آخر الأخبار

عفو رئاسي عن تونسي يثير جدلا حول تدخل الرئيس في القضاء

شارك

تونس- أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيد إصدار عفو خاص عن المواطن صابر شوشان، المحكوم ابتدائيا بالإعدام بسبب تدوينات تنتقد الرئيس على مواقع التواصل، جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والحقوقية.

وجاء القرار في وقت، استُبعد فيه المساجين السياسيون من أي إجراءات مماثلة رغم تدهور أوضاعهم الصحية وتقدم سن بعضهم، وعلى رأسهم زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي .

ورغم أن الإفراج عن شوشان خفف من وطأة الصدمة التي أحدثها الحكم بالإعدام، إلا أن هذا القرار عمّق شعورا بالتمييز لدى عائلات الموقوفين السياسيين، الذين ينتظرون منذ أشهر أي بادرة إنسانية من رئاسة الجمهورية تشمل أبناءهم.

تحت الضغط

ترى المعارضة التونسية أن تحرك الرئيس سعيد جاء تحت ضغط الرأي العام الوطني والدولي لإطلاق سراح مواطن، بينما لم تمتد إرادته السياسية إلى المعتقلين السياسيين من قياداتها، ومنهم الذين يعيشون في ظروف قاسية داخل السجون.

وقال القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي، للجزيرة نت، إن قضية صابر شوشان اتخذت أبعادا إنسانية عميقة بعد الحكم عليه بالإعدام لمجرد تدوينات تنتقد الرئيس، مضيفا أن تدخل قيس سعيد بإصدار عفو خاص جاء تحت ضغط الرأي العام الداخلي والخارجي.

وأوضح أن هذا التدخل لا يمكن قراءته كتحول في نهج السلطة، مشيرا إلى أنه لا مؤشرات تلوح في الأفق تشمل العفو عن المساجين السياسيين الذين تدهورت صحتهم في السجون.

وأكد الشعيبي أن وضع زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي مثال على ذلك، إذ يبلغ من العمر 85 عاما، ويعاني من أمراض مزمنة ويعيش في زنزانة في ظروف صعبة قد تهدد حياته.

كما أشار إلى الحالة الصحية الحرجة لوزير الفلاحة الأسبق والقيادي السابق بحركة النهضة محمد بن سالم، الذي يعاني من أمراض مزمنة جعلته شبه مقعد بعد فترة قضاها في السجن، وقد رُفضت طلباته المتكررة لنقله من إقامته الجبرية حاليا في محافظة قابس إلى العاصمة لإجراء عملية جراحية دقيقة.

إعلان

وأضاف الشعيبي أن منذر الونيسي رئيس حركة النهضة بالنيابة يعاني من فشل كلوي وتعرض للاعتداء داخل السجن، لكن الجهة المعتدية لم تُحاسب رغم ما تردد عن إيقافها إداريا، واعتبر أن تجاهل مثل هذه الحالات يبعث برسائل سلبية عن احترام حقوق الإنسان في تونس.

خرق قانوني

وفي تقييمه لقرار العفو الخاص، رأى الشعيبي أن الرئيس اضطر للإفراج عن صابر شوشان بعد موجة الاستنكار الواسعة، لكنه لم يحترم الإجراءات القانونية التي تقتضي انتظار مرحلة الاستئناف، ما يعزز شبهة تدخله في القضاء ويطرح أسئلة حول استقلاليته.

وأشار إلى أن القانون لا يسمح بإطلاق سراح شخص لم يصدر بحقه حكم، متسائلا "كيف يمكن لمحكوم بالإعدام أن يسير حرا في الشارع دون انتهاء المسار القضائي؟".

من جانبه، اعتبر القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني أن ما جرى يعكس استمرار الرئيس في التحكم بالنيابة العمومية، رغم تراجعه رسميا عن هذا الدور منذ صدور المرسوم الرئاسي 117 في يوليو/تموز 2021، أي منذ إعلانه التدابير الاستثنائية.

وأكد في حديثه للجزيرة نت، أن تصريحات الرئيس المتكررة قبل إيقاف المعارضين في حملة اعتقالات واسعة منذ فبراير/شباط 2023، والتي وصفهم فيها بالإرهابيين والفاسدين، إضافة إلى عزله عشرات القضاة، تكشف عن توجيه سياسي مباشر للقضاء وإخضاعه لإرادته.

