آخر الأخبار

فلسطين ومصر.. علاقة أزلية ضاربة في جذور التاريخ

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

لا يمكن اعتبار العلاقة بين مصر و فلسطين مجرّد تقارب جغرافي، أو علاقات مصالح سياسية، بل علاقة أزلية ضاربة في جذور التاريخ، يمتزج فيها البُعد القومي بالعمق الإنساني، والوجدان الشعبي بالإرث الحضاري.

فالجغرافيا رسمت خطوط التداخل، حين جمعت بين مصر وفلسطين حدودا مشتركة، أما التاريخ، فقد كتب فصوله على ضفاف النيل وفي رحاب القدس، منذ عهد الفراعنة الذين خاضوا معاركهم للدفاع عن بلاد الشام، مرورا بالدولة الإسلامية التي اتحد فيها مصير الكنانة والمسرى، ثم الحملات الصليبية، فالحكم العثماني، ثم الاستعمار البريطاني، وصولا إلى الحروب العربية الإسرائيلية ، حيث دفعت مصر بدماء أبنائها فداءً لفلسطين، وظلت بوابة الدعم السياسي والإنساني والعسكري للشعب الفلسطيني في نضاله الممتد.

ولعل الرابط الأقوى بين البلدين يتمثل في وعي الشعبين المصري والفلسطيني بأن قضيتهما واحدة، وأن أي تهديد لفلسطين هو تهديد مباشر لأمن مصر واستقرارها، والعكس صحيح.

وتظل مصر حاضنة للقضية الفلسطينية، وسندًا لا غنى عنه في وجه الاحتلال، ومركزًا محوريًا في الجهود السياسية والإنسانية لرفع الحصار، وتحقيق المصالحة، والدفع نحو حل عادل وشامل يُعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

فمصر وفلسطين ليستا جارتين فحسب، بل هما جسد واحد، وروح واحدة، لا تفصلهما حدود ولا تباعدهما الظروف.

جناحان لا يفترقان

في أقصى الجنوب من فلسطين، وعلى الطرف الشرقي لشبه جزيرة سيناء، تمتد رفح الفلسطينية وتجاورها رفح المصرية، كجناحين لا يفترقان، وكقلبين ينبضان بحبٍ مشترك، رغم ما فرضته الجغرافيا السياسية من حدود ومعابر وأسلاك فاصلة.

رفح، المدينة التي قُسّمت قسرًا بين ضفتين، لم تنقسم يومًا في وجدان أهلها. فالعائلات ممتدة بين الطرفين، والدم واحد، والنَسب مشترك، والتقاليد والعادات واللهجة وحتى الحزن والفرح، توحدهما الأرض والروح. ودوما كانت سيناء بوابة فلسطين، ليست فقط من منظور جغرافي، بل كحاضنة روحية وثقافية وملاذ إنساني.

إعلان

في حروب مصر التاريخية ضد الاحتلال الإسرائيلي ، كان لرفح وسيناء الدور الأبرز، وقدّمتا الشهداء والجرحى من أجل فلسطين.

وفي المقابل، ظلّ الفلسطينيون يرَون في مصر عُمقهم وسندهم، وفي سيناء حاضنتهم، وفي رفح المصرية بيتًا كبيرًا لا يُغلق بابه.

ورغم المعاناة والحدود والمعابر، ظلت العلاقة الأخوية متجذّرة، فالزيجات المشتركة، والأُسر الممتدة، وروابط القربى، لم تُفلح السياسات ولا الاحتلال في محوها. رفح ليست مدينتين، بل واحدة قُسمت على مضض، وتنتظر اليوم الذي تلتئم فيه من جديد.

غزة… السدّ المنيع

على مرّ العصور، لم تكن غزة مجرّد مدينة ساحلية على شاطئ المتوسط، بل كانت دائما قلعة حصينة، وسدّا منيعا في وجه الغزاة والطامعين، تحرس الجنوب من بلاد الشام، وتتصدى لكل من حاول العبور نحو القلب العربي من بوابة فلسطين.

موقع غزة الإستراتيجي، جعل منها محورا رئيسيا في الصراع الحضاري والعسكري على مرّ التاريخ. فهنا مرّ الفراعنة، وهنا وقف الآشوريون والفرس، وهنا اصطدم الإسكندر بصلابة الأرض والإنسان، ومنها صدّ صلاح الدين جحافل الصليبيين في طريقهم إلى القدس.

