في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
عمّان- لم تعد مشاهد الكلاب الضالة التي تجوب الأحياء السكنية ليلا وتهاجم الأطفال والمارة صباحا أمرا عابرا في المدن الأردنية، بل تحولت إلى ظاهرة مقلقة تؤرق المواطنين وتثير جدلا مجتمعيا واسعا بين من يطالب بإعدامها حفاظا على سلامة الناس، ومن يرى أن القتل ليس حلا مستداما، بل تعقيمها للسيطرة على تكاثرها.
ومع تزايد حوادث العقر ووقوع وفيات تصاعدت الأصوات المطالبة بوضع خطة وطنية متكاملة تعالج المشكلة من جذورها، بعيدا عن الحلول الموسمية وردود الأفعال المؤقتة.
وفي أحياء العاصمة عمّان -ولا سيما في مناطقها الشرقية- لا يكاد يخلو حي من شكاوى الأهالي بشأن قطعان الكلاب الضالة التي تتجول بحرية قرب المدارس والمنازل والمحال التجارية، ولا تقتصر هذه الظاهرة على العاصمة، بل تمتد إلى مدن أخرى مثل الزرقاء و إربد والكرك والمفرق.
وتتلقى البلديات هناك عشرات البلاغات يوميا عن انتشار الكلاب، خصوصا في المناطق الزراعية والمكشوفة، في حين يشير سكان بعض القرى إلى أن هذه الكلاب تحاصر المزارع ليلا وتهاجم المواشي أحيانا.
وعن ذلك، يقول نضال أبو دواس -وهو أب لـ3 أطفال ويسكن في منطقة ماركا بعمّان- إنه بات يخشى خروج أطفاله صباحا للمدرسة، فالكلاب تتجمع قرب الحاويات لتشكل خطرا حقيقيا في الأزقة السكنية.
ولفت في حديثه للجزيرة نت إلى أنه أصبح معتادا أن يرافق الآباء أبناءهم أثناء ذهابهم إلى المدرسة صباحا، لتجنب التعرض لمضايقات الكلاب الضالة.
وفي محافظة الزرقاء، أظهرت كاميرات المراقبة هجوما شرسا لمجموعة من الكلاب على سيدة كانت في طريقها إلى عملها، مما أثار موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن تكررت مثل هذه الاعتداءات في أكثر من منطقة.
وحذر نقيب الأطباء البيطريين الأردنيين الأسبق الدكتور عبد الفتاح الكيلاني من تصاعد ظاهرة الكلاب الضالة في الأردن ، لافتا في حديثه للجزيرة نت إلى خطورتها على سلامة المواطنين، ولا سيما الأطفال، مبينا أن "الإجراءات الحالية لمعالجتها متأخرة ولا تحقق الفعالية المرجوة".
وأوضح الكيلاني أن القرارات الدولية تحظر قتل الكلاب الضالة وتشجع على اللجوء إلى عمليات التعقيم كحل بديل، مشيرا إلى أن هذه القرارات تصدر باسم مبدأ الرفق بالحيوان، لكنها لا تترافق عادة مع دعم كاف للدول النامية التي تواجه هذه الظاهرة.
وأشار إلى أن وزارة الصحة تنفق سنويا أكثر من 5 ملايين دولار على المطاعيم والأمصال لعلاج داء الكلب، في ظل تزايد عدد حالات العقر في الأردن.
من جانبها، أطلقت أمانة عمّان الكبرى برنامج "إيه بي سي" لتعقيم الكلاب الضالة كبديل عن القتل، وذلك بالتعاون مع جمعيات محلية ودولية معنية برعاية الحيوان والرفق به.
بدورها، قالت مديرة دائرة ضبط ناقلات الأمراض ورعاية الحيوان في أمانة عمّان الكبرى المهندسة شتورة العدوان إن البرنامج "يقوم على جمع الكلاب الضالة من الشوارع وتعقيمها عبر استئصال أعضائها التناسلية وتطعيمها ضد الأمراض، ثم إعادتها إلى أماكنها الأصلية بعد توثيق بياناتها في مركز رعاية الحيوان".
