يرى خبراء ومحللون سياسيون فلسطينيون تحدثوا لـ"سكاي نيوز عربية" أن خطاب خليل الحية، رئيس حركة حماس في قطاع غزة وكبير مفاوضيها، حمل رسائل متعددة الأبعاد، ركزت على تثبيت سردية "النصر" في أذهان جمهور الحركة، رغم ما تعرض له القطاع من دمار بشري ومادي واسع خلال الحرب.
وبحسب الخبراء، فإن الخطاب حاول إعادة تأطير اتفاق وقف إطلاق النار كحصيلة "صمود" وتفاوض من موقع قوة، لا كنتيجة لضغوط عسكرية، بالاستناد إلى ربط وقف إطلاق النار بعدة شروط، أبرزها جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي، وتبادل للأسرى، وضمانات أميركية، بما يقدم على أنه مكاسب وطنية وسياسية.
وجه الحية رسائل مركبة للداخل الفلسطيني وللخارج الإقليمي والدولي في آن معا، حيث طمأن القاعدة الشعبية لحماس بأن "الحرب انتهت" بضمانات دولية، وشكر في الوقت ذاته الوسطاء الإقليميين والحلفاء.
لكن الخطاب تجنب الحسم في قضايا كبرى، مثل نزع سلاح حماس أو مستقبل الحكم في غزة، ما اعتبره محللون محاولة لترك هامش من المناورة السياسية لمراحل مقبلة قد تكون أكثر تعقيدًا.
وواجه انتقادات من بعض الفلسطينيين الذين رأوا أن الاتفاق لم يحقق أهداف 7 أكتوبر الكاملة (مثل تحرير القدس أو الأقصى). هذا يعكس الانقسام بين رؤية حماس الواقعية (إنهاء الحرب) والتوقعات الشعبية العالية.
تثبيت سردية النصر
يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني زيد الأيوبي، إن الحية قدم الوقف والانسحاب والتبادل باعتبارها مكاسب نتجت عن صمود الغزيين، وهو تأطير سياسي هدفه ترسيخ أن ما تحقق هو ثمرة مقاومة وتفاوض لا تنازل مجاني لإنهاء الحرب، وهو استهدف بالدرجة الأولى جمهور حركة حماس، في رسائل تأكيد على قوة ومكانة الحركة، أي أن حماس في غزة اليوم هي الحركة قبل 7 أكتوبر 2023، وهو أمر غير موجود على أرض الواقع.
وتابع الأيوبي، أن الحية قدم سردية الإفراج عن الأسرى والانسحاب كمعايير قياس، بإطلاق سراح 250 محكوما بالمؤبد و1700 من معتقلي غزة بعد 7 أكتوبر، إضافة إلى النساء والأطفال، وربط ذلك بانسحاب القوات وإدخال المساعدات وفتح رفح في الاتجاهين، هذه العناصر قابلة للتحقق الإعلامي والجماهيري سريعًا، ما يجعلها اختبارًا مباشرًا لسردية النصر التي يروج لها الخطاب.
كما لفت إلى أن "توظيف حماس عبارات من قبيل: كنا رجالا على طاولة المفاوضات كما كنا في الميدان، وتقديم المفاوض الفلسطيني في صورة الند، هي رسالة موجهة إلى الداخل وإلى إسرائيل معا"، لكنه اعتبر أن "الحركة هزمت في الحرب وهي منفصلة عن الواقع، والشعب الفلسطيني يستحق الخلاص منها".
ويضيف أن "أخطر ما في الاتفاق هو الملاحق السرية التي أعطت إسرائيل سيطرة أمنية كاملة على القطاع وأطلقت يد نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) في تقرير متى يعود للحرب، بالإضافة إلى أن حماس وافقت على التخلي عن 40 بالمئة من مساحة غزة من جهة الشمال كمساحة عازلة، وهو ما يشكل هزيمة للحركة بعد إعلانها أن هدف عملية طوفان الأقصى تحرير الأسرى والقدس وفلسطين لتنتهي بسيطرة إسرائيل على القطاع أمنيا".
تثبيت صورة الحركة
بدوره، رأى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن خطاب الحية جاء موجها بشكل أساسي للشارع المؤيد لحماس، وسعى إلى تعزيز صورة الحركة كمقاومة ثابتة لم تتنازل رغم التضحيات.
وأكد الرقب أن الخطاب أشار إلى صمود الشعب الفلسطيني، وربط بين الميدان والتفاوض من خلال عبارات مثل: "كنا رجالا في الميدان وعلى طاولة المفاوضات"، وهي رسائل رمزية تهدف لتعزيز ثقة الشارع بالحركة.
وفيما يخص ملف سلاح حماس، أوضح الرقب أن الخطاب تجنب الحديث عنه بشكل مباشر، معتبرا أنه موضوع سابق لأوانه في ظل الضغوط الدولية المكثفة لنزع سلاح الحركة، وفي ظل رغبة كافة الأطراف حاليًا بتركيز الجهود على تثبيت وقف إطلاق النار واحتواء التصعيد.
وقال جهاد الحرازين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن "خطاب خليل الحية لم يحمل أي جديد يذكر، وتجاهل بشكل واضح حجم الكارثة والدمار والمعاناة التي لحقت بالشعب الفلسطيني خلال الحرب الأخيرة".
واعتبر الحرازين أن الخطاب أغفل الإشارة إلى القتلى، والدمار الشامل، ومأساة المدنيين الذين فقدوا كل شيء، مضيفًا: "حتى حركة حماس نفسها لم تدرك بعد حجم الكارثة التي أوقعت بها الشعب الفلسطيني في 7 أكتوبر".
وشدد الحرازين على أن الحديث عن نصر في مثل هذا السياق يعد تضليلاً للرأي العام، مشيرًا إلى أن ما جرى لا يمكن اعتباره سوى كارثة وطنية وإنسانية، وقال: "من يتحدث عن نصر اليوم هو منفصل تمامًا عن الواقع.. ما حدث كارثة تاريخية دفع الشعب الفلسطيني ثمنها وحده".
وأوضح أن موافقة حماس على المفاوضات وخطة ترامب جاءت بعد ضغوط مكثفة من الوسطاء، وتهديدات مباشرة من الإدارة الأميركية، مضيفًا أن الحركة قبلت في النهاية بشروط كانت مطروحة في مبادرات سابقة، سبق أن رفضتها.
كما أشار إلى أن حماس وافقت على الاتفاق بعد الحصول على ضمانات بعدم المساس بقياداتها أو أموالها، قائلاً: "هذه هي الأولوية الحقيقية للحركة... حماية قيادتها ومصالحها، لا حماية الشعب الفلسطيني".
واتهم الحرازين حركة حماس باتباع "سياسة انتهازية" في التعاطي مع الكارثة التي حلت بغزة، قائلاً إن خطاب الحية لم يتحمل مسؤولية ما جرى من إبادة جماعية ارتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، بل على العكس، اعتبر أنه جزء من صبر أهل قطاع غزة.
وقال إن "حماس اليوم باتت غير مرغوبة شعبيًا ولا إقليميًا، وهي غير جديرة بالشعب الفلسطيني.. الخطاب الأخير كشف عن عمق الأزمة الأخلاقية والسياسية التي تعانيها الحركة".