آخر الأخبار

حماس وإسرائيل بعد عامين من طوفان الأقصى

شارك

مع مرور عامين على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية على إسرائيل، وحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة ، يبرز سؤال تقييم لمكانة كل من حركة حماس ودولة الاحتلال وظروفهما ومشروع كل منهما، وهو أمر يثير تباينا واسعا، لاختلاف منهجيات التقييم ومعاييره.

وتبرز معضلة التقييم بفعل طبيعة الصراع؛ كونه صراعا تحرر من استعمار من جهة، ولتداخله مع جوانب صراع حضاري ذي أبعاد دينية وتاريخية متشابكة.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 عامان على حرب الإبادة في غزة.. حصيلة المأساة الإنسانية تتكشف
* list 2 of 2 الجزيرة نت صدى معاناة أهالي غزة خلال عامي الإبادة end of list

وفي حروب التحرر يكون للوعي الجمعي بشأن قيم الحرية والكرامة دورا محوريا في الصراع، وهي مفردات يصعب قياسها وتقييمها ممن يعتمدون أدوات تقييم مادية صرفة، وهو ما يظهر في تباين تقييمات بعض الدراسات التي تناولت هذا الموضوع.

معضلة منهجية التقييم

وفي هذا الصدد، تلفت الانتباه نتائج دراسة بخصوص التفاعل بين المكونات النفسية والاجتماعية لـ"إرادة القتال"، أعدّها 4 من الباحثين في جامعة ماساتشوستس-بوسطن في يونيو/حزيران 2025 بعنوان "كيف ترى غزة حرب 2023-2025 ومستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

وكانت خلاصة هذه الدراسة بناء على مسح تمثيلي لآراء سكان القطاع في أوائل عام 2025 أن الحرب رسّخت إصرارهم على القضاء على إسرائيل، ورفضهم حلولا من قبيل الدولة الديمقراطية الثنائية القومية.

كما أكدت تمسكهم بقيم جوهرية راسخة تتعلق بالهوية الوطنية والدينية والتعلق بالأرض، وهي قيم يشيرون إلى نيتهم التمسك بها حتى مع تضحيات شخصية كبيرة، خلافا للافتراض القائل إنهم قد يكونون أكثر ميلا للتنازل عن تطلعاتهم السياسية الأكبر لمصلحة احتياجات مادية أكثر إلحاحا.

وهي نتيجة تؤكد مركزية البعد المعنوي والروحي في تقييم أهل القطاع لمسار الصراع، رغم حجم الدمار والمعاناة الهائلة التي تعرضوا لها على مدار عام ونصف، لدى إجراء هذه الدراسة.

وتعرض الدراسة خلاصة مشتركة لمجموعة من الدراسات المشابهة في العديد من البلدان والسياقات في أميركا الشمالية والوسطى، وأوروبا الغربية والشرقية، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجنوب شرق آسيا.

إعلان

ومفاد هذه الخلاصة أن الأشخاص المستطلعة آراؤهم "يتخذون قرارات مصيرية بناء على أسس أخلاقية تنطوي على مخاطر شخصية ومجتمعية جسيمة، إنهم يبحثون عن قادة يبدو أنهم يُجسّدون هذه المخاوف، وأن هذه الالتزامات العميقة يُمكن أن تُمكّنهم من التفوق على خصوم يتمتعون بموارد أكبر بكثير أو تكبد خسائر فادحة في نضالات مقدسة".

وتشير الدراسة إلى الخلاف المستمر بين "الواقعيين" و"الأخلاقيين" في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كما هو الحال في السياسة الخارجية والدوائر العسكرية، بشأن الأهمية النسبية للعوامل المادية (الأرض، الاقتصاد، الأمن المادي، توازن القوى) مقابل العوامل المحملة بالقيم (العدالة، المُثل، مبادئ الصواب والخطأ، الهوية) في تحفيز الحروب، واستدامتها، وإنهائها.

