في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في أعقاب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، عاد الحديث بقوة بشأن إمكانية منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب جائزة نوبل للسلام، بعد دعوات صريحة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
تصريحات نتنياهو على منصة "أكس" دعت إلى تكريم ترامب، معتبرًا أن جهوده تستحق الجائزة، وهو ما يفتح باب التساؤلات بشأن الدوافع الحقيقية وراء إصرار ترامب على هذا التقدير الدولي، وما القيمة التي يمكن أن تضيفها له هذه الجائزة في ظل مسيرته الجدلية.
خطوة استراتيجية في لحظة حرجة
يرى خبراء أن إنجاز ترامب في غزة ليس مجرد خطوة محلية محدودة، بل يمثل جزءًا من ملف إقليمي معقد، لم تنجح فيه الدبلوماسية الأميركية لعقود.
في هذا السياق، أوضح سمير التقي، الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، خلال حديثه لـ"التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، أن ما تحقق في غزة هو جزء من "إحدى أهم الأزمات في القرن العشرين والحادي والعشرين"، وأن التقدم نحو حلها يمثل منعًا لانزلاق المنطقة إلى صراعات أوسع.
وأشار التقي إلى أن الاتفاق الحالي يعد مرحلة أولى، ولكنها حُيكَت بحذر ودقة كبيرة، بمشاركة مجموعة من الشخصيات الأميركية والخبراء في السياسة الخارجية، مثل روبيو وويتكوف وكوشنر، الذين عملوا على ضبط اللاعبين وفهم التعقيدات الإقليمية واستخراج العوامل التي تعقد المفاتيح الدبلوماسية.
وأضاف: "لو لم تُقارب هذه القضايا بهذه الدقة، لما كان بالإمكان الوصول إلى المرحلة التكتبية التي نشهدها الآن".
المقارنة بالمسار الدبلوماسي السابق
ويبرز التقي أهمية المقارنة بين إدارة ترامب وسابقيه في البيت الأبيض، خصوصًا جورج بوش. ففي حينه، كان التركيز على القضية الفلسطينية محدودًا، حيث بدأت مفاوضات مدريد الأولى والثانية، إلا أن دعم الولايات المتحدة للعملية الدبلوماسية تخمد تدريجيا، ما فتح المجال لإيران وقوى أخرى للاستفادة من الأزمة وتعقيد الوضع.
ويقول التقي: "العملية الحالية أكبر بكثير من مجرد غزة أو القضية الفلسطينية؛ إنها تحرك إقليمي واسع ينسق بين الولايات المتحدة والدول العربية، ويعيد ترتيب الأدوار في منطقة استراتيجية تمتد من باكستان إلى المغرب".
الدور العربي الحاسم
من أبرز سمات الاتفاق الحالي هو الدور البارز للدول العربية، خاصة مصر و السعودية و قطر و الإمارات، التي شاركت في صياغة مسار شامل للتفاهمات.
وقد ساهم هذا التوافق في منح الاتفاق شرعية سياسية وإقليمية، ووضع ترامب في موقع يستطيع من خلاله عرض إنجاز دبلوماسي ذو أبعاد استراتيجية، وليس مجرد إنجاز محلي في غزة.
وأكد التقي أن هذا الدور العربي كان أساسا لنجاح العملية، في ظل ما وصفه بـ"عزلة نتنياهو وفقدانه القدرة على المبادرة الكاملة في الإقليم".
وأضاف: "نتنياهو احتكر القرار، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية للبحث عن حل يعيد لها القدرة على المبادرة والدور الفاعل في المنطقة".
الطموح الشخصي والقيمة الرمزية للجائزة
بالرغم من الجدل حول قيمة جائزة نوبل للسلام، فهي تمنح حاملها تقديرًا دوليًا ورمزًا يعزز صورته في السياسة العالمية.
ترامب، بحسب المراقبين، يرى في هذه الجائزة وسيلة لإضفاء شرعية على إنجازاته، خصوصًا بعد سنوات من الانتقادات حول أسلوبه في السياسة الداخلية والخارجية.
يشير التقي إلى أن إنجاز ترامب في غزة يمثل إنجازًا إقليميًا معقدًا، إذ إنه يتجاوز مجرد إدارة نزاع فلسطيني-إسرائيلي، ليشمل ترتيب العلاقات الدولية والإقليمية، وضبط اللاعبين الرئيسيين، وإعادة الدور الأميركي إلى صميم الصراعات في الشرق الأوسط.
إعادة رسم الخريطة الدبلوماسية
وفق التقي، ما تحقق ليس مجرد "وقف نار"، بل انعطاف دبلوماسي يمكن أن يغير ديناميكيات الصراع الدولي في المنطقة.
هذا الإنجاز يأتي في وقت يشهد انهيار منظومة القطب الواحد واندفاع الولايات المتحدة وأوروبا لإعادة التموضع.
ويضيف: "يجب الانتباه لدور أوروبا التي تحاول إيجاد مكان لنفسها في هذه اللعبة الإقليمية"، مؤكدًا أن الاتفاق الحالي يمثل بداية لتحرك أوسع في الشرق الأوسط، يضع الدول العربية في قلب صياغة السياسات الإقليمية.
يمكن القول إن إصرار ترامب على نوبل للسلام ليس رغبة في التقدير الشخصي فقط، بل يعكس طموحًا دبلوماسيًا واستراتيجيًا: استثمار إنجاز إقليمي معقد، تعزيز الدور الأميركي في الشرق الأوسط، الاستفادة من الشرعية السياسية العربية، وإضفاء رمز دولي على جهوده في حل صراعات إقليمية طويلة ومعقدة.
الخبراء يشيرون إلى أن هذا الإنجاز، مهما كان محدودًا مقارنة بالتحديات الكبرى، يمثل خطوة مهمة لإعادة ترتيب الأدوار في المنطقة، ويعيد طرح الدور الأمريكي والقيادة العربية في صياغة مستقبل السلام الإقليمي.
بالنسبة لترامب، الحصول على نوبل للسلام سيكون بمثابة ختم دولي على هذا الجهد، وتعزيز لموقعه السياسي على الصعيد العالمي، وسط سجال مستمر حول جدوى هذه الجائزة والقيمة الرمزية التي تمنحها للشخصيات الجدلية.