تفاعل الرئيس

وقال العجبوني إن قضية صابر شوشان أظهرت كيف يتفاعل الرئيس مع ضغط الرأي العام في منصات التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن الحكم بالإعدام على مواطن بسيط بسبب تدوينات نقدية للرئيس أثار صدمة لدى التونسيين والعالم.

وأضاف للجزيرة نت، أن الإفراج السريع عنه لم يحترم الآجال القانونية للطعن، ولم ينتظر صدور حكم نهائي، ما يجعل قرار العفو أقرب إلى رد فعل سياسي منه إلى إجراء قانوني سليم.

وأوضح العجبوني أن الضغوط الشعبية والإعلامية الكبيرة التي رافقت الحكم دفعت الرئيس إلى محاولة امتصاص الغضب بإصدار العفو الخاص، خصوصا بعد تناول وسائل إعلام دولية كبرى للقضية، وهو ما مسّ بصورة تونس في الخارج.

لكنّه شدد على أن هذا القرار لم يُترجم إلى مراجعة أوسع لوضع المساجين السياسيين، الذين لا يزالون موقوفين منذ فبراير/شباط 2023 بتهم التآمر على أمن الدولة، وقد صدرت بحق بعضهم أحكام ثقيلة ابتدائيا.

وأشار العجبوني إلى أن صابر شوشان نال تعاطفا واسعا لأنه لم يكن ناشطا سياسيا معروفا، بل مواطنا عاديا، مما سهل على السلطة التراجع عن الحكم بحقه دون أن تُحرج خطابها الرسمي ضد المعارضين.

أما الإفراج عن المعتقلين السياسيين -برأيه- فسيشكل ضربة لرواية السلطة التي تصفهم بـ"المتآمرين والإرهابيين"، لذلك يستبعد أن يقدم الرئيس على خطوة مماثلة في حقهم، وشدد على أن حزب التيار الديمقراطي يرفض الإفلات من العقاب، لكنه يطالب في المقابل بمحاكمات عادلة ومستقلة بعيدا عن أي توجيه سياسي.

وأعرب العجبوني عن قلقه من الأوضاع الصحية للمساجين السياسيين، مشيرا إلى ما تتناقله عائلاتهم من أخبار مقلقة عن تدهور حالتهم داخل السجون، على غرار المحامية سنية الدهماني، ووزير العدل الأسبق والقيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري، ورجل الأعمال رضا شرف الدين وغيرهم، في ظل غياب رعاية طبية غير كافية، واعتبر أن "استمرار هذا الوضع يهدد حياة الموقوفين ويعمق الأزمة الحقوقية في البلاد".

تخبط السلطة

وبينما رأت بعض الأوساط أن الإفراج عن صابر شوشان مؤشر على استجابة جزئية للضغط الشعبي، يرى آخرون أنه يعكس تخبطا في إدارة العدالة واستعمالها كأداة سياسية، فقد جاء العفو في وقت تواجه فيه تونس انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية بشأن تدهور أوضاع الحريات واستقلالية القضاء.

إعلان

ويرى عدد من الحقوقيين والسياسيين، أن الطريقة التي تم بها الإفراج عن صابر شوشان كشفت خللا عميقا في علاقة السلطة التنفيذية بالقضاء، إذ بدا القرار أقرب إلى تدخل مباشر في مسار العدالة.

وحذر عدد من المحامين والحقوقيين من أن الإفراج قبل انتهاء آجال الاستئناف يمثّل سابقة خطرة، معتبرين أن الخطوة جاءت تحت ضغط الرأي العام الداخلي والخارجي، ما أضعف ثقة التونسيين في استقلال القضاء ومصداقيته.

كما وصف رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي في تدوينة على صفحته في "فيسبوك" القضية بأنها "أغرب واقعة في تاريخ القضاء التونسي"، في حين رأى قضاة أن هذا التناقض بين الإعدام والإفراج في أسبوع واحد يُربك الضمير ويقوض الأمان القانوني.

من جانبه اعتبر زعيم جبهة الخلاص المعارضة أحمد نجيب الشابي أن تدخل الرئيس في القضية يعكس تغوّل السلطة التنفيذية على القضاء، مشيرا إلى أن العفو لم يكن خطوة إنسانية فحسب، بل رسالة سياسية تثبت هيمنة الرئيس على مفاصل العدالة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا