في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
جنوب لبنان- رفعت الحاجة نظمية خليل من بلدة رامية يافطة كتب عليها "سنتان ونحن نعيش بين الموت والموت"، وتتذكر أيام حياتها المستقرة قبل أن تجرفها الحرب بعيدا عن قريتها، وتقول بصوت حزين للجزيرة نت "خرجنا منها ولا نجد بيتا نستقر فيه، الإيجارات باهظة ولا نجد مكانا نبني فيه منزلا، مرت سنتان ونحن مهجرون، نحلم بالعودة إلى بلدتنا لنعيش كما كنا، مرتاحين ومستقرين".
قصتها ليست استثناء، بل تمثل مأساة آلاف الأسر في جنوب لبنان فقدت منازلها ومزارعها وأعمالها نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة، لتصبح بلا مصادر دخل ثابت، تواجه الإيجارات الباهظة وتعيش في ظروف صعبة بلا حماية أو دعم كامل من الدولة.
في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، نظم أهالي البلدات الجنوبية الحدودية وقفتين احتجاجيتين، الأولى أمام القصر الحكومي في النبطية ، والثانية في مدينة صور ، ليطلقوا صرختهم ضد استمرار التهجير ومعاناتهم.
وقال رئيس بلدية البستان عدنان الأحمد للجزيرة نت إن "القرى دُمّرت بالكامل، لم يبق حجر على حجر، نطالب بالإعمار وإعادة السكان وتأهيل البنى التحتية، وتعويض الناس عن خسائرهم، بما فيها المزروعات لأن غالبيتهم يعتمدون على الزراعة في معيشتهم".
وأضاف أن الناس اليوم نازحون، غير قادرين على تأمين لقمة العيش أو بدل إيجار المنازل، معتبرا أن الأولوية الأولى هي الإعمار، و متمنيا أن تسرع الدولة في إعادة الأهالي.
من جهته، يرى منسق تجمع أبناء البلدات الجنوبية الحدودية طارق مزرعاني للجزيرة نت ضرورة تحرك النازحين بأنفسهم، "صارلنا سنتين بلا عمل، وعلينا تأمين السكن والتعليم للأطفال، صرختنا يجب أن تُسمع لأن أحدا لن يتحرك عنا إذا لم نتحرك نحن، الأراضي شبه خالية من السكان، والشتاء القادم قد يزيد الوضع سوءا".
وحذر مزرعاني من محاولات تحويل المنطقة الحدودية إلى عازلة، مطالبا بإعلانها منطقة منكوبة كما بعد الزلازل، وأوضح "ما أصابنا يشبه ما حدث في غزة ، خاصة في القرى المدمرة مثل ظهيرة، ورامية، و عيتا الشعب ، وكفر كلا، وعديسة، وحولا وبليدة".
بدورها، أكدت لينا عباس، من سكان مدينة صور، للجزيرة نت أن القضية تتجاوز حدود القرى، وقالت إن لبنان لكل اللبنانيين وليس فقط لأهل الحدود الذين لا يزالون يتعرضون للقصف، من حقهم أن يعيشوا بأمان، ويعود أولادهم إلى المدارس ويكون لديهم بيوت يسكنون فيها.
وحملت الوقفتان الاحتجاجيتان "رمزية قوية، كأنها تجديد عهد على الصمود، وإعلان صريح بأن الجنوب حاضر رغم الدمار والتهجير، وأن مطالب سكانه بالعيش الكريم وحقوقهم المشروعة لا يمكن تجاهلها".
وارتفعت لافتات المتظاهرين التي تعكس مأساة الأهالي اليومية، كتب على بعضها "أرضنا ليست للبيع"، و"لا للمخططات المشبوهة"، و"سنتان ونحن نتجرع مرارة المعاناة"، و"سنتان ونحن نعيش بين الموت والموت"، و"إلى متى استمرار الاعتداءات والتدمير والتهجير؟ إلى متى التقاعس عن دعم القرى الحدودية؟".
خلفت الحرب الأخيرة دمارا شبه كامل في القرى الأمامية جنوب لبنان، مثل عيتا الشعب وعيترون وميس الجبل وبليدا، بعدما تحوّلت هذه البلدات إلى خطوط تماس مباشرة. وخلت الأزقة من أصوات الحياة وتحوّلت البيوت إلى أطلال، بعدما اضطر معظم سكانها إلى النزوح هربا من القصف المتواصل.
ألقى هذا النزوح الكثيف بثقله على المناطق الخلفية، ولا سيما مدينة صور وقرى الزهراني، التي باتت ملاذا لآلاف العائلات بحثا عن الأمان. ومع انتقال الكثافة السكانية إليها، ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل غير مسبوق، بينما بقيت القرى الحدودية المدمرة معروضة للبيع أو الإيجار بأسعار زهيدة، في ظل غياب السكان والخدمات الأساسية.
وبحسب تقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان لعام 2025 الصادر عن البنك الدولي ، تُقدّر احتياجات إعادة الإعمار والتعافي بنحو 11 مليار دولار، لتغطية الأضرار والخسائر في 10 قطاعات حيوية خلال الفترة الممتدة من 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 20 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ويشير التقرير إلى أن تمويل هذه الاحتياجات يتطلب مساهمة من القطاع العام تتراوح بين 3 و5 مليارات دولار، منها نحو مليار دولار مخصصة لإعادة تأهيل البنى التحتية من طاقة ومياه وصرف صحي ونقل وخدمات بلدية. أما القطاع الخاص، فيُنتظر أن يسهم بما بين 6 و8 مليارات دولار، تتركز في مجالات الإسكان والتجارة والصناعة والسياحة.
ويُقدّر المصدر ذاته الكلفة الاقتصادية الإجمالية للحرب بنحو 14 مليار دولار، بينها 6.8 مليارات دولار خسائر مادية مباشرة، و7.2 مليارات دولار ناجمة عن انخفاض الإنتاجية وتوقف الأعمال. ويُعد قطاع الإسكان الأكثر تضررا بقيمة 4.6 مليارات دولار، فيما تكبدت قطاعات التجارة والصناعة والسياحة خسائر تقارب 3.4 مليارات دولار.
أما جغرافيا، فتُظهر بيانات البنك الدولي أن محافظتي النبطية والجنوب تحملتا العبء الأكبر من الدمار، تليهما محافظة جبل لبنان التي تضم الضاحية الجنوبية لبيروت .