في أحد المقاهي بوسط دمشق جلست إلى مجموعة من السوريين لأسألهم عن نظرتهم إلى تشكيل أول مجلس نواب عقب سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
يخبرونني أنه في العهد السابق لم يكن ممكنا الجلوس هكذا في مقهى لمناقشة أي شأن سياسي من دون ملاحقات أمنية غالبا ما تفضي إلى السجن.
ويحدثني قصي حسن قائلا "إذا أردت إجراء هذا اللقاء قبل عام واحد فقط، كنا سنخاف أن نتحدث إليك. فالتصوير في هذا المقهى كان مستحيلا".
ورغم أن اختيار أعضاء مجلس النواب لن يجري بالاقتراع المباشر بل بطريقة أقرب للتعيين، تشعر المجموعة التي تحدثت إليها بحماس شديد إزاء اتخاذ خطوة تؤسس لحياة سياسية يرونها تحمل لهم هامشا لم يعرفوه من الحرية.
ويؤكد قصي أن "أي شئ سيكون أفضل مما كنا فيه" في إشارة لحكم الرئيس السابق بشار الأسد. ويضيف أن كل النواب تحت حكم الأسد كانوا يأتمرون بأوامر الأجهزة الأمنية، "لم يكونوا يعرفون سوى: أمرك سيدي."
ويعين الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع ثلث أعضاء البرلمان الجديد، البالغ عددهم 210 أعضاء. أما باقي الأعضاء فيجري اختيارهم من خلال هيئات ناخبة شكلتها لجنة الانتخابات التي عينها الرئيس أيضا.
ويضيف قصي أن مقارنة سوريا بالأنظمة الديمقراطية في أوروبا هو ضرب من المستحيل، موضحا أن "الفارق بيننا وبين دول العالم في التطور حوالي خمسين عاما".
ويقول قصي إنه يثق في اختيارات الشرع "فنحن بحاجة لأن يتصدر صوت الثورة المشهد، خاصة أصوات الشباب."
وهذه كلمات بلا شك سيكون لها الكثير من المنتقدين. فالتخوفات كثيرة من أن يطغي على البرلمان توجه واحد، إذ أن أعضاءه يعينون بشكل مباشر أو غير مباشر من جانب الرئيس.
ولأحمد الشرع ماض جهادي معروف إذ انضم لصفوف تنظيم القاعدة في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق ثم بات قائدا لتنظيم جبهة النصرة المرتبط بالقاعدة قبل أن يفك الارتباط لاحقا، كما كان موضوعا على قوائم الإرهاب الأمريكية إذا رصدت الاستخبارات المركزية مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يرشد إليه. ولكن كل هذا تغير الآن بعد رفع اسمه من قوائم الإرهاب، واستقباله في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ليلقي خطاب سوريا، ليكون أول رئيس سوري يخاطب المنبر الدولي منذ نحو ستين عاما.
وبجوار قصي جلس أحمد صبيح وهو موظف حكومي ليشرح لي أن إجراء اقتراع مباشر حاليا تعترضه الكثير من المصاعب، نظرا لوجود أعداد كبيرة من النازحين داخل البلاد، فضلا عن الدمار الكبير الذي حل بالمرافق الأساسية في أغلب أنحاء سوريا بفعل الحرب التي استمرت منذ عام 2011 من أجل الإطاحة ببشار الأسد.
ويرى أحمد أن التحول الديمقراطي يحتاج إلى وقت ويجب أن يتم بشكل تدريجي. ويوضح "بعد سبعين عاما من القمع، لا يمكن أن يصبح الشعب السوري ديمقراطيا بين عشية وضحاها." ويشير هنا لحكم حزب البعث لسوريا الذي استمرّ منذ مطلع الستينيات وحتى سقوط بشار الأسد.
وستظل مجموعة من مقاعد البرلمان شاغرة، إذ يتعذر إجراء الانتخابات في دوائرها بسبب التوتر الأمني. وتمثل هذه المقاعد طوائف عرقية ودينية تشتكي التهميش في الواقع السياسي السوري.
ففي محافظة السويداء جنوبي البلاد حيث يسكن الدروز لن تجرى الانتخابات. فقبل بضعة أسابيع اشتعلت مواجهات ما بين الدروز من جهة وقوات الأمن وفصائل مسلحة موالية لها من جهة أخرى ليقتل المئات من أبناء الطائفة الدرزية من مسلحين ومدنيين ومن رجال الأمن كذلك، بحسب تقديرات حقوقية. وتحدث الدروز عن تعرضهم للعديد من الانتهاكات والقتل غير المبرر. ولايزال الجيش السوري غير قادر على الدخول إلى محافظة السويداء حتى الآن في ظل حالة شديدة من الاحتقان
وتعيش حنان زهر الدين في دمشق ولكن الكثير من أفراد أسرتها يعيشون في السويداء. وهي تشعر بمرارة كبيرة بعد مقتل ابن عمها، الذي كان معلما في منتصف الأربعينيات من العمر، خلال الاشتباكات الأخيرة. وتقول إنه قتل داخل منزله.
وترى حنان أن إجراء أي انتخابات في السويداء حاليا غير ممكن لأن "أهل السويداء حاليا يرفضون كل شئ. فالشرخ عميق للغاية ولا أدري إذا كان من الممكن أن يندمل مع مرور الوقت"
وخلال لقائنا مع أحمد زيدان، المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت، قال إن السلطة الانتقالية في دمشق تريد أن تبعث بلجنة تحقيق للوقوف على ملابسات الاشتباكات لكن لن يسمح للجنة بالدخول. ويعكس هذا التوتر الكبير ثقة غائبة ما بين الدروز في السويداء أو على الأقل بين قطاع منهم وبين الحكومة المركزية في دمشق.
وفكرت حنان، المحامية، أن تأخذ أولادها وتغادر سوريا إذ شعرت بالخوف، حسبما تقول، بعد ما حدث في السويداء. لكنها عدلت عن قرارها "فكيف أغادر وأترك أهلي في السويداء؟!"
وتشكك حنان في قانونية اختيار مجلس النواب برمته. "فغياب مشاركة العديد من الفئات كيف يمكن لها أن تنتج برلمانا صحيا أو قانونيا؟"
كما لن تجرى الانتخابات أيضا في العديد من المناطق في المحافظات ذات الأغلبية الكردية والواقعة بشمالي البلاد. فالعلاقة لاتزال ضبابية ومتوترة بين المسلحين الأكراد المسيطرين على تلك المناطق الحدودية الغنية بالنفط وحكومة دمشق.
في مارس آذار الماضي وقعت الحكومة السورية المؤقتة اتفاقا مع قوات سوريا الديمقراطية يقضي بدمج المقاتلين الأكراد.ومن المقرر أن ينفذ الاتفاق بحلول نهاية العام الجاري. ولكن ما من مؤشر حتى الآن على الشروع في تنفيذه.
وينحدر مهاباد تزياني من محافظة الحسكة الكردية وهو مسؤول بالمجلس الوطني الكردي في دمشق الممثل لعدة أحزاب كردية.
ويقول إن السلطة الحالية لا تدرك الطبيعة التعددية للمجتمع السوري، "فتكوين المجتمع أشبه بالفسيفساء من حيث التنوع والتعدد."
لكن "النهج حاليا هو نهج اللون الواحد والصوت الواحد. ولم يتجاوب معنا أحد ولم يستمع إلينا أحد، ولم يشركنا أحد في أي حوار" وفقا لمهاباد.
وحول أسباب اعتماد السلطة الانتقالية هذا الأسلوب في تكوين البرلمان، أوضح لنا أحمد زيدان أن الكثير من السوريين لا يملكون أوراقا ثبوتية بسبب التهجير والنزوح. "فلا نعرف عناوين الكثير من الأشخاص، فكيف يمكن لسكان الخيام أن ينتخبوا؟!"
ولا تتعلق المسألة بآلية اختيار النواب الجدد فحسب بل كذلك بإيجاد حل جذري يمتص الغضب الكامن لدى بعض مكونات المجتمع السوري ويبدد مخاوفها، والا سيصبح إكمال المرحلة الانتقالية أمراً معقدا وشاقا للغاية.