لم تكن غزة يوما مجرد مدينة، بل كانت درعا حاميا للشام بأسرها.

وقد كتب التاريخ أن من أراد غزو الشام، عليه أولا أن يُخضع غزة، لكن غزة -بعنادها وسواعد أبنائها- لم تكن يوما أرضا سهلة المنال. كانت شوكة في حلق الطامعين، ومقبرةً لآمال الغزاة، وسيفا مشرعا في يد المقاومة، من عهد الكنعانيين حتى اليوم.

غزة اليوم، كما كانت بالأمس، ليست مجرد مدينة في الجنوب الفلسطيني، بل هي بوابة الأمة، وسيف بلاد الشام، وحصن العروبة الأخير.

100 ألف شهيد مصري

منذ اللحظة الأولى لاحتلال فلسطين عام 1948، لم تكن مصر بعيدة عن ساحة الصراع، بل كانت في مقدمة الصفوف، حاملةً لواء الدفاع عن الأرض العربية، ورافضةً للمشروع الصهيوني الاستعماري الذي لم يستهدف فلسطين وحدها، بل استهدف الأمة بأكملها.

دفعت مصر ثمنًا باهظًا من دماء أبنائها، فارتقى ما يزيد عن 100 ألف شهيد مصري في حروب وصراعات خاضتها مصر ضد الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه، بدءًا من حرب 1948، مرورًا بحرب السويس 1956، ونكسة 1967 ، وحرب الاستنزاف، ثم نصر أكتوبر المجيد عام 1973.

لكن معركة مصر لم تكن عسكرية فقط، بل كانت أيضًا سياسية وإنسانية، فقد حملت على عاتقها وصاية نضالية وإنسانية على قطاع غزة، خاصةً في فترات حرجة، كانت فيها غزة معزولة ومحاصرة. ومنذ عام 1948 وحتى نكسة 1967، كانت مصر حاضنة لغزة، تدير شؤونها المدنية والعسكرية، وتوفّر لها الغطاء السياسي والدعم الشعبي، وتحميها من محاولات التهويد والاحتلال المباشر.

لم تتخلَّ مصر يومًا عن دورها رغم الظروف المتغيرة، فحتى بعد احتلال القطاع من قِبل إسرائيل ، ظلّت مصر بوابة الفلسطينيين إلى العالم، وملاذهم في الأزمات، ومعبَرهم إلى الحياة. وفي كل عدوان، كانت المستشفيات المصرية تفتح أبوابها للجرحى، والمدارس والجامعات تستقبل الطلاب، والأرض المصرية تحتضن المهجّرين والمقاومين.

نضال مشترك

منذ نكبة عام 1948، عندما شُرّد مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم قسرًا بفعل الاحتلال، فتحت مصر أبوابها للفلسطينيين، لا كلاجئين عابرين، بل كأبناء عائلة كبرى يجمعها الدين والعروبة والمصير المشترك.

إعلان

وفي مرحلة ما بعد النكبة ، فتحت مصر أبوابها لاستقبال آلاف الفلسطينيين من سكان المدن والقرى التي احتلها الاحتلال في العام 1948، وقدّمت لهم المأوى والتعليم والرعاية الصحية.

كما احتضنت الجامعات المصرية الطلاب الفلسطينيين، وأُدمج الكثير منهم في الحياة العامة، وشاركوا في العمل السياسي والثقافي، دون أن تُنتزع منهم هويتهم الوطنية أو يُفرض عليهم التنازل عن قضيتهم.

كانت مصر، من خلال الإدارة العسكرية، على قطاع غزة (1948–1967) تشرف على القطاع سياسيًا وأمنيًا ومدنيًا، وفي هذه الفترة شهدت غزة نهضة تعليمية وثقافية، بفضل الكوادر المصرية والتعاون الشعبي الرسمي بين الطرفين. كما أُتيح للفلسطينيين في غزة السفر والدراسة والعمل في مصر، وأصبحت العلاقة اليومية بين الطرفين جزءا من نسيج اجتماعي واحد.