ويظهر هذا الانقسام في التقييمات الحالية للحرب، وفقا لتباين المرجعيات الفكرية لمن يقيمها، فمثلا يتمحور تقييم طائفة من الباحثين والمحللين حول الدمار والمعاناة الإنسانية، وصولا إلى القول بعبثية المقاومة والتمركز حول فكرة الهزيمة.

في المقابل، يظهر موقف ومنظور مغاير لدى طائفة أخرى تركز على الأبعاد المعنوية، وحتمية مقاومة الاحتلال، وجدواها على المدى البعيد، مستشهدين بتجارب التحرر السابقة وما تخللته نضالات الشعوب من آلام وتضحيات.

مصدر الصورة 40% من الشباب الأميركيين عبروا عن دعمهم لحماس (الفرنسية)

حماس بعد عامين من الحرب

وبمحاولة مراعاة العوامل المتنوعة المذكورة يمكن تقييم حالة حركة حماس بعد عامين من الحرب على النحو التالي:

فعلى صعيد المشروع، كان برنامج الاشتباك مع إسرائيل واستنزافها عسكريا واقتصاديا وسياسيا فاعلا في المنطقة على مدار العامين الماضيين، مقابل تراجع برنامج التطبيع والسلام. وهو برنامج حماس الذي أُسست لتحقيقه.

وفي المقابل، فقد تسبب حجم الجرائم الإسرائيلية في خلق موقف شعبي فلسطيني لا يدعم جولات أخرى من المواجهة العسكرية في غزة في المدى المنظور، إضافة إلى تراجع القدرات العسكرية لحماس في القطاع إلى حد كبير، بفعل ما تعرضت له من استهداف وتشديد للحصار على مدار عامين.

في حين تبقى احتمالات الصدام العسكري حاضرة في المحيط الإقليمي لدولة الاحتلال، بفعل تغير سياستها الأمنية، وتحفز دول الإقليم تجاهها.

أما بخصوص المكانة الشعبية، فيبرز تصاعد شعبية الحركة أو مواقفها في أنحاء العالم، وفقا لما تظهره العديد من استطلاعات الرأي.

فعلى سبيل المثال، في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة هارفارد هاريس في يوليو/تموز 2025، أجاب 40% من الشباب الأميركيين عند سؤالهم عمّن يدعمون أكثر، إسرائيل أم حماس، بأنهم يدعمون حماس.

وبالمقابل، يظهر تضرر الحاضنة الشعبية لها في قطاع غزة، وذلك بفعل مستوى جرائم الاحتلال عقب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكون مستوى مشاركة بقية الجغرافيات في المواجهة دون مستوى ردع الاحتلال عن الاستمرار في جرائمه لعامين.

كما يتعرض دور حماس داخل فلسطين لضغط شديد، بفعل التشديد الغربي والإسرائيلي على تحييد حضورها الرسمي. وفي السياق ذاته، يظهر تعرض بنيتها المدنية والعسكرية لضربات كبرى، وخصوصا في غزة.

إعلان

وبالتوازي، تتكثف الجهود الإسرائيلية والغربية لملاحقة الحركة وتقييد دورها وحضورها في الشتات، من خلال الاغتيالات والملاحقة الأمنية وتجفيف منابع التمويل، وتقويض علاقاتها السياسية، ومحاربة دعايتها وروايتها.

وبينما وفر تولّي حماس السلطة في قطاع غزة رافدا أساسيا للموارد البشرية والمادية وللشرعية والدور السياسي، فإن "الإطباق" الأميركي الإسرائيلي على دور الحركة في الحكم، وجعل غيابها شرطا أساسيا لوقف الحرب يشكل تهديدا مهما لمدى قوتها وتأثيرها في غزة وفلسطين في المرحلة القادمة.

كما تشكل الاستجابة لتحدي مساعي نزع سلاح الحركة أمرا جوهريا في ضمان بقائها الفعال كحركة مقاومة إسلامية.

