آخر الأخبار

جمال عبد الناصر: كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والجزائر مع التسجيل الصوتي للرئيس الراحل؟

شارك
مصدر الصورة

على مدار اليومين الماضيين، نشرت قناة على موقع يوتيوب تسجيلاً صوتياً للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي صادفت الذكرى الخامسة والخمسون لوفاته أمس الأول، يكشف ملامح سياساته قبل رحيله بأسابيع قليلة في سبتمبر/أيلول 1970.

التسجيل، الذي نُشر على أكثر من جزء عبر قناة Nasser Tv، يظهر عبد الناصر وهو يتحدث عن علاقات مصر المتوترة مع عدد من الدول العربية آنذاك، مهاجماً ما وصفه بـ"المزايدات" التي "أرهقت بلاده أكثر من صواريخ إسرائيل وطائراتها"، وموجهاً انتقادات مباشرة لحكومات عربية، من بينها الجزائر، بسبب ما وصفه برفضها تقديم الدعم العسكري للقاهرة خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل.

التسجيل اثار الكثير من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، وهو جدل لم يتوقف عند مضمون التسجيل وما يحمله من إشارات سياسية وتاريخية حساسة، بل امتد إلى أسئلة أكبر: لماذا يظهر هذا الأرشيف بعد عقود من اختفائه؟ ومن يمتلك الحق في نشر تسجيلات بهذا الحجم من الأهمية؟ وهل تكشف هذه المقاطع عن وجه آخر لعبد الناصر لم يعرفه جيله ولا الأجيال اللاحقة؟


*
*

ماذا جاء في تسجيل عبد الناصر؟

التسجيل يوثق لقاءً جمع جمال عبد الناصر بالرئيس الموريتاني المختار ولد داداه في السادس من سبتمبر/أيلول 1970، أي قبل أسابيع قليلة من وفاة الرئيس المصري. ما يميّز هذا التسجيل ليس فقط أنه أحد آخر أحاديث ناصر المسجلة، بل أيضا نبرته الصريحة المتشائمة التي خلت من الشعارات المعتادة، حيث بدا مرهقا، متأثرا بالمرض وضغط اللحظة السياسية.

عبد الناصر تحدّث بوضوح عن "هشاشة الوضع الإقليمي" بعد ثلاث سنوات من حرب الاستنزاف، وعن شعوره بأن "القاهرة تُترك وحدها في مواجهة إسرائيل بينما تكتفي بعض الدول العربية بالتصريحات".

في حديثه، أشار إلى أن المزايدات التي كانت تصدر عن عواصم عربية "أثقلت كاهل مصر أكثر من ضربات الطائرات الإسرائيلية".

كشف حديثه أيضا حجم الكلفة الاقتصادية للحرب، حيث ارتفعت ميزانية الجيش من 160 مليون جنيه عام 1967 إلى 553 مليونا في 1970، وهو ما اعتبره ناصر تضحية كبرى على حساب التنمية الداخلية. كما خصّ الجزائر بانتقادات مباشرة، مشيرا إلى أنها لم "تفِ بوعودها في تقديم طيّارين أو دعم مالي"، رغم ما وصفه بالمساعدات المصرية السخية لثورتها في الخمسينيات والستينيات. وإلى جانب ذلك، تحدّث عن حملات إعلامية ضد مصر في الصحف الجزائرية والعراقية، واعتبر أن هذه المواقف لا تقل ضررا عن ضغوط الولايات المتحدة وإسرائيل.

وهكذا لا يكتفي التسجيل بالكشف عن جانب شخصي من عبد الناصر في أيامه الأخيرة، بل يعيد أيضا رسم صورة للخلافات العربية العميقة في تلك الفترة.

مصدر الصورة

ما أهمية التسجيل؟

يكتسب هذا التسجيل أهميته من التوقيت الذي سُجّل فيه، إذ كان عبد الناصر يعيش أيامه الأخيرة ويواجه ضغوطًا داخلية وخارجية غير مسبوقة.

