طهران- يدخل الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته طهران مع مجموعة (5+1) مرحلة النهاية بعد تفعيل " آلية الزناد " في مجلس الأمن الدولي، وهو ما يعيد طهران رسميا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وتعني الخطوة عودة العقوبات الدولية بكل أشكالها، من القيود المالية والمصرفية إلى حظر السلاح والقيود على الصواريخ، مع بقاء احتمال التصعيد العسكري قائما بحكم الصلاحيات التي يمنحها الفصل السابع للمجلس.
ولم تنجح محاولات إنقاذ الاتفاق عبر الوساطات الدولية، خصوصا من جانب روسيا، إذ لم يحظ مشروع القرار الروسي الصيني لتمديد رفع العقوبات على إيران بالأصوات اللازمة لاعتماده في مجلس الأمن أول أمس، وبناء على ذلك دخل تفعيل آلية الزناد حيّز التنفيذ مساء أمس السبت.
وبذلك تُطوى رسميا صفحة الاتفاق النووي الذي وُقع عام 2015، وتُدفع إيران إلى مواجهة مباشرة مع منظومة العقوبات الأممية.
ورغم أن الخلافات النووية تبقى في صلب الأزمة، فإن التداعيات تتجاوز الملف التقني إلى أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية أوسع، تشمل مستقبل العلاقات بين طهران والغرب، وتوازنات المنطقة، ودور القوى الكبرى مثل موسكو وبكين.
ومع عودة آلية العقوبات، تتجه الأنظار إلى كيفية رد إيران، سواء عبر خطوات دبلوماسية أو تصعيد نووي أو إجراءات ميدانية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من انتقال الأزمة إلى مستويات أعمق تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
ويرى أستاذ العلوم السياسية جواد حيران نيا أن إيران حاولت تفادي الآلية عبر تفاهم مع الوكالة وتقديم عرض للأوروبيين يقضي بتخفيض تخصيب اليورانيوم من 60% إلى 20%، لكنها لم تلق تجاوبا، بل إن الأوروبيين رأوا أن التفاهم مع الوكالة يفتقر إلى جدول زمني واضح ولا يتيح تفتيش المواقع المتضررة.
وأشار حيران نيا، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن فشل مشروع القرار الروسي الصيني في مجلس الأمن لتمديد آلية الزناد، بعد رفض أميركا وبريطانيا وفرنسا، كشف أن الدول الأوروبية باتت تتحرك في تناغم تام مع واشنطن، ولم تعد تكتفي بمطلب نووي بحت، بل باتت تدفع باتجاه مفاوضات شاملة تشمل البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي الإيراني.
وتابع أن الولايات المتحدة لا تُظهر أي رغبة في صفقة تبادلية مع طهران، بل تسعى إلى ما يشبه التسليم السياسي الكامل، في حين يرى الأوروبيون أن إيران اليوم في وضع ضعيف اقتصاديا وإقليميا بعد حربها الأخيرة مع إسرائيل، وهو ما يقلل فرص منحها أي امتيازات تفاوضية.
وحذّر من أن تقييد التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، رغم أنه قد لا يصل إلى حد الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي ، سيبقى ورقة ضغط بيد طهران تستخدمها في أي جولة مفاوضات قادمة.
وختم حيران نيا بالقول إن المعادلة باتت أكثر تعقيدا بعد إعادة إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مما يجعل خروجها مرهونا بموافقة فرنسا وبريطانيا أو على الأقل عدم اعتراضهما، في حين تبقى المحادثات المباشرة بين طهران وواشنطن الخيار الأكثر واقعية رغم صعوبته، لتجنب سيناريوهات أكثر تصعيدا تشمل تشديد العقوبات أو حتى ضربات عسكرية إسرائيلية بدعم أميركي.
من جانبه، يرى المحلل السياسي رضا غبيشاوي أن المرحلة الجديدة بعد تفعيل آلية الزناد تمثل وضعا غير مسبوق لإيران، إذ لم يشهد الملف النووي مثل هذه الحالة من قبل، على الرغم من أنه كان مطروحا أمام مجلس الأمن الدولي لسنوات خلال العقد الأول من الألفية.
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن الظروف الراهنة تختلف كليا عن تلك المرحلة من حيث الأوضاع الداخلية في إيران، وكذلك التوازنات الإقليمية والدولية، مما يجعل المرحلة المقبلة شديدة الغموض.
وأضاف غبيشاوي أن عودة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن تجعل الوضع أكثر صعوبة وتعقيدا، لافتا إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستحاول استغلال المجلس لزيادة الضغوط على إيران وفرض مطالب غير واقعية.
واعتبر أن من المتوقع أن تتضاعف الضغوط، وأن ترتفع احتمالات وقوع أحداث غير متوقعة، بما يجعل مستقبل الملف مفتوحا على سيناريوهات شديدة التعقيد.
ومع ذلك، يشير غبيشاوي إلى أن إيران ليست غريبة عن الضغوط القصوى، فقد عاشت سنوات طويلة تحت عقوبات مشددة، مما جعل اقتصادها وإدارة شؤونها العامة يتكيفان مع هذا الواقع، موضحا أن طهران أعدّت مسبقا إجراءات وقائية وخططا للتقليل من الآثار السلبية المحتملة لتفعيل آلية الزناد.
ولا تعني إعادة إيران إلى الفصل السابع عبر تفعيل آلية الزناد عودة العقوبات الأممية بصيغتها السابقة فقط، بل تمثل بداية مرحلة جديدة أشد تعقيدا في مسار الأزمة النووية.
فالقرار يفتح الباب أمام تشديد القيود الاقتصادية والمالية، كما يضع مستقبل المفاوضات في دائرة الغموض، مع بروز مطالب غربية تتجاوز حدود الملف النووي لتشمل البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي الإيراني.
وفي هذا السياق، تتباين التقديرات بشأن مآلات المرحلة المقبلة، فبعض القراءات ترى أن عودة إيران إلى أحكام الفصل السابع تجعل أي تفاهمات قادمة مشروطة بحوار مباشر مع واشنطن وتنازلات أكبر من جانب طهران، في وقت تتضاءل فيه فرص صفقة متوازنة.
في المقابل، تشير قراءات أخرى إلى أن إيران، رغم شدة الضغوط، ليست جديدة على مثل هذه الظروف، وأن تجربتها الطويلة مع العقوبات قد تدفعها إلى اعتماد آليات التفاف داخلية وخارجية تخفف من آثارها، مع الإبقاء على أوراق ضغط تستخدمها عند الحاجة.
وبين هذه التقديرات المتباينة، يبقى الثابت أن الملف الإيراني يدخل طورا مختلفا عمّا كان عليه خلال السنوات الماضية، إذ تزداد فيه احتمالات التصعيد بقدر ما تتقلص فرص التسوية السريعة.
ويجد المجتمع الدولي نفسه أمام أزمة مفتوحة، تتراوح مخرجاتها بين استمرار الضغط والعقوبات أو انزلاق المشهد إلى مواجهة أوسع، في وقت تترقب فيه المنطقة والعالم ما إذا كانت الدبلوماسية قادرة على كبح مسار التصعيد قبل فوات الأوان.