وما بعد نكسة 1967 والاحتلال الكامل لفلسطين، ورغم أن قطاع غزة أصبح تحت الاحتلال المباشر بعد حرب يونيو/حزيران، فإن مصر لم تنكفئ عن دورها. استمر الدعم السياسي للفلسطينيين، واستقبلت القاهرة الفصائل الفلسطينية، واحتضنت مقر الجامعة العربية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وظلت مصر وجهة لعلاج الجرحى، وتدريب الكوادر، وحشد الدعم العربي والدولي للقضية.

وخلال الانتفاضات والعدوان على غزة (منذ عام 2000 حتى اليوم)، لعبت مصر دورًا رئيسيًا في التهدئة، وفتحت معبر رفح لاستقبال الجرحى والمرضى، وأدخلت المساعدات الإنسانية عبر أراضيها. واحتضنت مصر آلاف العائلات الفلسطينية التي هُجرت بسبب العدوان، ووفرت لهم فرص العمل والتعليم، دون تمييز أو عزل اجتماعي.

المعابر شريان الحياة

منذ أكثر من 17 عاما، يعيش قطاع غزة تحت حصار خانق فرضه الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لخنق أكثر من مليوني إنسان، عزّل، في مساحة جغرافية صغيرة. وتفاقم هذا الحصار مع تكرار العدوان العسكري، الذي دمّر البنية التحتية، وأغلق الأفق أمام أي حياة كريمة لأهالي القطاع.

وفي خضمّ هذا المشهد القاتم، ظلّت مصر تمثّل المتنفّس الأخير لغزة، والداعم العربي الأبرز في مواجهة تداعيات الحصار الإنساني والصحي والمعيشي. فقد تحوّلت المعابر الحدودية، وعلى رأسها معبر رفح البري، إلى شريان الحياة الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي، خاصة في ظل الإغلاق المتكرر لبقية المعابر من جانب الاحتلال.

الدور المصري لم يقتصر على فتح المعابر فحسب، بل امتدّ إلى جهود إغاثية كبيرة، تمثلت في:


* استقبال الجرحى والمرضى من قطاع غزة في المستشفيات المصرية، وخاصة في سيناء والقاهرة، وتوفير الرعاية الصحية العاجلة لهم، خصوصًا في أوقات العدوان.
* تسيير قوافل طبية وغذائية وإغاثية ضخمة عبر معبر رفح، كان آخرها من أكبر القوافل العربية والأفريقية، التي حملت مواد طبية وغذاءً واحتياجات إنسانية عاجلة.
* التنسيق الدبلوماسي مع المؤسسات الدولية والمنظمات الأممية لتسهيل دخول المساعدات إلى داخل القطاع، وضمان عدم انقطاعها رغم التعقيدات الأمنية.
* لعب دور الوسيط النزيه في تثبيت التهدئة و وقف إطلاق النار ، للحفاظ على أرواح المدنيين، والحد من استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية.
* توفير ملاذ آمن لبعض العائلات المتضررة في فترات التصعيد، وتأمين إقامتهم المؤقتة داخل الأراضي المصرية، وفتح الجامعات والمدارس لأبناء القطاع في بعض المراحل.

الحراك الخيري المصري

منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم تغب المؤسسات الخيرية المصرية عن المشهد الإنساني، بل كانت في طليعة الصفوف التي تحركت لنجدة الشعب الفلسطيني، وتقديم الدعم الفعلي له في أصعب الظروف، حين ضاقت الخيارات واشتد الحصار، وارتفعت أعداد الشهداء والجرحى وتزايدت نداءات الاستغاثة من داخل القطاع.

فمنذ الساعات الأولى للعدوان، سارعت المؤسسات الخيرية المصرية، وعلى رأسها الهلال الأحمر المصري، ومؤسسة مصر الخير، وجمعية رسالة، ومؤسسة حياة كريمة وغيرها، إلى تجهيز قوافل طبية وغذائية ضخمة، انطلقت من القاهرة وعدد من المحافظات باتجاه معبر رفح، محمّلة بالأدوية، والمستلزمات الجراحية، والمواد الغذائية، ومياه الشرب، وأجهزة الإنقاذ.

إعلان

المؤسسات الخيرية المصرية شكّلت، إلى جانب الموقف الرسمي والشعبي، جبهة دعم متكاملة لأهالي قطاع غزة. وقد أثبتت التجربة أن العمل الخيري المنظّم، عبر المعابر الإنسانية، والمبادرات النوعية، قادر على صنع فارق في معادلة الصمود، وتثبيت حق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة، رغم كل الحصار والعدوان.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا