في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
من نافلة القول إن الهجوم الإسرائيلي على قطر يعتبر انتهاكا للسيادة في المقام الأول، لكنه في الوقت نفسه يعتبر هجوما على الوساطة التي تبذلها الدوحة في سبيل إحلال السلام في المنطقة، لأنه كان يسعى إلى تصفية قادة حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) الذين يشاركون في المفاوضات بشأن ورقة التسوية التي قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإيجاد صيغة لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة .
وفي السياق، ترك الهجوم تداعيات على المنطقة، وتسبّب في اتخاذ مواقف دولية مناصرة للدوحة التي يُتوقع أن تأخذ وساطتها أفقا جديدا ومسارا مختلفا.
وكانت وقائع الضربة الإسرائيلية على الدوحة والتداعيات التي تركتها، وكذلك أفق الوساطة القطرية محورا لـ"تقدير موقف" نشره مركز الجزيرة للدراسات تحت عنوان " الدور القطري: تحديات الوساطة في بيئة معادية ".
في الوقت الأول للهجوم تضاربت بشأنه الأقوال، إذ أعلنت إسرائيل عن تصفية قيادات وفد حماس الذي يشارك في مفاوضات الدوحة، بينما أعلنت حركة حماس نجاة قياداتها، واستشهاد 5 من كوادرها.
بعد ذلك، أصدرت الخارجية القطرية بيانا مفصّلا تحدث عن الهجوم ووقائعه، وأدلى رئيس الوزراء وزير الخارجية ا لشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بتصريحات غاضبة وصف فيها إسرائيل بالدولة المارقة.
من جهتها، صرحت الإدارة الأميركية بأن الضربة لا تفيد أميركا ولا إسرائيل، وقال الرئيس دونالد ترامب إنه وجّه مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف ، بتبليغ القطريين بالقصف الإسرائيلي، لترد قطر على لسان الناطق الرسمي للخارجية بأن أحدا لم يخبرها بالهجوم، في حين قال وزير الخارجية لاحقا إن الإخبار الأميركي جاء بعد 10 دقائق من الضربة.
وخلال اجتماع مجلس الأمن الدولي ، وفي محاولة لعزل تل أبيب وتعريتها أمام العالم، أشار الشيخ محمد بن عبد الرحمن إلى أن العدوان يُعد انتهاكا للقانون الدولي ولا يخص قطر وحدها وإنما يشمل كل الدول التي تحترم القانون الدولي .
وقد أرسلت تل أبيب برسالة من وراء هذا الهجوم مفادها أن أولويتها ليست إطلاق سراح أسراها في غزة، بل ترسيخ قواعد جديدة في المنطقة، وأن يدها قادرة على البطش بأي أحد في أي مكان من دون اعتبار لسيادة الدول أو حتى ضمانات رئيس الولايات المتحدة الأميركية، أي أن تكون إسرائيل شرطي المنطقة.
يعتبر التحول في عقيدة إسرائيل الأمنية نحو التوسع ليشمل دول الخليج ودون مراعاة لسيادة الدول أهم المستجدات، وجاء ذلك في كلمة الشيخ محمد بن عبد الرحمن عقب الهجوم على بلاده، حيث أشار إلى رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تغيير خارطة الخليج.
ورغم أن الرئيس ترامب، تعهّد أن مثل هذا الحدث لن يتكرر، وأنه ملتزم بعلاقاته مع قطر أميرا ورئيسَ وزراء ودولة، فإن إسرائيل تصر على تكرار العملية في المستقبل ولا تكترث بالتزامات الإدارة الأميركية.
وفي السياق، يضع هذا الهجوم الشراكة الإستراتيجية الأميركية القطرية أمام رهانين: أحدهما الاستمرارية والترسيخ، وذلك عبر مراهنتها على المؤسسات المستمرة في الولايات المتحدة، والتي لا تتغير بتغير الإدارات الحاكمة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية.
أما الرهان الثاني، فهو أن إدارة الرئيس ترامب أقامت نجاحها الدبلوماسي الكبير في المنطقة، المتمثل في " اتفاقات أبراهام "، على مقولة "إن دول الخليج وإسرائيل تشترك في مواجهة الخطر الإيراني، وتحتاج إلى بعضها لمواجهته".
لكن الهجوم الإسرائيلي على قطر كشف أن الحاجة لاتفاقات أبراهام لم تعد موجودة ومبرراتها غير صحيحة، إذ إن إسرائيل هي التي تشكل خطرا على دول الخليج والمنطقة.
ولا يتعارض هذا مع استمرار قطر في تعزيز تحالفاتها مع شركاء آخرين مثل تركيا أو غيرها من القوى الكبرى، ووردت إشارات لذلك في مكالمة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع الرئيس ترامب، حين قال إن قطر ستتخذ "كافة الإجراءات الكفيلة بحماية أمنها والمحافظة على سيادتها، وستواصل نهجها البنّاء في الوقوف مع الأشقاء والأصدقاء ونصرة القضايا الإنسانية العادلة".
وعلى صعيد دور الوساطة القطرية وأفقها، يمكن القول إن الأمن والوساطة في إستراتيجية قطر مرتبطان، لأن الوساطة تبعدها عن التمحور والطرفية في النزاعات، وتزيد من أعداد أصدقائها، كما أنها تخدم أمنها وكذلك أمن المنطقة من خلال إخماد النزاعات والحروب.
وانطلاقا من ذلك، يمكن القول إن سيناريوهات الدور القطري بعد الهجوم الإسرائيلي قد لا يخرج عن واحد من 3 احتمالات:
وفقا لمؤشرات عديدة، فإن المفاوضات يمكن أن تتوقف نهائيا حتى يتم تغيير قيادة الاحتلال الإسرائيلي ، وهذا الاحتمال وراد بسبب إصرار حكومة نتنياهو على مواصلة محاولة اغتيال الوفد المفاوض.
كما أن تفهم الرئيس ترامب لرغبة نتنياهو في اغتيال الوفد المفاوض قد يدفع بالدوحة إلى الإصرار على رفض الوساطة ردا للاعتبار.
وفي هذا السيناريو ستسمر الدوحة في الوساطة عموما، وهو الأمر الذي أكّده الدبلوماسيون القطريون عقب الهجوم مباشرة، لكنها ستأخذ في الحسبان الخطر الإسرائيلي، ولن تستمر في لعب هذا الدور إلا بعد إجراء تغييرات واتخاذ مواقف، قد يكون من بينها المطالبة باعتذار إسرائيلي رسمي، كما وردت أخبار عن ذلك نقلتها أكسيوس، والحصول على ضمانات أميركية.
ومن الوارد أن تحاول الأطراف المعنية بالملف مواصلة التفاوض عن طريق اجتماعات في منطقة آمنة، لكن هذا السيناريو مستبعد، لأن قطر سترفض أن تشارك في وساطة تريد إسرائيل منها مساعدتها على إطلاق أسراها لدى حماس، لكنها تهدد في الوقت نفسه بضرب قطر إن هي استضافت حماس للمفاوضات.
وعموما، فإن الهجوم الإسرائيلي على قطر قد يعقد ملف المفاوضات، ويسهم في مواصلة الضغط على الحكومة الإسرائيلية التي فشلت في إيجاد حل حتى الآن لإخراج أسراها من سجون حماس، وكلما ابتعدت قطر عن الوساطة تعقّدت الأزمة أكثر، لأن الدوحة بالنسبة للجميع هي بوابة الوساطات الناجحة، وساعدت الولايات المتحدة في إبرام الاتفاق مع أفغانسان.