وبالخلاصة تظهر المفارقة التالية؛ إذ يمكن القول إن فكرة حماس الأساسية المتمثلة في رفض الاحتلال ومقاومته بشتى الوسائل قد نالت انتشارا وسجلت تقدما غير مسبوق، وهو ما تظهره المواقف والأنشطة الشعبية والرسمية بهذا الخصوص، ومن أحدثها أسطول الصمود لكسر الحصار عن غزة، والمظاهرات الضخمة الرافضة للاحتلال وسياساته، وتوجهات الرأي العام في العالم العربي وغيره.

وبالمقابل، أدت الحرب إلى إضعاف البنية التنظيمية والدور السياسي لحماس داخل فلسطين، وهو ما يوفر بيئة مرشحة لتركز العمل المقاوم للاحتلال خارج فلسطين في الأعوام القادمة، سواء من حركة حماس أو من سواها.

مصدر الصورة رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير في غزة (الصحافة الإسرائيلية)

إسرائيل بعد عامين من الحرب

استعادت إسرائيل بفعل عملياتها العسكرية قدرا من الردع العسكري، وزادت من حرية حركتها، وأضعفت خصومها الأساسيين عسكريا، وفي مقدمتهم حزب الله وإيران.

فقد أسفرت الحرب عن إضعاف "محور المقاومة" بشكل غير مسبوق، وذلك بالضربات الأميركية والإسرائيلية لإيران، وبإسقاط النظام السوري، وتدمير جزء كبير من منظومة أسلحة حزب الله، وتحييد وجوده في جنوب نهر الليطاني إلى حد بعيد، وإضعاف مكانته السياسية في لبنان.

وبالمقابل، تعرضت الشرعية الدولية لإسرائيل لتراجع غير مسبوق، وتشكل أحكام المحاكم الدولية تهديدا جديا لدولة الاحتلال وقيادتها بهذا الخصوص في الفترة القادمة.

ويرجح أن تقوض جرائم الاحتلال ورد الفعل الشعبي تجاهها فرص قبول إسرائيل في المنطقة على المدى البعيد، وهو ما يظهره التحفز الرسمي والشعبي تجاه عدوانيتها وتوسعيتها المتزايدة.

بالتوازي، أسهمت الحرب في استنزاف دولة الاحتلال سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وتزايد دور التيارات الدينية والقومية المتطرفة، ووصل الانقسام الاجتماعي إلى مستويات دفعت رئيس الدولة إلى التحذير من مخاطر الحرب الأهلية. وذلك إضافة إلى عدم عودة نسبة كبيرة من سكان غلاف غزة إلى منازلهم.

الاقتصاد والهجرة العكسية

وفي هذا السياق، أشار تقرير للبروفيسور سيرجيو ديلا بيرجولا، نشره معهد الدراسات اليهودية في يناير/كانون الثاني 2025، إلى أن عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول والحرب التي تلت ذلك على جبهات عدة، وما نتج عنها من مئات الخسائر العسكرية والمدنية، وتشريد مئات الآلاف في الشمال والجنوب، واستمرار تجنيد أعداد كبيرة من الشباب في جيش الاحتياط، قد تسببت في أزمة اجتماعية واقتصادية ووجودية غير مسبوقة في إسرائيل.

وشهدت إسرائيل ميزان هجرة دولية سلبيا غير مألوف، لم يسبق أن حدث هذا الميزان السلبي إلا نادرا، بضع مرات في ثمانينيات القرن الماضي، ومرة في خمسينياته، ومرة في عشرينياته. ومع ذلك، عندما حدث كان السبب الرئيسي لمغادرة إسرائيل أزمة اقتصادية كامنة.

وفي التداعيات الاقتصادية للحرب، توقع تقرير نشره موقع "غلوباليست" في أغسطس/آب 2025 أن يتجاوز الدين العام لإسرائيل 70% من الناتج الإجمالي لعام 2025، كما توقع أن يصل عجز الموازنة الحكومية إلى نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا طوال ما تبقى من هذا العقد.

