في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة تحمل أبعادًا تاريخية، إذ تعد أول مرة منذ عام 1967 يلقي خلالها رئيس سوري كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد مرور أكثر من نصف قرن على خطاب الرئيس نور الدين الأتاسي.
تأتي هذه الكلمة في ظرف إقليمي دقيق، وسط تحولات جذرية تشهدها المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد، لتضع سوريا على مفترق طرق بين الحروب السابقة وساحات الحوار المستقبلية.
رفع العقوبات والانتقال إلى الحوار
من نيويورك، جدد الشرع دعوته إلى واشنطن لرفع العقوبات المفروضة على بلاده بموجب قانون قيصر، مؤكدًا أنها لم تعد مبررة في ظل انتقال سوريا من ساحات الحروب إلى ساحات الحوار.
كما شدد على أهمية حصر السلاح بيد الدولة السورية، مشيرًا إلى أن إدارته عملت منذ البداية على تحقيق ذلك لضمان أمن واستقرار البلاد.
في كلمته خلال منتدى كونكورد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، أوضح الشرع أن سوريا القديمة، التي كانت جزءًا من محور الممانعة، انتهت، وأن سوريا الجديدة تسعى إلى الانفتاح على المجتمع الدولي وإقامة علاقات متوازنة مع الجميع، بما في ذلك القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، في خطوة تهدف لإعادة سوريا إلى مكانتها الطبيعية في النظام الدولي.
محادثات متقدمة مع إسرائيل.. اتفاق أمني أولًا
أوضح الشرع أن دمشق وضعت مراحل متعددة للتفاوض مع إسرائيل، تبدأ بالاتفاق الأمني الذي يعيد الهدنة لعام 1974، والتي يمكن بعدها مناقشة قضايا الجولان المحتل ومستقبل العلاقات الثنائية على المدى البعيد.
في المقابل، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقفًا متريثًا، مؤكدًا أن المسألة لا تزال بعيدة المنال، على عكس ما ألمح إليه الشرع في مرحلة سابقة.
أما الاتفاق الأمني الجديد، وفق الشرع، فيتضمن منطقة عازلة أعمق تصل إلى 20-40 كيلومترًا داخل الجنوب السوري، وهو ما يختلف عن اتفاقية 1974 التي حددت المنطقة بعرض 6-10 كيلومترات، مع التخلي عن قمة جبل الشيخ، بينما لا يشمل الاتفاق المزمع استعادة أراضٍ بل يركز على تقييد حركة الجيش السوري داخل أراضيه، وهو ما اعتبره بعض المراقبين تنازلاً سياديًا جزئيًا.
توضيح الأرقام والتفاصيل
في حديثه لبرنامج "التاسعة"، أوضح علي جمالو، محلل الشؤون السورية في سكاي نيوز عربية، أن هناك تضخيماً في بعض الأرقام المذكورة حول عمق المنطقة العازلة، مؤكدًا أن التعديل يتعلق بإزاحة الخط بمسافة 2 كيلومتر فقط، وليس 20 كما أشيع.
وأضاف أن مسألة مرصد جبال الشيخ لم تحسم بعد، وأن هناك نقاشات جارية داخل الإدارة السورية حول التفاصيل الدقيقة للاتفاق.
وأشار جمالو إلى أن لقاء الشرع مع ديفيد بيترايوس، المدير السابق للمخابرات المركزية وقائد القوات الأميركية في العراق، كان مهمًا لجهة التفاهمات التي تناقش تاريخيًا الانتقال من ساحات الحرب إلى ساحات الحوار، مع تبادل ملاحظات ودعابات حول التجارب الماضية.
وأكد جمالو أن سوريا الجديدة تهدف إلى بناء علاقات متوازنة مع كل الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة التي تمارس جهودًا لتسهيل عودة دمشق إلى المجتمع الدولي، رغم وجود عقبات قانونية وسياسية كبيرة يتم تفكيكها تدريجيًا.
ملفات السويداء والاعتداءات.. الحاجة للعدالة
في سياق آخر، تناول جمالو ملف السويداء، مشيرًا إلى محاولات تشكيل لجان لدراسة الانتهاكات التي وقعت ومعاقبة المسؤولين عنها، لافتًا إلى أن الانتهاكات في الساحل كانت ذات سردية مختلفة عن السويداء.
وأوضح أن الاتفاقيات الدولية حول هذه الملفات جرى رفضها من بعض الأطراف المحلية مثل الشيخ حكمت، لكن المجتمع الدولي يتابع تطبيقها عبر الولايات المتحدة والأردن، لضمان حماية المدنيين والمجتمع المحلي.
التفاصيل الجغرافية.. مناطق منزوعة السلاح وحدود الاتفاق
وأوضح جمالو أن هناك خلطًا في المعلومات حول مناطق الانسحاب، حيث تشير الخرائط إلى وجود المنطقة الزرقاء الفاتحة ( الأندوف) التي تمثل إزاحة محدودة ضمن الاتفاق، والمنطقة الصفراء منزوعة السلاح ولكن ليس بشكل كامل، بينما المنطقة الحمراء تتعلق بحظر الطيران ولا تعني خلوها من القوات الأمنية السورية.
وأكد أن الالتزام بخط الرابع من حزيران (يونيو) لعام 1974، وفق قرار مجلس الأمن رقم 350، يمثل عنصرًا أساسيًا لضمان عدم فقدان سوريا لأي حقوق دولية، وأن الانحراف عن هذا الخط قد يضع الاتفاق برمته في خطر.
خطوات نحو لقاءات دولية موسعة
وفيما يتعلق بالجانب الدولي، لا يزال احتمال لقاء الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب قيد النقاش، فيما من المتوقع أيضًا أن يجري لقاءات مع رؤساء قبرص واليونان ولبنان، ما يعكس الجهود السورية لإعادة بناء علاقاتها مع الدول المجاورة وإثبات دورها الطبيعي في المجتمع الدولي.
زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى نيويورك تمثل مرحلة جديدة لسوريا، حيث يتم الانتقال من سياسة الحصار والممانعة إلى الانفتاح والحوار مع المجتمع الدولي، بما في ذلك إسرائيل. الاتفاقيات الأمنية والتفاوض حول خط الرابع من حزيران (يونيو) والجولان تمثل أولويات دمشق لإعادة تثبيت سيادتها، في وقت تظل فيه التفاصيل الدقيقة تحت المراجعة والمتابعة من قبل المجتمع الدولي.
سوريا الجديدة، كما يصفها الشرع، تسعى إلى بناء علاقات متوازنة، تطبيق العدالة الداخلية، وتثبيت قواعد الحوار على أسس واضحة، لتعود بذلك إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم.