آخر الأخبار

أم الجمال.. لؤلؤة السهل البازلتي و"المدينة السوداء" في الأردن

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

عمّان- في قلب البادية الأردنية الشمالية الشرقية، وعلى مقربة من مدينة المفرق، تتربع مدينة أم الجمال الأثرية كواحدة من أكثر المواقع التاريخية تميزا في الأردن ، حيث يشكل البازلت الأسود مادتها الأساسية، مانحا إياها طابعا عمرانيا استثنائيا جعلها تُلقب بـ"المدينة السوداء".

تبدو أم الجمال وكأنها تحفة معمارية متماسكة نحتها الزمن وحافظت على ملامحها قرونا طويلة، حتى غدت اليوم إحدى أبرز الوجهات السياحية التي تستعد لدخول المشهد العالمي بعد إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو .

عبق التاريخ

تعود جذور مدينة أم الجمال إلى العصر النبطي من القرن الأول الميلادي والروماني والبيزنطي، حيث شكلت محطة رئيسية على طرق التجارة القديمة التي ربطت شمال الجزيرة العربية بالمدن الكبرى في بلاد الشام، لتصبح نقطة رئيسية في شبكة الطرق الرومانية التي ربطت البادية الأردنية بالمدن الكبرى مثل بصرى الشام وجرش وفيلادلفيا (عمّان حاليا).

تنتشر بين أزقتها وبقاياها المعمارية آثار لأكثر من 150 بناء أثريا، من بينها الكنائس البيزنطية ذات النقوش الحجرية الفريدة، والقصور السكنية، وحصون المراقبة، إلى جانب شبكة مائية متطورة عكست براعة سكانها في استغلال الموارد الطبيعية في بيئة صحراوية قاسية.

ومع دخول العهد الأموي، واصل الموقع دوره كمركز سكني وتجاري، قبل أن تبدأ المدينة تدريجيا فقدان مكانتها نتيجة التغيرات الاقتصادية والسياسية، ومع ذلك، بقيت أطلالها شاخصة لتشهد على حضارات عاشت وتفاعلت في قلب البادية الأردنية.

مصدر الصورة تمثل أم الجمال شاهدا حيا على تفاعل الإنسان مع بيئة البادية البازلتية وتحويلها إلى مركز حضاري مزدهر (الجزيرة)

عابرة للحضارات

على مر العصور، مرّت على أم الجمال حضارات متعاقبة تركت بصماتها بوضوح، بدءا من الأنباط الذين أسسوا نواتها الأولى، مرورا بالرومان الذين نظموا عمرانها وأقاموا حصونها، ثم البيزنطيين الذين أضافوا كنائسهم ومراكزهم الدينية، وصولا إلى الحقبة الإسلامية المبكرة حيث استمر الاستيطان وازدهرت الحياة فيها.

إعلان

هذا التنوع الحضاري جعل أم الجمال سجلا حيا للعمارة والفكر البشري، يجمع بين الطابع الدفاعي والتجاري والديني.

ولعل ما يزيدها تميزا أن كثيرا من أبنيتها بقي قائما حتى اليوم، محتفظا بجدرانه وأقواسه وأبراجه، في مشهد يتيح للزائر قراءة التاريخ كما لو كان كتابا مفتوحا، ولهذا أطلق عليها بعض الباحثين اسم "بومبي الشرق"، في إشارة إلى طابعها العمراني المتماسك والمحافظ على تفاصيله.

إضافة إلى ذلك، تمنح طبيعة السهل البازلتي المحيط بالمدينة مشهدا بصريا آسرا، خصوصا عند غروب الشمس حين ينعكس الضوء الذهبي على الحجارة السوداء لتبدو المدينة كلوحة فنية طبيعية، ويصف بعض الزوار تجربتهم في أم الجمال بأنها رحلة تجمع بين رهبة التاريخ وجمال الطبيعة، في أجواء هادئة بعيدة عن صخب الوجهات السياحية المزدحمة.

مصدر الصورة أم الجمال تعد من أبرز مدن العصور الرومانية والبيزنطية والإسلامية المبكرة وتضم آثار كنائس وحصون وقنوات مائية (الجزيرة)

تجربة فريدة

زيارة أم الجمال ليست مجرد جولة بين أطلال أثرية، بل رحلة استكشاف في قلب التاريخ الممتد على آلاف السنين، فعند التجول بين الأزقة الحجرية والبوابات السوداء، يشعر الزائر بوقع أقدام القوافل القديمة، وبأصداء الجنود الذين كانوا يحرسون طرق التجارة، وبصلوات الرهبان التي ما زالت تهمس بين جدران الكنائس.

تمنح الطبيعة المحيطة أيضا بعدا آخر للتجربة، إذ تقع المدينة في سهل بازلتي واسع، تتخلله تكوينات بركانية نادرة ومشاهد صحراوية آسرة، تجعل منها وجهة مثالية لعشاق التصوير والتأمل في جماليات المكان، ومع إدراجها في قائمة اليونسكو، باتت أم الجمال تحظى باهتمام متزايد من الجهات السياحية والثقافية، مما يفتح المجال أمام مشاريع ترميم وتطوير تعزز من حضورها على خريطة السياحة العالمية.

وفي هذا السياق، تقول خبيرة الآثار الأردنية لانا الخطيب بأن "إدراج أم الجمال ضمن قائمة التراث العالمي لم يأتِ من فراغ، فهي تمثل نموذجا نادرا لمدينة متكاملة ما زالت تحتفظ بملامحها الأصلية رغم مرور القرون.

لتضيف أن ما يميز أم الجمال أنها ليست مجرد موقع أثري جامد، بل مدينة نابضة بتاريخها، تحمل قصص التجارة والدفاع والدين، وتختزن في حجارتها السوداء ذاكرة الشعوب التي عاشت هنا، وبالنسبة للسائح، فإن زيارة أم الجمال تتيح له فرصة فريدة للتواصل مع التاريخ في أبهى صوره، وسط طبيعة خلابة تشكل لوحة فنية لا تُنسى.

وتشير إلى أنه ومع تسليط الضوء العالمي عليها من خلال اليونسكو، فإن أمام الأردن فرصة ذهبية لتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية، خاصة لعشاق السياحة الثقافية والتاريخية، لتؤكد على أنه من المهم العمل على تطوير الخدمات السياحية في الموقع، مع المحافظة على أصالته، بحيث يظل شاهدا حيا على عظمة الحضارات التي مرت به.

مصدر الصورة أم الجمال أُدرجت على قائمة التراث العالمي لليونسكو مما يبرز قيمتها التاريخية والمعمارية الفريدة (الجزيرة)

إرث للأجيال

أم الجمال ليست فقط وجهة سياحية، بل إرث إنساني عابر للزمن، يجسد روح التعايش بين الإنسان والطبيعة، والقدرة على الإبداع في مواجهة التحديات البيئية، واليوم مع انضمامها إلى قائمة اليونسكو، تتعزز مكانتها كأحد أهم كنوز الأردن المخفية، لتفتح أبوابها للعالم أجمع كي يكتشف سحر المدينة السوداء.

إعلان

وبين حجارة البازلت الداكنة وصدى التاريخ المتردد في جنباتها، تبقى أم الجمال دعوة مفتوحة لكل من يبحث عن الجمال الأصيل والتجربة العميقة، لتروي للعالم حكايتها بوصفها لؤلؤة السهل البازلتي وأحدث درر التراث العالمي.

وتعمل الجهات الأردنية المعنية بالآثار والسياحة على تطوير خطط تهدف إلى جعل أم الجمال وجهة بارزة ضمن خارطة السياحة الثقافية في المملكة، وتشمل هذه الخطط ترميم بعض المباني المهددة، وتوفير لوحات إرشادية تشرح تاريخ كل معلم، إضافة إلى تنظيم فعاليات ثقافية وفنية في قلب المدينة لإحياء أجوائها التاريخية.

ومع إدراج أم الجمال على قائمة اليونسكو، تتجه الأنظار إلى هذا الموقع الذي ظل طويلا بعيدا عن الأضواء، ليصبح اليوم رمزا لثراء الأردن الحضاري وتنوعه، وبين حجارة البازلت السوداء وصدى التاريخ العريق، يجد الزائر نفسه أمام تجربة لا تُنسى، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في مشهد واحد، يجعل من أم الجمال بحق لؤلؤة السهل البازلتي وأحدث كنوز الأردن.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا