في قلب محافظة كاجيادو ب كينيا ، حيث يلتقي سحر الطبيعة بتنوع الثقافات، تبرز "جامعة الأمة" كأحد أهم الصروح الأكاديمية التي نجحت في ترسيخ مكانتها خلال العقدين الماضيين.
واليوم الثلاثاء، افتتح رئيس كينيا وليام روتو الجامعة بشكل رسمي بعد سنوات من العمل، لتصبح أول جامعة إسلامية متكاملة في البلاد.
وخلال الافتتاح، قال الرئيس الكيني إن حكومته تعمل على تمكين مؤسسات التعليم العالي من تشكيل جيل جديد من الخريجين، ذوي المهارات والأخلاق والمبتكرين، المستعدين لخلق فرص العمل، وتطوير التكنولوجيا، ومعالجة التحديات الملحة في عصرنا.
ولتحقيق هذه الرؤية، أشار الرئيس إلى تعزيز الحوكمة في الجامعة، وإعادة هيكلة التمويل، وإدخال نموذج التمويل التحويلي الذي يركز على الطالب، الأمر الذي يؤدي إلى خفض الرسوم وفتح أبواب التعليم العالي أمام عدد أكبر من المتعلمين في جميع أنحاء البلاد.
ووضع الرئيس الكيني حجر الأساس للمرحلة الثالثة من بناء كلية الهندسة، ووصف الخطوة بالمهمة نحو تزويد الشباب الكينيين بالأدوات اللازمة للابتكار والبناء والريادة في صناعات الغد.
وتأسست الجامعة عام 1997 في بلدة ثيكا تحت اسم كلية ثيكا للشريعة والدراسات الإسلامية على يد الطبيب الكويتي الراحل عبد الرحمن السميط ، وبدعم -لا يزال يتواصل- من جمعية "العون المباشر" الكويتية.
ومع مرور السنوات توسعت الكلية، فحصلت عام 2007 على اعتماد رسمي لبرامجها الأولى، وفي هذا العام أيضا حصل تعاون مع جامعة أفريقيا العالمية في السودان، وأصبحت تمنح درجة البكالوريوس.
وفي عام 2013 تحولت إلى جامعة وتغير اسمها إلى جامعة الأمة، وضمت تخصصات جديدة إلى جانب الشريعة، وأصبحت شهاداتها معتمدة من قِبل وزارة التعليم الكينية، وتحولت تدريجيا من نواة صغيرة إلى جامعة متعددة الكليات، تستقطب طلابا ليس فقط من مختلف أنحاء البلاد، بل ومن شرق أفريقيا .
وفي عام 2019، منحها الرئيس الأسبق أوهورو كينياتا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 "الميثاق الجامعي"، الذي جعلها جامعة مكتملة الاعتراف الحكومي.
وعلى تعدد الكليات والجامعات المسيحية في كينيا، فإن "جامعة الأمة" هي أول جامعة إسلامية مُعترف بها في البلاد، كما تقول الدكتورة حليمة سعدو عبد الله نائبة رئيس الجامعة.
وتضيف للجزيرة نت أن جميع طلاب الجامعة -على اختلاف تخصصاتهم- يدرسون اللغة العربية، وتعريفا عاما بالإسلام، وتاريخ الإسلام.
رغم انطلاقتها من خلفية إسلامية، لم تحصر الجامعة برامجها في الدراسات الشرعية، بل فتحت أبوابها للتخصصات الحديثة، فهي تضم اليوم 5 كليات متخصصة في الدراسات الإسلامية، والقانون والشريعة، والتمريض والقبالة، والأعمال والتكنولوجيا، والتربية والعلوم الاجتماعية، إلى جانب برامج في الدراسات العليا.
وتزامنا مع الافتتاح، أعلنت الجامعة عن تدشين عدد من الكليات والأقسام الجديدة، برنامج الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، إضافة إلى معهد التعليم والتدريب المهني والتقني.
وتشير الدكتورة حليمة عبد الله إلى أنه تم اعتماد كليات أخرى، مثل كليتي الطب والهندسة، والتي يتوقع أن تبدأ الدراسة فيهما خلال وقت قريب.
كما شملت المرحلة الثانية من تطوير المشروع إنشاء مبنى جامعي حديث من 9 طوابق يضم قاعات دراسية ومكتبة ومختبرات ومرافق طبية وإدارية، بالإضافة إلى توسعة إسكان الطلبة، وتركيب أنظمة الطاقة الشمسية، ونظم مراقبة أمنية رقمية متكاملة.
وتحرص الجامعة على الدمج بين المناهج الحديثة والقيم الإنسانية، معتبرة أن التعليم لا يقتصر على المعرفة النظرية، بل يشمل بناء شخصية متوازنة قادرة على خدمة المجتمع.
كما شجعت منذ سنوات أساتذتها وطلابها على الانخراط في أبحاث مرتبطة بقضايا التنمية المحلية، مثل الأمن الغذائي، الابتكار الزراعي، السلم الأهلي وبناء المجتمعات، مما جعلها شريكا فاعلا في مواجهة تحديات كينيا التنموية.
يتميّز حرم الجامعة بمزيج ثقافي ثري، فبين جدران القاعات الدراسية وحدائقها الواسعة، يلتقي طلاب من نيروبي و مومباسا ولامو وغاريسا، إلى جانب طلاب من دول أفريقية عديدة. هذا التنوع أضفى على التجربة التعليمية طابعا ثريا، يعكس صورة كينيا كدولة متعددة الأعراق والديانات.
وعن مصادر تمويل الجامعة، تقول إن الجامعة تعتمد الدراسة مقابل رسوم تغطي جانبا كبيرا من نفقاتها، إضافة إلى بعض الجهات المانحة وفي مقدمتها جمعية "العون المباشر" المسؤولة عن عمليات بناء منشآت الجامعة وتطويرها، وكذلك تقديم منح دراسة لعدد من الطلاب.
وعن خدمة قضايا المسلمين في كينيا وغيرها، تقول نائبة رئيس جامعة الأمة إن الجامعة تقوم على عدد من المشاريع أهمها -بالطبع- هو تعليم أبناء المسلمين، خصوصا في كينيا، وتأهيلهم علميا ليدخلوا سوق العمل بالكفاءة المطلوبة.
لا يقتصر تأثير الجامعة على الداخل الكيني، إذ تضم بين طلابها دارسين من رواندا، والصومال، وبوروندي، وسيراليون، وزامبيا، وأوغندا، وزيمبابوي، إضافة إلى طلاب من قطر وكندا وأستراليا والولايات المتحدة، كما تحتضن سكنا للطلاب والطالبات، ومدرسة ابتدائية وأخرى ثانوية، ودارا لرعاية الأيتام.
ورغم النجاحات، لا تزال الجامعة تواجه تحديات تتعلق بتمويل الأبحاث وتوسيع البنية التحتية، في بلد يشهد تنافسا محموما بين الجامعات الحكومية والخاصة. لكن إدارة الجامعة ترى في هذه التحديات حافزا لمزيد من التطوير، واضعة نصب عينيها هدفا بأن تصبح من أبرز الجامعات في شرق أفريقيا خلال السنوات المقبلة.
وهنا تلفت نائبة رئيس جامعة الأمة إلى أن الجامعة تضم الآن نحو 3 آلاف طالب وطالبة في جميع التخصصات، مشيرة إلى أنها تُقدّم منحا دراسية للطلاب الكينيين غير القادرين، وكذلك للاجئين في كينيا.
وتضيف أن الجامعة أقامت شراكات رعاية مع عدد من المؤسسات والشركات لتدريب طلابها، ومن ثم تفتح لهم آفاق العمل بعد التخرج.
جامعة الأمة تضم عددا من المباني الجامعية إضافة إلى مدرستين ابتدائية وثانوية (الجزيرة)وتشدد على أن الجامعة تقبل جميع الطلاب ولا تقتصر فقط على المسلمين، لكنها تشير إلى أن نسبة غير المسلمين تصل إلى نحو 10%، مؤكدة على عدم وجود قيود تحول دون التحاقهم بالجامعة.
وعن التعاون مع الجامعات الأخرى، تشير الدكتورة حليمة إلى أن جامعة الأمة على تعاون وثيق مع جامعة أفريقيا العالمية في السودان، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، اللتين تمدانها بأعضاء هيئة التدريس، وتقدم منحا للعديد من الطلاب أيضا.
اليوم، لم تعد جامعة الأمة مجرد مؤسسة تعليمية في كينيا، بل أصبحت صرحا أكاديميا يجذب طلابا من الخارج، ويمنح خريجين يسهمون في ميادين العمل داخل كينيا وخارجها.
وبين الطموح الأكاديمي والجذور الروحية، تواصل الجامعة مسيرتها في صناعة جيل جديد، يجمع بين المعرفة الحديثة والوعي الاجتماعي.