على الاتفاق على طريق للمضي قدمًا هو أن حزب المؤتمر الوطني منقسم ومفكك".
وأضاف جوناس "الحزب لا يقدّم قيادة موثوقة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ولم يُظهر أي مسار واضح للتنفيذ. وفي ظل التقلبات الجيوسياسية، لم يتمكن من تقديم استجابة متماسكة أو قابلة للتطبيق".
تأتي هذه الانتقادات بعد أسبوع من إعلان رامافوزا برنامجا جديدا للتعافي الاقتصادي، وفي وقت قال فيه وزير التجارة والصناعة والمنافسة باركس تاو إن جنوب أفريقيا "قريبة" من إبرام اتفاق بشأن الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة.
ويعمل جوناس مبعوثا خاصا من خارج الولايات المتحدة، بعد أن فتحت وزارة العدل الأميركية تحقيقًا بشأن تعاملات مشبوهة لشركة "إم تي إن" في إيران عام 2006، مما حال دون حصوله على تأشيرة دخول.
الفقر والبطالة وارتفاع معدلات الجريمة أكبر المشكلات التي تواجه جنوب أفريقيا (غيتي إيميجز)ولم تعيّن جنوب أفريقيا سفيرًا جديدًا بعد طرد إبراهيم رسول من واشنطن في مارس/آذار الماضي.
وقال جوناس إن هناك "قوى عالمية" تلعب دورًا في المشهد، تجمع بين الحنين إلى الفصل العنصري من جهة، والشعبوية الأفريقية من جهة أخرى، وتسعى إلى "زرع الانقسامات داخل المجتمع الجنوب أفريقي" محذرًا من مستقبل قد تهيمن فيه "النزعة السلطوية ومعاداة الدستور".
وختم بالقول "أبرز أعراض هذا التدهور هو تدمير مؤسساتنا.. الانهيار المتواصل في الإدارات الحكومية التي يفترض أن تخدمنا جميعا".