وأوضحت العدوان في تصريحات لها أن تنفيذ البرنامج يواجه جملة من التحديات، أبرزها ضعف التمويل المالي ونقص الكوادر البيطرية المؤهلة، بالإضافة إلى الممارسات السلبية من بعض المواطنين مثل إلقاء النفايات بشكل عشوائي أو تربية الدواجن داخل الأحياء السكنية، وهي سلوكيات تسهم في جذب الكلاب وتشجعها على البقاء والتكاثر في تلك المناطق.
وأمام تزايد الحوادث المؤسفة -وآخرها وفاة مواطن في منطقة الخالدية بمحافظة المفرق بعد إصابته بداء الكلب- دخل مجلس النواب على خط الأزمة بعدما وجهت النائبة بيان المحسيري سؤالا إلى الحكومة عن أسباب انتشار الكلاب الضالة والإجراءات المتخذة للحد منها، وطالبت بعقد اجتماع مشترك لـ6 لجان نيابية لبحث الظاهرة ومساءلة الجهات المعنية.
الكلاب الضالة تحتل ساحات مستشفى الرمثا الحكومي والأردنيون يترقبون هبة اعضاء مجلس النواب غدا الاثنين ضد الظاهرة pic.twitter.com/H0c6Ha48Re
— خبرني – khaberni (@khaberni) October 12, 2025
وأكدت المحسيري في حديثها للجزيرة نت أن "القضية لم تعد محلية أو إنسانية فحسب، بل باتت مرتبطة بالأمن المجتمعي والصحة العامة"، مشيرة إلى أنها ستواصل متابعة هذه القضية حتى يتم التوصل إلى معالجة جذرية وشاملة لها، داعية الحكومة إلى توضيح المعاهدات الدولية التي وقّعها الأردن في هذا المجال، وحجم التمويل المرتبط بها.
وتشير بيانات وزارة الصحة الأردنية إلى أن نحو 946 شخصا تعرضوا لحالات عقر منذ مطلع العام الجاري، معظمها من كلاب ضالة، في حين تؤكد إحصاءات المركز الوطني للأوبئة والأمراض السارية أن الكلاب مسؤولة عن أكثر من 86% من حوادث العقر المسجلة.
الكلاب الضالة تهاجم سيدة في مشهد مرعب بالزرقاء الجديدة..!!
شاهد واسمع الفيديو لإحدى المدافعات عن حقوق الكلاب الضالة..!! #الأردن pic.twitter.com/bRs8sNEEgQ
— فراس الماسي | Firas Almasi 💎 (@FAlmasee2) February 21, 2023
من جهتها، تصنف منظمة الصحة العالمية الأردن ضمن الدول "عالية الخطورة" فيما يعرف بداء الكلب، مما دفع المركز الوطني لمكافحة الأوبئة إلى إطلاق خطة وطنية للوصول إلى "أردن خال من داء الكلب" تتضمن تدريب الأطباء وتحديث بروتوكولات العلاج.
ويشير خبراء إلى أن انتشار الكلاب الضالة لا يشكل فقط خطرا صحيا، بل أيضا عبئا ماليا على النظام الصحي، إذ يكلف علاج حالات العقر وتوفير اللقاحات عشرات الآلاف من الدولارات سنويا، في وقت يمكن خفض هذه الأرقام عبر الوقاية الميدانية وبرامج التعقيم.
ويرى الخبراء أن مشكلة الكلاب الضالة في الأردن ستبقى ملفا مفتوحا تتداخل فيه العوامل الصحية والبيئية والإنسانية وتتجاوز الجانب البيئي إلى أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، إذ ينظر بعض الأردنيين إلى الكلاب باعتبارها "رمزا للخطر"، في حين تراها فئات أخرى حيوانات أليفة أو ضرورية لحماية المزارع والممتلكات.