فعلى الجبهة، أنهكت حرب الاستنزاف الجيش المصري والشعب معًا، في وقت كانت إسرائيل تتلقى دعمًا عسكريًا مباشرًا من الولايات المتحدة، خصوصًا عبر تزويدها بطائرات "الفانتوم" المتطورة، على حد قول عبد الناصر.

سياسيًا، جاء التسجيل بعد أسابيع قليلة من إعلان القاهرة قبول مبادرة روجرز، الخطة الأمريكية التي دعت إلى وقف إطلاق النار لثلاثة أشهر بين مصر وإسرائيل، تمهيدًا لتسوية أوسع على أساس قرار مجلس الأمن 242.

وقد أحدث القرار انقسامًا عربيًا حادًا، إذ رفضته بعض الدول العربية، وصاحبه هجوم إعلامي على القاهرة.

في هذا السياق، بدت كلمات ناصر في التسجيل وكأنها تبرير صريح لاختياره، إذ أكد أن القاهرة تقف "على خط النار" بينما الدول الأخرى بعيدة بآلاف الكيلومترات.

هذه اللحظة المفصلية تعكس التحول الذي طرأ على خطاب عبد الناصر عبر السنوات؛ من لغة حماسية تعبّوية إلى لهجة أكثر واقعية وبراغماتية.

تسجيلات سابقة لعبد الناصر

لم يكن هذا التسجيل الأول الذي يخرج إلى العلن بعد عقود من رحيل عبد الناصر، ولا أول التسجيلات المثيرة للجدل؛ فقد نشرت قناة Nasser TV نفسها تسجيلًا صوتيًا للقاء جمع الرئيس المصري بالزعيم الليبي معمر القذافي عام 1970، دعا فيه عبد الناصر إلى وضع أهداف محددة للمعركة مع إسرائيل، بدلاً من "إطلاق شعارات رنانة وأهداف لا يُمكِن تحقيقها في ظل توازنات القوى والدعم الأمريكي لإسرائيل".

كما أن بعض خطابات عبد الناصر التي نُشرت مؤخرًا، والتي وجّه فيها انتقادات مباشرة لزعماء عرب مثل الملك فيصل ملك السعودية، استُخدمت على منصات التواصل الاجتماعي في خضم النقاشات السياسية المحتدمة.

تشكيك وانتقادات وإشادة

أثار التسجيل الصوتي عاصفة من التعليقات المتباينة على مواقع التواصل في دول عربية مختلفة. فقد شكك فريق من المعلقين في صحته، زاعمين أنه قد يكون نتاجًا لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في محاولة لتقويض إرث الرئيس الراحل.

لكن في المقابل، خرج عبد الحكيم عبد الناصر، نجل الرئيس المصري، ليؤكد في مقابلة تلفزيونية بُثّت ليلة أمس الأول أن التسجيل حقيقي. كما أن الأرشيف الرقمي للرئيس جمال عبد الناصر على موقع مكتبة الإسكندرية يضم محضر الاجتماع ذاته، بما يطابق مضمون التسجيل المتداول.

واعتبر البعض أن المضمون نفسه يتّسق مع ظروف سبتمبر/أيلول 1970، حيث كان ناصر تحت ضغط مبادرة روجرز والانقسامات العربية. فكتب مغرد: "الصوت صوته، والكلام يبين أد إيه كان شايف إن العرب بيزايدوا عليه."

هذا الانقسام في أصل التسجيل انعكس أيضًا على تفسيره. فمنتقدو عبد الناصر رأوا أن المقطع يوضح "فشل" مشروعه القومي، وأن خلافاته مع الجزائر والعراق وسوريا كانت أعمق من مواجهته لإسرائيل. وكتب آخر: "التسجيل بيفضح الحقيقة: عبد الناصر خسر معاركه مع العرب قبل ما يخسرها مع العدو."

