في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بيروت- في مشهد يختلط فيه الحزن بالرمزية، ارتدت شوارع الضاحية الجنوبية في بيروت أمس السبت ألوان حزب الله ، وعلت أعلامه الصفراء وانتشرت صور أمينه العام الأسبق حسن نصر الله في الذكرى السنوية الأولى لاغتياله.
تدفقت الحشود إلى موقع الاستهداف الذي لا يزال شاخصا بدماره، وقد تحوّل المبنى المنهار إلى شاهد صامت على لحظة الاغتيال، في حين دوّت في المكان هتافات الولاء والوفاء لزعيم ارتبط اسمه بالمقاومة وبكل مواجهة كبرى خاضها الحزب على مدى عقود.
على مقربة من الركام، جلست الحاجة زهراء تستعيد تفاصيل تلك اللحظة الثقيلة، متحدثة بعبارات تختلط فيها الذكرى بالألم "هذا المكان لم ننسه حتى نتذكره، فهو حاضر دائما في وجداننا، منذ اللحظة التي استشهد فيها السيد حسن شعرتُ أن علي أن أكون هنا؛ ربما هو إحساس داخلي بأن وجودي في هذا المكان يجعلني أقدر أن أفديه، أو أشعر أنه لم يرحل، أريد أن أعيش اللحظة نفسها التي عاشها، أن أكون معه في تلك اللحظة في قلب المقاومة التي استشهد لأجلها، تلك المقاومة التي لو اجتمعنا كلنا على حبّها لما تفرقنا عنها".
وتتابع الحاجة زهراء حديثها، للجزيرة نت، بصوت يثقله الحزن "بالتأكيد اليوم شعور لا يوصف، ولا تكفي الكلمات لتعبر عن حجم ألمنا وما يعتصر قلوبنا، هنا لم تنتهِ حياة شخص واحد فحسب، بل كأن حياتنا جميعا توقفت بطريقة ما، كل لحظة وكل نفس يحمل معنى الفقد والحزن.. نحن هنا لنشارك هذا الشعور ونعبّر عن ألم يربطنا جميعا".
وبالروح ذاتها، تحدّثت سكينة سويدان، للجزيرة نت، مؤكدة أن الحضور اليوم ليس مجرد مشاركة رمزية بل تجديدٌ للعهد والتشبّث بالحق؛ "نحن اليوم هنا لنجدد العهد ونؤكد تمسكنا به، نحن مع غزة حتى آخر نفس، ولم نقل يوما إننا لا نريدها.. منذ أكثر من 1400 عام نحيي ذكرى الإمام الحسين وسنواصل هذا النهج، الجميع يدرك أننا منذ زمن الحسين حتى اليوم لم نتخلّ عن الحق، وغزة اليوم تمثل هذا الحق وسنقف إلى جانبها وندعم فلسطين كلها".
وتضيف أن "كل الدماء التي سُفكت لن تذهب هدرا، فهي دماؤنا ودماء أبنائنا. ابني، منذ صغره وحتى يكبر، مشروعه أن يكون شهيدا، وسنبقى جميعا على درب الشهادة تحت هذه الراية ومن أجل السيد حسن".
ومن بين المشاركين أيضا، تحدث الشاب علي خليل، للجزيرة نت، معبّرا عن ارتباط جيله بالذكرى وما تحمله من رمزية: "نشأنا على قصص المقاومة، ومنذ طفولتنا كبرنا على صورة السيد حسن. اليوم، ونحن نعيش هذا الاستهداف نشعر أن مسؤوليتنا أكبر في حمل هذا الإرث. نحن جيل لم يعرف سوى خيار المواجهة، ونعرف أن طريقنا مملوء بالتضحيات لكننا مستعدون لها".
ويتابع خليل "اغتيال القادة لم يكسرنا بل جعلنا أكثر إصرارا، حين أرى هذا الحشد أؤمن أن دماء الشهداء أنبتت أجيالا جديدة، وهذا ما يخيف العدو أكثر من أي سلاح".
أما حيدر حيدر، وهو رجل في الأربعينيات، فقد أكد -للجزيرة نت- أن نزع السلاح ليس خيارا مطروحا، معتبرا أنه يشكل عنصر ردع وحماية في مواجهة التهديدات. وأوضح أن التجارب السابقة أثبتت أن غياب الردع يزيد الخسائر، مشددا على أن الاحتفاظ بالسلاح ليس بدافع العشق له "بل كضرورة أمنية وسياسية ولحماية أرضنا من العدو الإسرائيلي".
في بيروت والجنوب والبقاع، توافدت الحشود الشعبية لإحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأمينين العامين السابقين لحزب الله حسن نصر الله و هاشم صفي الدين ، ونظم الحزب مهرجانا مركزيا في مرقد نصر الله بجادة الخميني في الضاحية الجنوبية، بالتزامن مع فعاليات مماثلة في مرقد صفي الدين ببلدة دير قانون النهر الجنوبية، ومرقد عباس الموسوي في بلدة النبي شيت البقاعية.
وشهدت المناسبة حضور وفد برلماني إيراني وصل إلى بيروت خصيصا للمشاركة في المراسم، في إشارة إلى البعد الإقليمي والدعم لمسيرة الحزب.
وفي الكلمة المركزية، جدد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم عهد الحزب بمواصلة نهج المقاومة وعدم التخلي عن السلاح، وأكد أن المقاومة استعادت عافيتها بعد عام على الاغتيال وأنها باتت جاهزة لأي مواجهة مقبلة مع إسرائيل ، مشيرا إلى إنجازات ميدانية وتنظيمية أبرزها إعادة ترميم مئات آلاف المنازل والمشاركة في الانتخابات البلدية.
وعرض قاسم رؤية الحزب في 7 نقاط، تمحورت حول اعتبار الخطر الإسرائيلي الأميركي تهديدا وجوديا، ورفض أي نقاش في سلاح المقاومة، وتحميل الحكومة مسؤولية وقف العدوان وإطلاق ورشة الإعمار، إضافة إلى التشديد على وحدة اللبنانيين في مواجهة إسرائيل.
كما دعا إلى اعتماد إستراتيجية وطنية للأمن تستند إلى المقاومة باعتبارها "أساس قوة لبنان"، ورأى أن واشنطن تسعى لنزع سلاح الحزب وإضعاف الجيش اللبناني ، لكنه جدّد الحث على دعم الجيش في مواجهة إسرائيل. وختم بالدعوة إلى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وإنشاء مجلس شيوخ، وإرساء نظام وطني غير طائفي.
وفي موازاة خطاب الحزب، أصدر الرئيس اللبناني جوزيف عون بيانا قال فيه إن "الوفاء للتضحيات لا يكون إلا بوحدة الموقف والتفاف الجميع حول مشروع الدولة الواحدة القوية العادلة"، داعيا إلى أن تكون هذه الذكرى "محطة للتلاقي وترسيخ الإيمان بأن لا خلاص للبنان إلا بدولة واحدة وجيش واحد ومؤسسات دستورية تحمي السيادة وتصون الكرامة".
ويستعيد اللبنانيون مع هذه الذكرى مشاهد ليلة 27 سبتمبر/أيلول 2024، حين هزت سلسلة انفجارات متتالية منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت إثر غارات إسرائيلية مكثفة على مقار الحزب.
وقد اغتيل نصر الله في العملية التي أطلقت عليها تل أبيب اسم "النظام الجديد"، بعد أيام فقط من تفجيرات متزامنة استهدفت أجهزة "البيجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكي (ووكي توكي) التي شكّلت حينها العمود الفقري لشبكة اتصالات حزب الله.