كانبرا- جاء قرار الحكومة الأسترالية باعترافها الرسمي بدولة فلسطين مستقلة وذات سيادة، على لسان رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز ووزيرة الخارجية بيني وونغ، ليعكس تحولا لافتا في السياسة الخارجية الأسترالية، وليستجيب لضغوط شعبية وسياسية متصاعدة طالبت بموقف أكثر جرأة تجاه القضية الفلسطينية.
فالقرار الذي وصف بالتاريخي، وانضمت فيه أستراليا إلى أكثر من 150 دولة حول العالم اتخذت الموقف ذاته، لم يكن وليد لحظةٍ عابرة، بل نتاج سنوات من الحراك الشعبي والسياسي والحقوقي داخل أستراليا وخارجها.
فقد شهد البرلمان نقاشات متكررة، وخرجت المظاهرات في شوارع العاصمة كانبرا وجسور سيدني وملبورن، وأصدرت منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والشخصيات الحقوقية بيانات متواصلة، كلها تطالب بضرورة الاعتراف بفلسطين كدولة، لا كقضية مؤجلة.
وجاء الجواب من أعلى المستويات الرسمية، ومن مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث أعلن رئيس الوزراء الأسترالي القرار الذي يضع السياسة الأسترالية في موقع جديد داخل ملف الشرق الأوسط ، بما يحمل من رمزية وواقعية.
وعبّر النائب العربي في البرلمان الأسترالي عن حزب العمال بيتر خليل عن ترحيبه بهذا القرار قائلا "لطالما دعمتُ الاعتراف بدولة فلسطين وإقامة دولة فلسطينية، وأرحب بإعلان رئيس الوزراء"، مؤكدا على ضرورة السعي للسلام.
ولفت خلال تصريح صحفي إلى أنه "يجري العمل على وضع خطة سلام، وأعتقد أن أستراليا يمكن أن تلعب دورا محوريا في هذا الصدد، عبر وقف الأعمال العدائية، وإنهاء فقدان الأرواح وضمان وصول آمن للمساعدات الإنسانية وعودة المحتجزين".
وفي رده على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي قال فيها "لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدا"، قال النائب خليل "إن مثل هذه التصريحات تعمّق الانسداد السياسي وتزيد التوتر، بدلا من أن تسهم في بناء السلام".
ويرى مراقبون أن اعتراف أستراليا ليس الأول من نوعه، لكنه يحمل وقعا مختلفا بالنظر إلى مكانة كانبرا في التحالفات الغربية، وعلاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة وبريطانيا، لذلك يُنظر إلى الخطوة بوصفها كسرا جزئيا لحاجز التردّد الغربي، وإشارة إلى أن المزاج السياسي في العواصم الكبرى قد يتبدل بفعل الضغوط الشعبية وتزايد الكلفة الأخلاقية لاستمرار الصراع.
وعلى الصعيد الداخلي، يمثّل الاعتراف انتصارا للحركات التضامنية وجماعات الضغط الفلسطينية والعربية في أستراليا، التي نجحت في تحويل النقاش العام إلى قضية سياسية ملموسة، أما على المستوي الدولي فالخطوة تفتح الباب أمام كانبرا للعب دور الوسيط الفاعل، خصوصا في ملفات المساعدات الإنسانية وجهود وقف إطلاق النار ورعاية أي مسار تفاوضي جديد.
ويرى الناطق باسم طلاب من أجل فلسطين، سايمون آون، أن القرار الأسترالي الرسمي يفتح نافذة ضوء في جدار الصمت الصلب، وقال للجزيرة نت "قد لا تغيّر الكلمات وحدها واقع الفلسطينيين بين ليلة وضحاها، لكن أستراليا من قاراتها البعيدة، أرسلت رسالة واضحة مفادها أن فلسطين دولة، لا قضية معلّقة".
لكنه استدرك قائلا "إن الامتحان الحقيقي يبدأ من الآن: كيف تترجم الرمزية إلى فعل سياسي ملموس، يقرب من سلام طال انتظاره".
ورغم الترحيب الداخلي والخارجي، ترى الشبكة الأسترالية للدفاع عن فلسطين أن الاعتراف -مع أهميته الرمزية- يبقى أقل بكثير من الالتزامات الأخلاقية والقانونية المترتبة على أستراليا، بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وقال رئيس الشبكة ناصر مشني للجزيرة نت "إن القرار محاولة لامتصاص غضب الشارع الأسترالي من التواطؤ المستمر مع إسرائيل ".
ودعى مشني الحكومة إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة، من فرض عقوبات شاملة على إسرائيل ومسؤوليها، مرورا بحظر كامل لتبادل السلاح، وتعليق الاتفاقيات التجارية القائمة، وصولا إلى دعم الملاحقة القضائية الدولية بحق المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
وأضاف مشني: "كما عاقبت أستراليا روسيا على غزو أوكرانيا ، يجب أن تفعل ذلك مع إسرائيل بسبب جرائمها في غزة، من قصف المستشفيات والمخيمات وتجويع المدنيين".
في المقابل قال أستاذ العلاقات الدولية جون ماك للجزيرة نت معلقا على الخطوة الأسترالية "إن الاعتراف الأسترالي يُعد خطوة سياسية تحمل بعدا رمزيا مهما، لكنه لا يغيّر مباشرةً من واقع الفلسطينيين تحت الاحتلال".
وشدد البروفيسور على ضرورة أن يترافق القرار مع ضغط دبلوماسي وفرض عقوبات ووقف للتجارة العسكرية، "حتى لا تبقى الخطوة في دائرة الرمزية" وفق تعبيره، وأضاف "مع ذلك، فإن القرار يفتح الباب أمام أستراليا لتكون طرفا فاعلا في صياغة إجماع غربي جديد، قد يسهم في تحريك عملية السلام".