كما اعتبر منتقدوه أن التسجيل الصوتي جاء ليؤكد أن سياسات عبد الناصر كانت في جوهرها "خاطئة". ورأوا أن اعترافه بارتفاع موازنة الجيش على حساب التنمية الداخلية يثبت أن اختياراته أرهقت مصر اقتصادياً دون أن تحقق مكاسب استراتيجية ملموسة. وكتب أحد المغردين ساخرًا: "زعيم الوحدة العربية بيشتكي من الجزائر؟ هو نفسه السبب في الانقسام." وأضاف آخر: "التسجيل يوضح إن سياسة عبد الناصر كلها كانت غلط… خسر مصر اقتصادياً وعربياً وسياسياً." وهكذا تحوّل التسجيل، بالنسبة لمنتقدي الرئيس الراحل، إلى شاهد جديد.

على الجانب الآخر، اعتبر مؤيدوه أن التسجيل يكشف صراحته، وأن مشكلته كانت في "تخاذل" بعض الدول العربية لا في سياساته، وغرّد أحدهم: "الزعيم الوحيد اللي وقف قدام أمريكا وإسرائيل واللي حواليه كانوا بيطعنوه في الضهر."

كما رأى مؤيدو عبد الناصر أن التسجيل الصوتي يكشف عن شخص "صريح وشجاع" لم يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها، حتى عندما تعلق الأمر بخلافاته مع قادة عرب. بالنسبة لهم، لم يكن حديثه عن "المزايدات" سوى تعبير عن واقع عاشته مصر "وحدها على خط النار بينما اكتفت دول أخرى بالشعارات".

أحدهم غرّد قائلاً: "حتى بعد 55 سنة… عبد الناصر لسه بيكشف حقيقة المزايدات العربية. الراجل كان بيحارب على الجبهة وهما قاعدين يتكلموا." بينما كتب آخر: "التسجيل ده أكبر دليل إن ناصر كان صريح وما بيخافش. واجه إسرائيل والعرب اللي طعنوه في الضهر." وذهب فريق ثالث للتأكيد على أن صدور مثل هذه التسجيلات بعد عقود طويلة برهان على أن صورته الوطنية ما زالت قادرة على إشعال النقاش وإلهام قطاعات واسعة من العرب.

مصدر الصورة

"انتقاص من الجزائر التي دعمت مصر"

في الجزائر، كان للتسجيل وقع مختلف. فبينما شكك بعض المعلقين في صحته واعتبروه محاولة لـ"تشويه العلاقة التاريخية" بين البلدين والزعيمين جمال عبد الناصر وهواري بومدين، رأى آخرون أن ذلك يمثل "إساءة غير مبررة". وكتب أحد المعلقين: "مصر ساعدت ثورتنا، لكن هذا لا يبرر أن يشوه ناصر صورة الجزائر."

كما استنكر البعض حديث عبد الناصر بوصفه يمثل "انتقاصًا من بلد دعمته في 1967"، مشيرين إلى الدعم العسكري الجزائري لمصر في حرب أكتوبر عام 1973.

في المقابل، اعتبر فريق آخر من المعلقين أن التسجيل "لا يضيف جديدًا سوى أنه يوضح حجم التوتر بين القاهرة والجزائر آنذاك".

كذلك، أثار التسجيل اهتمام بعض المعلقين العرب الذين استنكروا ما جاء على لسان عبد الناصر، معتبرين أن الرئيس المصري كان يسعى إلى إيجاد مبررات لفشل سياساته الخارجية.

كما أبرز أخرون حديث عن عبد الناصر عن الدعم المالي الذي تلقته مصر من الكويت والسعودية وليبيا

لماذا الآن؟

فيرى هذا الفريق أن نشر التسجيل في هذا التوقيت جاء بهدف دعم الموقف المصري من الحرب في قطاع غزة، وفي مسعى لتقديم دعم دعائي للحكومة المصرية التي تواجه انتقادات داخل البلاد وخارجها بشأن قضية دخول المساعدات إلى القطاع.

وتنفي مصر أي دور لها في منع دخول المساعدات إلى غزة.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب اسرائيل حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا