عاش حياة باذخة، يخوت ضخمة، طائرات خاصة، وعقارات فاخرة، وامتلاك جزيرة في هاواي . حياة البذخ هذه ليست سوى واجهة لرجل أعمال أميركي تحوّل من مبرمج هاوٍ لا يملك أكثر من ألفي دولار إلى واحد من أكثر الشخصيات نفوذا في التكنولوجيا والإعلام. إنه لاري إليسون ثاني أغنى رجل في العالم بعد إيلون ماسك بثروة تقدر بنحو 384 مليار دولار، وفقا لمؤشر بلومبيرغ للمليارديرات.
وجاءت غالبية ثروته من شركة "أوراكل " -التي تتخذ من أوستن بولاية تكساس مقرا لها- والتي أسسها في بداية حياته مع شركاء آخرين، وتولى قيادتها من شركة نامية إلى عملاق في وادي السليكون.
ورغم أنه يتصدر الأخبار بوصفه المنافس على لقب الأغنى في العالم، لكنه في الواقع لاعب أساسي يسعى إلى توسيع إمبراطوريته التكنولوجية والإعلامية والسيطرة على الوعي الأميركي.
ولد لورنس جوزيف إليسون عام 1944 في نيويورك لأم يهودية مراهقة ووالده طيار في سلاح الجو الأميركي. بعد سنوات مضطربة، التحق بجامعة إلينوي عام 1962، لكنه ترك الدراسة عقب وفاة والدته بالتبني، ثم قضى فترة وجيزة في جامعة شيكاغو عام 1966، قبل أن يشدّ الرحال إلى كاليفورنيا.
هناك عمل مبرمجا لعدة شركات حتى التقى زميليه بوب مينر وإد أوتس ولم يكن معه سوى ألفي دولار، وأسس معهما عام 1977 شركة صغيرة لتطوير البرمجيات حملت لاحقا اسم "أوراكل".
ثم بدأ إليسون وشركاؤه العمل على تطوير وتسويق برنامج يعتمد على كود لإدارة البيانات، وحصلوا على عقد من وكالة المخابرات المركزية الأميركية لتطوير قاعدة بيانات، وما زالت الشركة تحتفظ منذ عقود بعلاقتها في تخزين بيانات الوكالات الأمنية.
ثم أصدرت الشركة برنامج أوراكل لإدارة قواعد البيانات وسرعان ما أصبح برنامجهم شائعا ومعروفا في هذا القطاع.
وعرفت الشركة بالابتكار والتسويق القوي، واتخذت من هذا البرنامج "أوراكل" اسما لها، ولم يأت عام 1987 حتى أصبحت "أوراكل" أكبر شركة لإدارة قواعد البيانات في العالم.
وفي تسعينيات القرن الماضي حاول إليسون منافسة مايكروسوفت بفكرة "الحاسوب الشبكي"، التي اعتبرها لاحقا سابقة لأوانها. لكن رهانه الأكبر كان على الإنترنت وخدماتها، وهو ما جعل "أوراكل" تتوسع بشكل هائل مع مطلع الألفية. واستحوذ إليسون على عشرات الشركات بمليارات الدولارات، ليحوّل "أوراكل" إلى عملاق متكامل للبنية التحتية السحابية والخدمات البرمجية.
وفي عام 2014 استقال إليسون من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة أوراكل مع استمرار مشاركته في الشركة حيث شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس قسم التقنية، وشغل منصب المدير التنفيذي للشركة ما بين عامي 1977 و2014.
واليوم تبلغ القيمة السوقية للشركة نحو 660 مليار دولار، وتعدّ مزودا أساسيا لخدمات الحوسبة السحابية وتخزين البيانات، خصوصا مع الطفرة التي يشهدها مجال الذكاء الاصطناعي .
وكان إليسون واحدا من أكثر الشخصيات إثارة للانقسام في وادي السيليكون ، حيث انبهر البعض بنجاحه الكبير وانتقده آخرون لأساليبه التجارية القاسية في بعض الأحيان وبذخه المبالغ به.
لم يكتفِ إليسون بلقب "رجل البرمجيات الأول"، بل تحوّل إلى لاعب أساسي في الإعلام والسياسة. وكان مساهما رئيسا في شركة تسلا للسيارات، وداعما لإيلون ماسك في شراء "تويتر/إكس"، كما حافظ على علاقة وثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكان متبرعا للحزب الجمهوري لسنوات. وكافأ ترامب "أوراكل" بمنحها أدوارا مفصلية مثل الإشراف على بيانات مستخدمي " تيك توك " الأميركيين.
وأصبحت الشركة مزودا للبنية التحتية السحابية، والحوسبة والتخزين عبر الإنترنت. وقد استفادت الشركة من الحماس المتزايد للذكاء الاصطناعي، حيث تسعى الشركات الناشئة وشركات الذكاء الاصطناعي الأخرى إلى تخزين بياناتها.
ويعد إليسون و"أوراكل" جزءا من مشروع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة 500 مليار دولار، والذي يسمى "ستارغيت"، والذي روج له ترامب.
وذهب ترامب بعيدا في دعم "أوراكل" بمنحها فرصة الاستحواذ على حصة جزئية في أعمال " تيك توك " الأميركية المملوك لشركة "بايت دانس" الصينية، والذي يضم العديد من المستثمرين المحتملين الآخرين.
وبموجب الصفقة التي تبلغ قيمتها 14 مليار دولار، من المقرر أن تستحوذ مجموعة استثمارية تضم "أوراكل"، وصندوق "سيلفر ليك"، وصندوق "إم جي إكس"، على حصة مشتركة في تطبيق "تيك توك أميركا"، وهي منصة للتواصل الاجتماعي عبر الفيديوهات القصيرة (فيها أكثر من 170 مليون مستخدم أميركي) وسيكون هناك "تيك توك الصين " وآخر يتعلق بباقي العالم.
وبموجب الاتفاق، ستتولى شركة "أوراكل" مسؤولية الإشراف على أمن بيانات المستخدمين داخل الولايات المتحدة ، بالإضافة إلى تقديم خدمات الحوسبة السحابية، وذلك بإشراف مباشر من لاري إليسون.
كما يطمح إليسون إلى توسيع إمبراطوريته الإعلامية عبر خطط لشراء "باراماونت" المالكة لأستوديوهات هوليود و"سي بي إس" و"سي إن إن" و"إتش بي أو" (HBO). وإذا تمّت هذه الصفقات، فسيصبح واحدا من أقوى الرجال تأثيرا في صناعة الإعلام والترفيه الأميركية.
ويعلن إليسون صراحة أن الخصوصية ليست إلا عقبة صغيرة أمام طموحاته الكبرى. وخطته بدمج آلاف قواعد البيانات في مستودع ضخم لتغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي تثير مخاوف المدافعين عن حرية التعبير. وبالنسبة لكثيرين، ما يفعله إليسون اليوم قد يعيد تشكيل تدفق المعلومات على غرار ما فعله روبرت موردوخ قبل عقود عندما أسس "فوكس نيوز" وغيّر المشهد الإعلامي الأميركي.
إليسون معروف بدعمه القوي لإسرائيل، ويقول إن ذلك يعود إلى ما يسميه "روحها الابتكارية". دعمه لم يقتصر على الكلام، إذ تبرع في عام 2017 بنحو 16.6 مليون دولار في حفل التبرع السنوي لمنظمة "أصدقاء الجيش الإسرائيلي " في لوس أنجلوس ، في أكبر تبرع فردي بتاريخ المنظمة.
كما ارتبط اسمه بتمويل مشروعات استيطانية مثيرة للجدل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأقام علاقات شخصية وثيقة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، حتى إنه عرض عليه منصبا في شركة "أوراكل،" كما أمضى نتنياهو عطلات في جزيرة يملكها إليسون في هاواي .
وقد تعرضت هذه المشروعات لانتقادات من الفلسطينيين بالإضافة إلى نشطاء إسرائيليين وعلماء الآثار. فضلا عن ذلك، قدم فلسطينيون دعوى قضائية بقيمة مليار دولار ضد عدد من المؤيدين للاحتلال الإسرائيلي، من بينهم إليسون، متهمين إياهم بالتآمر لطرد الشعب الفلسطيني من الأراضي المحتلة وارتكاب جرائم حرب.
في ظل هذه الشبكة المعقدة من الاستثمارات الإعلامية والتكنولوجية، يرى مراقبون أن إليسون يسعى إلى بناء نظام يسيطر على تدفق المعلومات في الولايات المتحدة والعالم. وإذا ما اكتملت صفقة "تيك توك" وعمليات الاستحواذ الإعلامية، فإن إليسون سيكون رأس الحربة في المعركة الإعلامية التي تستهدف بالدرجة الأولى المنصات الاجتماعية التي يستخدمها مئات الملايين من الشباب الأميركيين.