إعلان

وأشار إلى انخفاض ثقة المستهلكين في إسرائيل بشكل حاد بعد اندلاع الحرب، مما أدى إلى انخفاض الإنفاق الأسري وتباطؤ النمو الاقتصادي ، وإلى تضرر قطاع التكنولوجيا الفائقة الذي غادر إسرائيل حوالي 8300 من موظفيه، في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويوليو/تموز 2024، وهو ما يمثل حوالي 2.1% من القوى العاملة في هذا المجال في البلاد.

ولكن الدور العسكري المباشر لإسرائيل توسع بوضوح، وهو ما يشكل ميزة في الوقت الحاضر، إلا أنه يفتح الباب لتداعيات متباينة في المستقبل؛ إذ قد تدفع هذه الميزة بعض الأطراف العربية إلى توثيق العلاقة بدولة الاحتلال خوفا أو طمعا.

وقد يدفع هذا التمدد الأطراف الإقليمية إلى التقارب لإعادة التوازن إلى السياسة الإقليمية ومنع هيمنة طرف عليها. كما أن إسرائيل قد تعاني من تأثير التمدد المفرط للدور، مما يضعها أمام مخاطر انكفاء الدور والأمن في مرحلة لاحقة.

وتظهر مؤشرات على التحسب الإقليمي لتوسع الهيمنة الإسرائيلية، ومن ذلك اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها السعودية مع باكستان عقب العدوان الإسرائيلي على قطر، وسعي الكويت إلى عقد اتفاقية دفاع مشترك مع تركيا.

وذلك إضافة إلى استعدادات كل من مصر وتركيا لسيناريو الصدام مع إسرائيل، وهو ما تمثل في الاستنفار العسكري المصري في سيناء، وزيادة المناورات العسكرية واتفاقات التسلح المصرية الصينية، في حين تسابق تركيا الزمن لتطوير ترسانتها العسكرية والاستعداد لسيناريو الحرب، بما يشمل قرارها بإنشاء ملاجئ عامة لكافة سكانها.

مصدر الصورة التأييد الدولي تصاعد لقضية فلسطين خلال العامين (رويترز)

الاعترافات بدولة فلسطين

وعلى الصعيد الدبلوماسي، تشكل الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية نكسة دبلوماسية لبرنامج اليمين الإسرائيلي الذي يرفضها بشكل قطعي.

وتكمن أهمية هذه الاعترافات في نزع الشرعية الدولية عن مساعي التوسع الإسرائيلي، وإن كانت غير مرتبطة غالبا بإجراءات فعلية، خصوصا من الدول الأوروبية.

ويبقى الإصرار الأميركي الأوروبي على مساندة دولة الاحتلال سياسيا وعسكريا واقتصاديا حجر الزاوية في إدامة وجودها وحماية دورها باعتبارها امتدادا لهيمنة غربية استعمارية قديمة ومتجددة، وهو ما ظهر بشكل صادم في العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه.

ويضاف إلى ذلك، استمرار تدفق المساعدات العسكرية على مدار سنتين، رغم حجم المجازر الاستثنائي الذي أثار حفيظة عموم المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والقانون الدولي، وهو ما يشير إلى أن أي مشروع لمقاومة الاحتلال سيبقى قاصرا ما لم يتكامل مع مشروع عالمي لمواجهة الهيمنة الغربية المتحالفة مع الصهيونية .

خلاصات:


* أضعفت الحرب كلا من حماس وإسرائيل، واستنزفتهما إلى حد غير مسبوق.
* فرضت حماس مشروعها، ونشرت فكر مقاومة الاحتلال على مدار عامين.
* تضررت بنية حماس العسكرية للغاية في الحرب.
* تضرر الردع الإسرائيلي بشدة بفعل عملية طوفان الأقصى، لكن إسرائيل تمكنت من استعادة قدر كبير منه.
* تضررت سمعة إسرائيل دوليا، كما تأثرت سلبا فرص التطبيع مع دول المنطقة.
* دفعت إسرائيل وداعموها نتيجة لحرب الإبادة في غزة ثمنا باهظا على صعيد الشرعية الدولية.
* تضررت فرص قبول دولة الاحتلال في المنطقة واستقرار الأنظمة المتحالفة معها.
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا